Loading...
true

صحيح

الحكومة اللبنانية
هل يحق قانوناً للحكومة اقتطاع أموال من البلديات دون استشارتها؟
05/06/2025

على وقع إنتهاء الإنتخابات البلدية للعام 2025 في لبنان، تبرز الحاجة الملحة إلى بلديات فاعلة للمساعدة في إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية في العديد من المناطق اللبنانية، لا سيما وأن الإنتخابات البلدية السابقة مرّ عليها قرابة التسع سنوات. وبالتالي تحتاج البلديات المنتخبة حديثاً إلى موازنات مالية قادرة على تحقيق طموح اللبنانيين في الحصول على واقع خدماتي جيد. 

 

وتأتي هذه الانتخابات في وقت تعاني فيه معظم البلديات من أوضاع مالية متردية، إذ تشير التقارير إلى أن أكثر من 680 بلدية صغيرة لا تتجاوز إيراداتها السنوية 7500 دولار، ما يحدّ من قدرتها على تنفيذ المهام الأساسية، كما تتفاقم الأزمات الإدارية والإنمائية وسط ضعف في الكادر البشري وسوء في الإدارة. ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية تمويلها ومن أين تأتي بالمال، وكيف تبني موازناتها.

 

وهنا تبرز أهمية الصندوق البلدي الذي يعتبر أحد أهم المصادر للموازنات البلدية، وقد كثر الحديث في الفترة الأخيرة في المواقع الإخبارية عن قيام الحكومة اللبنانية بالإقتطاع من أموال البلديات في هذا الصندوق دون استشارتها لتغطية خدمات مثل الدفع لشركات تنظيف وجمع النفايات.

 

فهل يحق قانوناً للحكومة اقتطاع أموال من البلديات دون استشارتها؟

 

تتألف أموال الصندوق البلدي المستقل من الرسوم التي تستوفيها الدولة والشركات لحساب جميع البلديات كما هي محددة في المادة الأولى من مرسوم "أصول وقواعد توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل" المنصوص عنه في المادتين 87 و 88 من المرسوم الإشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 في قانون الإنتخابات البلدية والاختيارية.

ووفق المادة الثانية من المرسوم، تودع هذه الأموال في مصرف لبنان بإسم الخزينة العامة، ويُفتح في قيود مصلحة الخزينة في وزارة المالية - حساب خاص باسم "الصندوق البلدي المستقل" يتمّ تحريك هذا الحساب وفقاً لأصول - تُحدد بقرار مشترك من وزير الداخلية ووزير المالية.

 

ويتوجب في المادة الثالثة من المرسوم على محتسب الخزينة المركزي في وزارة المالية، وعلى المحتسب المركزي في المديرية العامة للجمارك، كل فيما يختص به، تصفية حصص البلديات من الرسوم التي تستوفيها الدولة وذلك في نهاية كل شهر وإيداعها لدى مصرف لبنان في حساب "الصندوق البلدي المستقل" ويبلغ وزارة الداخلية مصلحة الشؤون البلدية والقروية - نسخة عن هذا الإيداع.

 

وبحسب المادة 4 - معدّلة، من المرسوم:

 

  • تُؤخذ من الحساب الخاص بإسم الصندوق البلدي المستقل المفتوح في قيود مصلحة الخزينة في وزارة المالية، نفقات الرواتب والأجور والتعويضات التي يتقاضاها عاملون من خارج الملاك في مصلحة الشؤون البلدية والقروية إما عن طريق التعاقد أو الاستخدام والذين تتناول مهامهم أعمال مختلف البلديات، بالإضافة إلى نفقات اللوازم والأشغال التي تخصص لجميع البلديات.

  • تُحدّد قيمة هذه النفقات سنوياً بقرار مشترك يصدر عن وزيري الداخلية والمالية.

  • تُحدّد قيمة نفقات اللوازم والأشغال والخدمات التي لا تشمل جميع البلديات والتي تقتضيها مصلحة عامة ضرورية بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير الداخلية والشؤون البلدية والقروية.

 

وتُوزّع عائدات الصندوق البلدي المستقل - بعد اقتطاع نسبة (5%) لحساب الصندوق المستقل للدفاع المدني المفتوح في قيود مديرية الخزينة والدين العام، تطبـيقاً لأحكام الـمادة 30 ــ الفـقـرة 3 مـن الـمرسوم الاشـتـراعـي رقم 50 تاريخ 05/08/1967 (تـنظيم الدفاع المدني) -  وفقاً للتالي:

  • 78% تُوزّع على البلديات بصورة نسبية على أساس عدد السكان المسجلين في سجلات الأحوال الشخصية لكل بلدية.

  • 22% على أساس الحاصل الفعلي لرسومها المباشرة خلال السنتين السابقتين لسنة التوزيع.

  • 10% بالتساوي على كافة البلديات التي يساوي أو يقلّ عدد سكانها المسجلين في سجلات الأحوال الشخصية عن 4000 نسمة ولا تزيد نسبة رسومها المباشرة المحصلة خلال السنتين السابقتين لسنة التوزيع عن مليار ليرة.

إدارة الصندوق 

 

تشرح مديرة البرامج في مبادرة "غربال" كلارا بو غاريوس، في حديث لـ "مهارات نيوز"، أن القاعدة الأساسية التي تحكم أموال الصندوق البلدي المستقل واضحة في المادة 87 من قانون البلديات، حيث تعتبر أن أموال الصندوق هي أمانة تعود لجميع البلديات، وليست ملكاً لأي جهة أخرى. 

 

وتضيف أن السنوات الماضية قد شهدت اقتطاع قسم من الأموال المخصّصة للبلديات واتحادات البلديات و استخدامها لتغطية نفقات ليست من صلب عمل البلديات، مثل رواتب وأجور عاملين من خارج الملاك في وزارة الداخلية والبلديات، ونفقات أخرى عامة. وكان ديوان المحاسبة  قد اعتبر هذه الممارسات انتهاكاً للانتظام العام، كما ورد في رأيه الاستشاري رقم 62/1999 و32/2001.

 

وبعد اعتراض ديوان المحاسبة، حاولت الحكومة إيجاد سند قانوني لهذه الاقتطاعات، فتم إدراج المادة 64 من قانون الموازنة العامة رقم 326 الصادر عام 2001، التي تنص على أنه "تُقتطع سنوياً من عائدات الصندوق البلدي المستقل قبل توزيعها على البلديات قيمة خدمات النظافة التي تقوم بها شركات خاصة أو مؤسسات عامة أو اتحادات بلديات أو بلديات لحساب البلديات أو القرى التي لا تتولى بنفسها هذه الخدمات، وذلك وفقاً للعقود أو الاتفاقات المبرمة بهذا الشأن". وتقول بو غاريوس أن هذا النص جاء لتنظيم عملية الاقتطاع وربطها فقط بالخدمات الفعلية المقدمة للبلديات.

 

وفي السياق، يقول مدير المكتب الإقليمي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والخبير في شؤون الحوكمة محمد المغبط في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "إن مسمى الصندوق البلدي المستقل لا يعني أن هناك إدارة مستقلة للصندوق بل هو خاضع إلى وزارة الداخلية، ومصطلح "المستقل" مرتبط بأن الأموال التي تدخل إلى الصندوق هي إيرادات مستقلة عن موازنة وزارة الداخلية. وأي رقابة على أعمال الصندوق تبقى خاضعة لديوان المحاسبة والقضاء في حال وجود أي شبهة".

 

فيما تؤكد الخبيرة الإقتصادية ومسؤولة برامج رئيسية في قسم التعاون والشراكات في معهد باسل فليحان، سابين حاتم في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن القانون الذي يسمح للبلديات أن تقتطع سنوياً قيمة خدمات النظافة من عائدات الصندوق البلدي المستقل قبل توزيعها على البلديات، "لا يزال ساري المفعول كما المادة 64 وليس ضرورياً تضمينه كل سنة في الموازنات الجديدة، فهناك نوع من المواد القانونية إذا وردت مرة واحدة في قانون الموازنة يستمر تطبيقها إلى حين إقرار نص معاكس يلغيها"، وبالتالي يمكن للحكومة إستخدام أموال الصندوق بالإستناد إلى المادة 64 من قانون الموازنة.

 

يُذكر أنه تم تقديم اقتراح قانون معجل مكرر في 25 كانون الثاني 2023 لإنشاء "صندوق بلدي مستقل" جديد، يحلّ محل الصندوق الحالي، من أبرز بنوده أن تكون أموال الصندوق في حساب خاص في مصرف لبنان، ويشرف على تحريكه مجلس إدارة مستقل، مع تخصيص الأموال حصراً للبلديات واتحاداتها دون اقتطاعات لأي نفقات أخرى. كما ينصّ الاقتراح على وجود آلية رقابة خارجية من خلال التعاقد مع مكتب تدقيق حسابات سنوي، وإمكانية الطعن في قرارات توزيع الأموال أمام مجلس شورى الدولة.

 

ومن أبرز الممارسات الفضلى المقترحة في إدارة الصندوق البلدي المستقل بحسب بو غاريوس، إشراك رؤساء البلديات في تحديد آلية تحريك حساب الصندوق إلى جانب وزير الداخلية ووزير المالية، لتقليل سلطة الحكومة المركزية. واعتماد معايير توزيع أموال الصندوق على أساس عدد السكان المقيمين فعلياً في كل بلدية لضمان عدالة التنمية المحلية، فضلاً عن تعزيز الشفافية والرقابة المشتركة بين السلطة المركزية والبلديات، بحيث لا يتم التصرف بأموال الصندوق دون موافقة البلديات المعنية.

 

إذًا، إن اقتطاع الحكومة أموالاً من البلديات دون استشارتها لا يُعتبر فعلاً مخالفاً للقانون، لأن الحكومة كانت قد أدرجت المادة 64 من قانون الموازنة العامة رقم 326 في العام 2001 لتنظيم عملية الاقتطاع وربطها فقط بالخدمات الفعلية المقدمة للبلديات، والقانون يبقى ساري المفعول إلى حين إقرار نص معاكس يلغي المادة المعدلة.