Loading...

قطاع الكهرباء: محتجز إلى حين الإفراج عن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية

 

بهدف انهاض قطاع الكهرباء من الظلمة الحالكة التي يمرّ بها، أطلقت وزارة الطاقة والمياه خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء في تشرين الثاني 2022، والتي بموجبها طالبت الحصول على سلفة خزينة بقيمة 62 مليون دولار، للتمكن من شراء بواخر الفيول والغاز لزيادة ساعات التغذية إلى نحو 4 ساعات. وتحت مظلّة البدء بتطبيق الخطة، رفعت مؤسسة كهرباء لبنان تعرفة التغذية الكهربائية. ولكن لم تكن النتائج على قدر التوقعات التي تعهدت بهما الوزارة ومؤسسة الكهرباء، إذ لم تتمكن حتى الساعة ضمان زيادة الإيرادات وتفعيل الجباية وإزالة التعديات وتأمين التغذية كما وعدتان، وظهرت عوائق جديدة أمام مسار الإصلاح في القطاع، حرمت المواطنين من الانفراج الكهربائي المنتظر.  

 

من هنا أبدى البنك الدولي استعداده لإنعاش قطاع الكهرباء في لبنان، وأدرج تمويل قطاع الطاقة ضمن أولويات مشاريعه التي تستهدف لبنان.  إذ أعلن نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، في لقائه الأخير مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الـ14 من آذار 2023، عن تخصيص مبلغ قدره 500 مليون دولار للبنان هذه السنة مع إمكانية رفعه في السنوات المقبلة، وأشار إلى استعداد البنك الدولي "للدخول في مشروع يتمحور حول الطاقة ولا سيما الطاقة المتجددة بقيمة تتراوح بين 100 إلى 150 مليون دولار".

 

ولا يزال مشروع استجرار الغاز والكهرباء من مِصر والأردن، في إطار التعاون بين البنك الدولي ولبنان، لحين تنفيذ بعض الشروط الاصلاحية التي يجب أن تسير بها الحكومة بشكل واضح، وهي التدقيق المالي لشركة كهرباء لبنان، واسترداد الكلفة التشغيلية وإنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.

 

 

 

إصلاحات قطاع الطاقة "مكانك راوح" ومجموعات عمل الـ3RF غير مفعّلة!

بهدف متابعة هذه الإصلاحات ضمن "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان"،  الـ3RF الذي يضم ضمن الشركاء الأساسيين كل من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في لبنان، ويعتمد على تنسيق مؤسساتي شامل يجمع بين الحكومة والشركاء الدوليين والمجتمع المدني والقطاع الخاص، مدعومة بتنسيق بين الوزارات.  

تم تفعيل مجموعات العمل القطاعية لتعزيز التنسيق وتبادل المعرفة واتساق السياسات. تناقش هذه المجموعات القضايا الفنية المتعلقة بمجالات محددة، وتعمل كمنصة لتبادل المعلومات، وتلقي التعليقات، ومتابعة التقدم المحرز في إطار الاستراتيجيات الوطنية المعتمدة من قبل الحكومة، وتحديد التحديات التي تعيق التقدم في جدول أعمال الإصلاح واحتياجات الدعم ذات الأولوية والتقنية. كما أنها بمثابة مساحة لتصميم المشاريع، بما في ذلك تلك التي تتم في إطار "التسهيلات التمويلية الخاصة بلبنان".

 

وبما يخص إصلاحات قطاع الكهرباء، توّسع إطار عمل الـ3RF ليصبح أكثر شمولية، إذ لم يعد يقتصر فقط على إتمام الإصلاحات المتوجبة في قطاع الكهرباء وآخرها "إنشاء هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء"، بل أصبح يعمل على نطاق شامل لكل ما يتعلّق بهذا القطاع، بما فيها الإصلاحات ليدخل إلى عمقه تقنيًا ويشمل متابعة الدراسات وخطط الطاقة المتجددة ومعامل الكهرباء وغيرها…

 

فالدورالأساسي من الـ3RF هو جمع جميع الفاعلين والناشطين في قطاع الكهرباء حول طاولة واحدة من خلال مجموعات العمل التي تتألف من الجهات المانحة والمجتمع المدني والسلطات العامة، لتوحيد الرؤية حول هذا القطاع، ومتابعة تطور تنفيذ المشاريع المقدّمة من المانحين. بعد أن كان هدف هذا المشروع يقتصر على إصلاح مؤسسة الكهرباء والأضرار التي وقعت على الشبكة في محيط المنطقة المتضررة من انفجار 4 آب.

 

ولكن لم تلتق هذا العام مجموعة العمل المخصصة للكهرباء، إذ كان آخر اجتماع لها عام 2022، لأنه على الأرجح ليس هناك من رؤية واضحة لمصير قطاع الكهرباء وغير معروف إلى أين يتجه في هذا الملف وفق ما صرّح الباحث في مجال الطاقة مارك أيوب لدى معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت والتي هي عضو في مجموعة العمل لـ"مهارات نيوز". 

 

وشرح أيوب أنه "خلال هذه الاجتماعات تمت مناقشة آخر تطورات المشاريع التي عمل أو يعمل عليه المانحون Donor's Community updates، التي تشمل البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي وغيرها من الجهات المانحة، على سبيل المثال عندما قامت USAID بتنفيذ مشروع (إنارة)، شاركوا معنا خلال الاجتماعات تطورات المشروع والأعمال التي قاموا بها، وفي اجتماعات أخرى علمنا بالمناقصات التي يتم العمل عليها لكل من مركز التحكم الوطني (National Control Center) والمحطة  الفرعية في مار مخايل في بيروت التي تضررت إثر انفجار الرابع من آب والتي تحتاج للتمويل". 

 

وخلال الفترة السابقة قبل أن يتغيّر هدف إطار 3RF لم تشهد المنطقة المتضررة من الانفجار ومحيطها أي إصلاحات أو إعادة إعمار في قطاع الكهرباء، إذ لم يتم ترميم مؤسسة الكهرباء ولا المحطات الفرعية، بل تم الاكتفاء بتحضير أوراق المناقصات للمحطات الفرعية و مركز التحكم الوطني (National Control Center) وخطط من قبل البنك الأوروبي، وشرح أيوب "كل هذه المناقصات والخطط بحاجة للتمويل، والتمويل عالق بانتظار إصلاحات الـ IMF. لهذا بشكلٍ مختصر منذ 2020 حتى الآن لم تحصل أي إصلاحات ملموسة لقطاع الكهرباء ولم تمنح أي أموال في سبيل تحقيقها".  

 

كما أوضح البنك الدولي لـ"مهارات نيوز"  أن مجموعة العمل تتابع التقدم المحرَز في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للكهرباء في لبنان التي تشمل: إنشاء هيئة تنظيم لقطاع الكهرباء، قانون توزيع الطاقة المتجددة الذي لا يزال قيد النظر لدى مجلس النواب، تدقيق مؤسسة كهرباء لبنان الذي بدأ في أوائل نيسان 2023، وتنفيذ خطة الكهرباء الطارئة لوزارة الطاقة والمياه.

 

ويقع ضمن أولوياتها متابعة تنفيذ الإصلاحات المتبقية من شروط البنك الدولي وآخرها إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ومتابعة عقود الشركات الموزعة، فما هي آخر مستجداتها؟

 

إنشاء الهئية "مش لهيئة"

المصدر: Setting Up Lebanon Electricity Regulatory Authority

 

أعلنت وزارة الطاقة والمياه عبر موقعها الإلكتروني إطلاق إجراءات التوظيف لأعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في تاريخ 9/12/2022، ومددت هذه المهلة لتاريخ 31 آذار 2023 بالشروط ذاتها، مشيرةً في بيانها أنه "الشرط الوحيد المتبقّي حسب البنك الدولي والأسرة الدولية لتمويل تنفيذ الاتفاقيات التي أنجزت مع مصر والأردن وسوريا لتوريد الغاز والكهرباء".

 

كما عدّلت الوزارة في بيانها عدد أعضاء الهيئة ليصبح 6 بدلًا من 5 "تماشياً مع مقتضيات الميثاقية والدستور الذي ينص على المناصفة في وظائف الفئة الاولى أو ما يعادلها"، من دون أن يسبق هذا القرار أي تعديل يذكر للقانون رقم 462 تاريخ 2/ 9/ 2002 المعني بتنظيم قطاع الكهرباء، الذي يشير صراحةً في المادة الثامنة الفقرة الأولى منه على أنها "تتألف الهيئة من رئيس وأربعة أعضاء لبنانيين متفرغين بدوام كامل، يعينون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير لمدة خمس سنوات، غير قابلة للتجديد أو التمديد، ممن يحوزون على إجازة جامعية في مجال الكهرباء أو الإلكترونيك أو الاقتصاد أو إدارة الأعمال أو القانون أو المال أو الهندسة ويتمتعون بخبرة في هذه المجالات، ولا يجوز عزل أي منهم أو إنهاء خدمته إلا للأسباب المبينة في هذا القانون". 

 

في هذا الإطار أكدت الخبيرة ومستشارة الطاقة جيسيكا عبيد في حديثٍ لـ"مهارات نيوز" أن الإطار الذي تم فيه إطلاق الدعوة للترشح لعضوية هذه اللجنة، يخرق القانون 426 الذي يُقِر بوجوب وجود 5 أعضاء في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وليس 6 أعضاء". وأشارت إلى أنه "هناك تخوّف من قبل السلطات المعنية من إنشاء هذه الهيئة الناظمة، لأنها ستأخذ الكثير من صلاحيات وزارة الطاقة وصلاحيات مجلس الوزراء في الكثير من القرارات، على سبيل المثال منح التراخيص لإنتاج الكهرباء أو إنشاء مشاريع للطاقة الشمسية وفق القانون رقم 462".

 

وأوضح أيوب من جهته أنه لا يحق لوزير الطاقة أن يعطي رأيه بأمر قانون أو أن يطالب بتغيير عدد الأعضاء وجعلهم بستة أعضاء بدلًا من خمسة. وأضاف "يتم العمل اليوم على تعديل القانون 462 ليصبح عدد أعضاء الهيئة الناظمة 6 بدلًا من 5 وأن يصبح دورها استشاري بدلًا من أن يكون دورها تقريري، وبالتالي نسف دور الهيئة الناظمة ككل. ومن هنا تُطرح تساؤلات عدّة منها، هل سيقبل الفريق المتحكم بالوزارة تعيين هيئة ناظمة قبل ضمان تعديل القانون؟ وفي المقابل هل سيقبل خصوم هذا الفريق بتمرير هذه التعديلات قبل تعيين الهيئة؟ مما يدخلنا في نزاع سياسي كبير لا نعلم مصيره، وبالتالي لا يحق للوزير أن يطالب بتعديل عدد الأعضاء بل أن يلتزم بالقانون، واختيار 5 أعضاء ورفعهم إلى مجلس الوزراء لتعيينهم". 

 

وكان قد قدّم عدد من الأشخاص سيرتهم الذاتية للترشح لعضوية الهيئة، ومن المفترض أن يتم فرزهم، ولكن لا يمكن تعيين أي شخص قبل أن يكون هناك رئيس للجمهورية ومجلس وزراء ملتئم. ولكن إنه غير معروف حتى الآن الجهة التي ستكون مشرفة على عملية انتقاء المرشحين ومقابلتهم وإدراجهم ضمن قائمة المخولين من الوصول إلى عضوية الهيئة. هل وزير الطاقة أو الوزارة أو مجلس الخدمة المدنية؟ وكيف ستتم عملية اختيار الأعضاء؟ إذ إنه  يجب أن تكون عملية الاختيار شفافة وفق معايير واضحة، لا تخضع لتمييز طائفي كونه لم ينص القانون 462 على وجوب اختيار الأعضاء مناصفةً بين الطوائف، وعلى ما يبدو سيأخذ الأمر وقتًا طولُا وما من تعيين في الوقت القريب بحسب أيوب. 

 

ولم يكن إنشاء هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء من المتطلبات الأساسية للـ3RF، ولكن أصبحت لاحقًا جزءًا من الإصلاحات المطلوب تنفيذها ومن شروط البنك الدولي بهدف تسيير مشروع نقل الكهرباء والغاز من مِصر والأردن.  وأكد أيوب في هذا السياق أن الـ3RF ليس متوقفًا على الهيئة الناظمة، لأنه إطار أكثر شمولية يعمل على تطبيق مشاريع الطاقة المتجددة وكل ما هناك من مشاريع مخصصة للطاقة مطروحة أو يتم العمل عليها الآن من قبل الممولين. 

 

امتيازات الشركات الموزعة تنتهي بحلول أيار 2023 ... هل من مناقصات جديدة؟

 

مع اقتراب انتهاء عقود الشركات الموزعة بحلول أيار العام الحالي، لم يتم العمل حتى الآن على مناقصات لشركات توزيع الكهرباء، ووفق المعلومات المتوفرة لدى أيوب "على ما يبدو، كما تم التمديد لشركة كهرباء زحلة رغم انتهاء امتيازها العام الماضي، سيمدد للشركات الموزعة الأخرى مما يتطلب بدوره التئام مجلس الوزراء، لكنه من المفترض أن يتم إطلاق مناقصة من جديد لشركات التوزيع، وعدم التجديد للشركات الحالية ومسألة هذه الشركات عن الأمور التي أنجزتها من العقد الذي كانت تعمل بموجبه".   

 

وتابع أيوب شارحًا "أنه عندما مضت الشركات على العقد كان هناك مؤشرات أداء الجودة KPIs  من المفترض أن تتممها وتعمل وفقها، ولكن لم يتم متابعة هذه المؤشرات ولم تقم الشركات بتطبيقها، وتغطيةً لعزوفها عن إتمام واجبها المتوجبة عليها وفق العقود، تتحجج الشركات أنه لم يُدفع لها بالـ Fresh Dollar، لهذا في العديد من المناطق لم تضع العدادات الذكية، وفي حال قامت بتركيبها سوف تضع تسعيرات متفاوتة لهذه العدادات بحسب المناطق ولن تكون الأسعار موحدة". 

 

وفي حال تم التمديد لهذه الشركات، فستبقى التعديات مستمرة على شبكة الكهرباء من دون أي نيّة نحو رفعها ومحاسبة المرتكبين، وسيبقى تطوير وإصلاح الشبكة أمرا غير ممكن، وستستمر أزمة الجباية التي لطالما عانى منها لبنان بفعل إنحصار الجباية في المناطق معيّنة أما المناطق التي لا تستطيع الشركات الجباية منها تتراكم بها الفواتير من دون التمكن من تحصيلها، لا سيما عدم تركيب العدادات بحجة أن مؤسسة الكهرباء معطلة، وعدم تصليح المحولات في الأحياء بحجة عدم توفر الدولار مما يعني "إننا في انهيار تام". 

 

لا حلّ لأزمة الكهرباء من دون إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة

 

إذًا قبل أن تنجز إصلاحات اقتصادية وماكرو اقتصادية لن تقوم أي مشاريع ولن تموّل أي خطط تسهم بإصلاح قطاع الكهرباء المتضرر، لتقود نحو انفراج كهربائي في لبنان، وتابع أيوب "هذا الوقت الضائع، سيهدر بقرارات غير فعّالة كما حصل على سبيل المثال بمسألة رفع التعرفة واستيراد الفيول ودفع أجرته لمصرف لبنان بعد ستة أشهر ناهينا عن تغيّر سعر صيرفة باستمرار في هذا الوقت مما يدخلنا في أزمة أخرى، ولا سيما انتشار الطاقة المتجددة الخاصة من دون أي سيطرة أو رقابة عليها وغيرها من الأمور".

 

لهذا، يستند إنهاض قطاع الكهرباء في هذه المرحلة على أن تحصل إصلاحات Macro-economic أي إصلاحات اقتصادية شاملة، ترتكّز على تحديد سعر الصرف، إعادة الهيكلة، وإصلاحات صندوق النقد الدولي وغيرها من الإصلاحات الاقتصادية، لأنه لن يتم تمويل أي مشروع في وقت يشهد به لبنان عدم استقرار مالي واقتصادي، مما لن يشجع المانحين على وضع أموالهم من دون أن يعلموا مصير استثمارهم.

 

إذًا، لإصلاح قطاع الكهرباء، لبنان يحتاج إلى إصلاح اقتصادي، أما الإصلاح الاقتصادي فيحتاج إلى إرادة سياسية مما يعني أننا أصبحنا بحاجة إلى إصلاح شامل، قبل أن نعود إلى ملف الكهرباء والا سنبقى ندور في حلقة مقفلة ليس هناك من طريقة واضحة للخروج منها. 

 

TAG : ,Electricity ,Lebanon ,Power sector ,world bank ,IMF ,3RF ,Ministry of Energy and Water ,كهرباء ,قطاع الكهرباء ,البنك الدولي ,صندوق النقد الدولي ,اصلاحات ,وزارة الطاقة والمياه ,مجموعات العمل