صحيح جزئياً
تداولت العديد من المواقع الإعلامية في الأيام الماضية كلامًا نُقل عن وفد من المودعين التقى حاكم مصرف لبنان كريم سعيد ونقل عنه تأييده فكرة إصدار قانون يُلزم من سدّد قرضًا بغير قيمته الحقيقية بدفع القيمة الحقيقية لذلك، ما أثار مخاوف العديد من مسددي القروض لاسيما "الصغار" منهم خشية مطالبتهم بأموال قد لا يملكون تسديدها.
هذا التوجه وإن لم يكن رسميًا بعد، يواجه عقبتين أساسيتين، سياسيًا فإن إقرار قانون "غير شعبوي" كهذا في مجلس النواب في هذا التوقيت السياسي، وعلى مسافة سنة واحدة من الإنتخابات النيابية، قد لا يجد كتل سياسية تتبناه، أما قانونيًا تبرز قضية مدى إمكانية إصدار قانون بمفعول رجعي يُطالب باسترجاع أموال سبق وسُددت في الماضي. وهو ما شهدناه أيضًا عند إقرار قانون رفع السرّية المصرفية بمفعول رجعي في نيسان الماضي.
فهل يُمكن إصدار قانون بمفعول رجعي يفرُض على من سدد قرضًا بغير قيمته الحقيقية خلال الأزمة دفع الفرق؟
اجابة على هذا السؤال، يؤكد الخبير الدستوري سعيد مالك أنه من حيث المبدأ، يوجد قاعدة قانونية ثابتة هي قاعدة "عدم رجعية القوانين"، بمعنى أن القانون لا يُطبّق الاّ على ما يحدث بعد صدوره، أي على المستقبل وليس على الماضي، وبالتالي فإن المُقترض الذي سدد قرضه على سعر صرف 1500 ليرة قد قام بذلك يومها بشكل قانوني عملاً بأحكام قانون التجارة، والموجبات والعقود، وقانون النقد والتسليف. ولكن هذه الرجعية بحسب مالك يمكن أن تُصبح ممكنة إذا ما كان هدفها تحقيق المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية ومعالجة انتهاكات قد وقعت.
من هنا يرى مالك بضرورة التفرقة بين المُقترض الذي سدد دينًا مثلاً لقرض شراء شقة أو سيارة، وبين المستثمرين الكبار الذين استفادوا من انهيار سعر الصرف لتحقيق ثروات وأرباح طائلة، وكسبًا غير مشروع على حساب أموال المودعين في المصارف، فهؤلاء يمكن أن يطالهم أي قانون ولو بمفعول رجعي وذلك لتحقيق المصلحة العامة.
تفتح الحالة اللبنانية المعقدة الباب مشرعًا لاقرار القوانين والإجراءات الاستثنائية، لمعالجة أزمة اقتصادية ومالية اعتُبرت من قبل البنك الدولي بأنها إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
"الذهاب في هذا الاتجاه المذكور بالعناوين فقط هو مضيعة للوقت" وفق ما يشرح الكاتب والباحث في الشؤون الإقتصادية والمالية زياد ناصر الدين، والذي يؤكد أن إقرار قانون كهذا يحتاج الى دراسة واسعة ومعمقة وشفافة يقوم بها المصرف المركزي بالتعاون مع وزارة المالية لمعرفة كيف تم تسديد هذه القروض، ومن الشركات الكبرى التي استفادت، ووفق أيّ نسب، ومعرفة ما إذا كانت هذه الشركات قد حصّلت إيراداتها أيضًا على سعر صرف 1500(وبالتالي لا يجب مطالبتها بفوارق) أو أنّها حصّلتها على سعر السوق وسددت دينها على ال 1500. كما يجب أن يتم بعد الدراسة تحديد من يجب عليه تسديد الأموال (على سبيل المثال قروض الشقق التي تفوق الـ 500 ألف أو مليون دولار)، وتجنب استهداف الفئات الاجتماعية الضعيفة، ويجب التمييز بالتالي بين المُستفيد الإقتصادي في هذا الحالة والمُستفيد الإجتماعي.
كما يمكن التوجه بحسب ناصر الدين عوضًا عن القانون الى خيار إقرار ضريبة استثنائية من قبل وزارة المالية على الأرباح، وهو إجراء موجود في كل دول العالم، وبالتالي يمكن تحقيق مبلغ كبير ممن استفاد من أرباح طائلة نتيجة انهيار سعر الصرف، كما يمكن إعطاء هذه الشركات والمؤسسات خيار تقسيم هذه المبالغ على عدة سنوات بشكل لا يؤثر على قدرتها على الاستمرار، ويجنب أي تأثير سلبي على تعزيز الاستثمار في لبنان.
ويضيف ناصر الدين، "لا يجب أن يخضع الأمر للشعبوية، فقيمة المبالغ المُسددة كبيرة جدًا وهي مُقدّرة بحسب المصرف المركزي بحوالي الـ 40 مليار دولار، وبالتالي فالموضوع اذا ما تمت دراسته بشكل جيد عبر التدقيق بكل حساب على حدة، يمكن أن يساهم باعادة 10 الى 15 مليار دولار، وهو أمر إيجابي للواقع المالي، كما يمكن استخدام هذه المبالغ ضمن صندوق خاص لاعادة جزء من أموال المودعين".
في الخلاصة، فالسؤال حول هل يمكن إصدار قانون بمفعول رجعي يفرُض على من سدد قرضًا بغير قيمته الحقيقية خلال الأزمة دفع الفرق صحيح جزئيًا، فبالرغم من قاعدة "عدم رجعية القوانين"، وتطبيق أحكامها فقط على المستقبل وليس على الماضي، إلا أنه يمكن تكريس المفعول الرجعي في الحالات التي تهدف لتحقيق المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية.