بنى اللبنانيون في منتصف اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، آمالاً كبيرة بالانفراج الاقتصادي، عززتها المناخات الايجابية التي نتجت عن جلسة التفاوض غير المباشر الاولى بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، برعاية الامم المتحدة وحضور الوسيط الاميركي في رأس الناقورة في أقصى جنوب غرب لبنان، لترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، بما يتيح للبنان الاستفادة من ثروته النفطية والغازية.
غير أن تلك الآمال، اصطدمت بتعقيدات ظهرت في الجلسة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة، واصطدم معها اللبنانيون بواقع جديد يتمثل في أن الانفراجات الاقتصادية والامنية التي ستترتب على اتفاق مشابه لترسيم الحدود، لن تتحقق، ما يعني أن التعقيدات ستطال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تلك المرتبطة بترسيم الحدود والانطلاق في رحلة استخراج الغاز، وتطال القدرات المالية للحكومة اللبنانية الواقعة تحت العجز، وتطال حكماً قدرات المواطن اللبناني الشرائية مع الاتجاه لتقليص الدعم الحكومي للسلع الأساسية.
وتتحمل اسرائيل مسؤولية كبيرة في التعقيدات التي حصلت، بدون شك، مع رفع سقف مطالبها في عملية التفاوض، لكن الاخفاق اللبناني في معالجة خرائطه منذ العام 2007، يمثل جانباً من التعقيدات. فاسرائيل تستند من غير وجه حق الى اتفاق أولي مع قبرص، حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، وهو اتفاق لم يصادق عليه البرلمان اللبناني، ما يعني أنه ليس اتفاقاً مبرماً.
وعلى الخط الاميركي، يستند وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في تصريحه الذي أعلنه في 22 ديسمبر (كانون الاول) الماضي الى مذكرة لبنانية أُودِعت الامم المتحدة في العام 2011، فيما يطالب لبنان الآن بحقه كاملاً إثر "تصحيح الخرائط" الذي تم في العام 2020، بحسب ما قالت مصادر مواكبة لعملية التفاوض، ما يعني أن هناك 3 نسخ من الخرائط صنعت الالتباس وعقّدت المفاوضات، ودفعتها الى هذا المستوى من التعقيدات ما يهدد بإنجازها سريعاً.
خرائط 2007
تعود الحكاية الى العام 2007، حين أبرم لبنان اتفاقاً مع قبرص بترسيم الحدود اللبنانية. كانت الحكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وتألفت اللجنة آنذاك من تقنيين وخبراء من وزارة النقل التي كان وزيرها محمد الصفدي، ووزارة الدفاع التي كان وزيرها الياس المر. وقعت الاتفاقية في العام 2007 على اساس التوصل مبدئياً الى ترسيم نقطة حدودية جنوباً تُعرف باسم النقطة (1)، ونقطة شمالاً تُعرف باسم النقطة (6).
ينطلق مسار الترسيم من أن لبنان وقبرص دولتان ذات سواحل متقابلة تتداخل مناطقهما الاقتصادية الخالصة، مما دفعهما إلى إبرام اتفاق حول تحديد المنطقة الاقتصادية لكل منهما. وبتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2007، تم توقيع اتفاق ثنائي بين لبنان وقبرص لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين.
وينص الاتفاق في مادته الأولى على أنّه "يتمّ تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين بالاستناد إلى خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الطرفين" كما هو معرّف ومحدّد وفق النقاط المحددة من (1) إلى (6) المبيّنة في قائمة الاحداثيات الجغرافية" الملحقة بالاتفاق والتي وقّع عليها الطرفان.
كما تضمنت الاتفاقية بنداً، هو الثالث، يلزم لبنان فيها قبرص بعدم إجرائها لأي ترسيم للحدود البحرية والاقتصادية مع اسرائيل، من دون توافق مع لبنان. والمادة الثالثة من تلك الاتفاقية تنص على أنه: "إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات، تهدف إلى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى، إذا ما تعلق التحديد بإحداثيات النقطتين 1 أو 6".
وتنص المادة الخامسة من الاتفاق بين لبنان وقبرص على أن الاتفاق يبرم وفق الأصول الدستورية المتبعة في كل بلد ويصبح ساري المفعول عند تبادل الطرفين وثائق الابرام. فيكون الاتفاق بين لبنان وقبرص لم يدخل حيّز التنفيذ حتى تاريخه، لعدم المصادقة عليه أصولاً من مجلس النواب وفق قواعد القانون الدولي، ما يعني ان الاتفاقية بقيت أولية ولا تلزم لبنان بأي شيء.
مذكرة العام 2011
حصلت تطورات خلال العامين التاليين، مع اكتشاف اسرائيل كميات من الغاز في المياه الاقتصادية، في العام 2009، وباشرت السعي لتذليل العقد الاقليمية لتتمكن من استخراج الغاز في حوض المتوسط في مياهها الاقتصادية. اول ما لجأت اليه، هو الدخول مع قبرص في مفاوضات الترسيم التي انطلقت في العام 2010، واستمرت حتى العام 2011. خالفت قبرص الاتفاق الاوليّ مع لبنان، ودخلت في مفاوضات ترسيم الحدود بمعزل عن لبنان الذي كان يشترط عليها ابلاغه.
خلال حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى في العام 2010، اكتشف لبنان أن هناك خطأ قد وقع في الترسيم الاولي. تواصل مع قبرص، وصحّح الخطأ بتثبيت نقطة حدودية نهائية تُعرف باسم النقطة (23). ثبتتها لجنة الأشغال المنوطة بترسيم الحدود البرية والبحرية اللبنانية، وتم ذلك حين كان غازي العريضي وزيراً للاشغال والنقل، وتضمنت لجنة الترسيم خبراء أيضاً من قبل وزارة الدفاع. اعتمد لبنان تلك النقطة الحدودية، من غير اقرارها كاتفاق دولي مُنجز، كونه لم يُقر في البرلمان، لكنه أعطى الامم المتحدة علماً وخبراً به، عبر مذكرة وقعها وزير الخارجية الاسبق عدنان منصور في يونيو (حزيران) 2011، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية، وارسلها الى الامم المتحدة.
أرسلت الخارجية إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة المذكرة التي تتعلق بالحدود البحرية الغربية للمنطقة الإقتصادية اللبنانية الخالصة مرفقة بلائحتي إحداثيات، إحداهما للنقاط المحددة للحدود البحرية الجنوبية (بين لبنان وفلسطين)، والثانية للجزء الجنوبي من الحدود البحرية الغربية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان بين قبرص ولبنان.
يقول وزير الخارجية الاسبق عدنان منصور الذي وقع المذكرة المرسلة الى الامم المتحدة آنذاك، ان دور الوزارة كان ارسال ما تقرر من قبل الجهات الرسمية، ولم تكن وزارة الخارجية هي الجهة التي ترسّم، بل دورها كان اجرائياً بارسال المذكرة الى الامم المتحدة، لافتاً في تصريح لـ"مهارات نيوز" الى ان المذكرة تضمنت النقطة (23) التي جرى تصحيحها، وهي خالية من الخلل الذي نتج عن الترسيم الاول في العام 2007. ويشدد منصور على ان الاتفاق كان اولياً مع قبرص ولم يُبرم، وقد اخلّت قبرص بالاتفاق مع لبنان عبر التوصل الى اتفاقية ثنائية مع اسرائيل، بينما يفترض أن تأخذ بالاعتبار لبنان ووجهة نظره ومواقف الجهات الاخرى، عملاً بالاعراف القانونية لدى ترسيم النقاط بين عدة دول تتشارك حدوداً مشتركة.
وخلت المذكرة من الخرائط المنجزة، بحكم ان لا اتفاق مبرماً بعد. وتقول وزارة الخارجية اللبنانية لـ"مهارات نيوز" ان الاتفاق بما أنه كان اتفاقاً أولياً، لم تُرسل خرائط الى الامم المتحدة قائلة ان "الخرائط تُرسل لدى ابرام الاتفاق وترسيم الحدود، وطالما أن اتفاق ترسيم الحدود لم يُنجز مع الجانب الاسرائيلي، وهو بصدد التفاوض حوله (في هذا الوقت في 2020)، فإن الخرائط الوحيدة المودعة الامم المتحدة هي خرائط الحدود البرية التي رُسمت في العام 1922 بين لبنان وفلسطين، وأودعت عصبة الامم في العام 1923، وجرى تثبيتها في اتفاق الهدنة بين لبنان واسرائيل في العام 1949".
أثارت خطوة قبرص الثنائية مع اسرائيل، أزمة مع لبنان. ففي يونيو (حزيران) 2011، أرسل وزير الخارجية القبرصي ماركوس كبريانو رسالة لنظيره وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور يوضح فيه موقف قبرص من اعتراض لبنان للأمم المتحدة على الإتفاقية الإسرائيلية القبرصية والخطأ الذي تضمنته الاتفاقية اللبنانية القبرصية. جاء في الرسالة أن قبرص تطمح دخول اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع لبنان حيز التنفيذ، وأن قبرص حريصة على حقوق لبنان ضمن القانون الدولي، وأن الاتفاقية القبرصية مع إسرائيل لا تخرق بأي شكل حقوق لبنان السيادة أو حقوق أي بلد آخر في إطار القانون الدولي.
كما ذكر أن اتفاقية 2007 كانت تتضمن ترتيبات محددة لإعادة النظر بالنقاط الجغرافية المتضمنة بالاتفاقية في ضوء إمكان حصول اتفاقية مستقبلية حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع الدول المعنية الأخرى في المنطقة. وقال الوزير القبرصي في رسالة نشرتها جريدة "السفير" في العام 2011 "إن ترتيبات مشابهة اعتمدت في الاتفاقية بين إسرائيل وقبرص"، وأضاف "إن البنود التي تثير قلق لبنان والذي عبرت عنه في شكواها للأمم المتحدة يمكن معالجتها من خلال الترتيبات المذكورة في الاتفاقية". واقترح وزير الخارجية القبرصي تشكيل لجنة مشتركة تضم خبراء من البلدين والعمل بتوجيهاتها.
ارتباك واعتراض
لم تستطع اسرائيل التنقيب في المياه القريبة من الحدود البحرية اللبنانية قبل أن ترسم مساراً حدودياً. لجأ الطرفان، لبنان واسرائيل، الى الولايات المتحدة للشروع بمسار لترسيم الحدود البحرية.
قدمت تل ابيب خرائط بناء على النقطة رقم (1) بين لبنان وقبرص في العام 2007، واعتمدتها كنقطة للانطلاق بالترسيم، بينما قدم لبنان خرائط مستندة الى النقطة (23) التي جرى تصحيحها في العام 2011. كان الفارق بين الطرفين 860 كيلومتراً مربحاً في المياه الاقتصادية.
رفض لبنان الاحداثيات الجغرافية المودعة من قبل بعثة إسرائيل الدائمة لدى الأمم المتحدة في 12/7/2011، وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ التدابير التي يراها مناسبة وتكليف من يلزم لرسم خط يتناسب مع الحدود البحرية اللبنانية المودعة الأمم المتحدة على غرار الخط الأزرق البري، وتكليف قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بمراقبة هذا الخط وذلك حفاظًا على السلم والأمن الدوليين.
بتاريخ 17/8/2011 صدر القانون رقم 163 (قانون تحديد واعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية صدر في الجريدة الرسمية رقم 39 تاريخ 25/8/2011) الذي تحدّد فيه الجمهورية اللبنانية مياهها الداخلية وبحرها الاقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري تطبيقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5/1/1995.
حدّد القانون خط الأساس للساحل اللبناني، وهو الخط الذي يبدأ منه قياس عرض المناطق البحرية (المادة الثانية تنص على أن يحدّد خط الأساس باعتماد حدّ أدنى الجزر والخطوط المستقيمة التي تصل بين نقاط أساس مناسبة بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي، إعتبارًا من منتصف مصب النهر الكبير شمالاً وصولاً إلى نقطة انطلاق خط الهدنة موضوع اتفاقية الهدنة العام 1949 جنوبًا). والمياه الداخلية (وهي المياه الواقعة على الجانب المواجه للبرّ من خط الأساس - المادة 3 من الاتفاقية) والبحر الاقليمي (الذي يحدّد عرضه بمسافة 12 ميلاً بحريًا مقيسة من خط الأساس - المادة 4) والمنطقة المتاخمة (التي تقع وراء البحر الاقليمي وتلاصقه وتمتد أربعة وعشرين ميلاً بحريًا مقوسة من خط الأساس – المادة الخامسة) والجرف القاري (الذي يشمل قاع أرض المساحات المغمورة وباطنها، والتي تمتد إلى ما وراء البحر الاقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم الجمهورية اللبنانية البري حتى مسافة 200 ميلٍ بحريٍ من خط الأساس- المادة الثامنة).
مسار التفاوض
إثر الخلافات، تدخل الوسيط الاميركي والخبير الحدودي فريدريك هوف، وقسّم المنطقة المتنازع عليها الى منطقتين، تمنح لبنان 52% من المنطقة، بينما تمنح اسرائيل 48% منها (يعطي لبنان 468 كلم2 مقابل 392 كلم2 لاسرائيل). رفض لبنان، وعُلقت المفاوضات مع الجانب الاميركي في العام 2013 على اثرها.
وفي المقابل، في 16 يونيو (حزيران) 2014، بدأت شركة "إني" الإيطالية حفر أربع آبار في البلوكات 2،3،9 القبرصية على حدود لبنان.
على الضفة اللبنانية، تجمد الملف لأكثر من ثلاث سنوات، مصحوباً بموجة خلافات وانقسامات داخلية حول الملف، لم تخلُمن توتر حكومي لم ينفرج الا مع انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية اثر التسوية الرئاسية بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل".
في هذا الوقت، كانت اسرائيل تقول إنَ النقطة الشمالية للحدود البحرية الإسرائيلية - القبرصية هي نفسها بالضبط النقطة الجنوبية في الاتفاق اللبناني – القبرصي، وهو ما كرر لبنان رفضه، وابغ موقفه الى الجانب الاميركي والى الامم المتحدة.
مضت اسرائيل في خطوة عملية اثارت تحذيرات لبنانية. ففي العام 2017، صادقت السلطات الإسرائيلية على ترسيم الحدود البحريّة بهدف التنقيب عن موارد طبيعيّة واستخراجها، على قاعدة ضمّ منطقة بحرية غنيّة بالثروة النفطيّة والغازية تبلغ مساحتها نحو 860 كيلومتراً مربّعاً الى منطقتها الاقتصادية. تحرك المسؤولون اللبنانيون اعتراضاً، واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تولى المفاوضات مع الجانب الاميركي من الاساس، ان ما يجري هو "شبعا بحرية"، في اشارة الى النزاع الحدودي في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1967، ويطالب لبنان اسرائيل بالانسحاب منها.
تجدد الوساطة
عادت الوساطة الأميركية في مارس (آذار) 2019، مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان حيث عرض على المسؤولين اللبنانيين إحياء الوساطة الأميركية. استؤنفت بتاريخ 14 مايو (ايار) 2019 بقيادة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد ثم سلّم المهمة لخلفه دايفيد شينكر بسبب تعيينه سفيراً لبلاده في تركيا.
بعد ثماني سنوات من التفاوض، أنجز اتفاق اطار في يوليو (تموز) 2020، ما يعني الانطلاق بمسار التفاوض حول ترسيم الحدود تحت علم الامم المتحدة وفي مقرها وبرعايتها، وبوساطة اميركية. أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري في احتفال رسمي أقيم في الأول من اكتوبر (تشرين الأول) 2020 التوصّل إلى اتفاق الإطار. انتقلت بعدها مهمة التفاوض إلى عهدة رئيس الجمهورية.
في الجلسة الافتتاحية الاولى في 14 اكتوبر، سرت مناخات ايجابية، قبل أن تبدأ الجلسة الثانية التي فاجأ فيها الوفد اللبناني، الطرف الآخر والوفد المفاوض، بأن حق لبنان يتجاوز مساحة الخلاف الاولى بين النقطة (1) والنقطة (23). قدم خرائط ووثائق تثبت ان حق لبنان يصل الى النقطة (29)، ما يعني ان مساحة الخلاف بين لبنان واسرائيل تصل الى 2290 كيلومتراً مربعاً.
وابلغ الرئيس اللبناني ميشال عون قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال استيفانو دل كول ان "ترسيم الحدود البحرية يتم على أساس الخط الذي ينطلق برا من نقطة رأس الناقورة، استنادا الى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطينية المحتلة"، مؤكدا "ضرورة تصحيح "الخط الأزرق" ليصبح متطابقا للحدود البرية المعترف بها دوليا".
الخريطة الثالثة
تنطلق الخريطة الثالثة من خط الحدود البرية المرسمة في العام 1923 والموثقة في اتفاق الهدنة بين لبنان واسرائيل في العام 1949، وتقسم حقل كاريش الاسرائيلي للطاقة بالنصف. وجمّدت اسرائيل التنقيب في رقعة بحرية ملاصقة للحدود اللبنانية الجنوبية منذ انطلاق المفاوضات.
وتضم الخرائط التي تقدم بها الوفد اللبناني الخط الحدودي الاخضر الذي ينطلق من نقطة B1 الحدودية البرية التي تم ترسيمها في ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين في العام 1923، وجرى تثبيتها في اتفاق خط الهدنة بين لبنان واسرائيل في العام 1949، وهي تزيد المساحة اللبنانية المتنازع عليها الى 2290 كيلومتر مربع في المياه، ويضع الخط الاخصر نصف حقل كاريش النفطي الاسرائيلي داخل المياه اللبنانية.
قبل انطلاق المفاوضات بثمانية أشهر، وضع الجيش اللبناني الخرائط الجديدة، مستنداً الى قانون البحار ونقطة الحدود الدولية، وجرى ذلك بتعاون مع خبراء. وينطلق الخط الاخضر من النقطة B1 الواقعة في منطقة رأس الناقورة في أقصى شمال غرب لبنان. هذه النقطة مرسمة دولياً وأقرت بها عصبة الامم في العام 1923، وأعيد تثبيتها بعد اتفاق خط الهدنة، وهو خط الحدود الدولية، وتم تأكيدها على رأس الناقورة.
ويجمع الخبراء على ان الخط الدولي، ينطلق من البر الى البحر، وغيّرت اسرائيل مكان النقطة الدولية B1 في وقت سابق حيث دفعتها 30 متراً الى العمق اللبناني بهدف تغيير مسار الخط البحري. وقد صحح الوفد اللبناني الذي يرأسه ضابط رفيع في الجيش اللبناني الخطأ وينطلق من هذه النقطة في المفاوضات لأنها بداية خط الحدود الدولية البرية المعترف بها دولياً.
مسار معلّق
اصطدمت المفاوضات برفع السقوف التفاوضية بين الطرفين، ما ادى الى تعليق المفاوضات مطلع ديسمبر (كانون الاول) 2020. طالبت واشنطن التي تضطلع بدور الوسيط والمسهل، بتأجيل الجلسة الخامسة التي كان مقرر انعقادها مطلع ديسمبر، واستبدالها باجتماع ثنائي يعقده الدبلوماسي الأميركي جون ديروشر، الذي يضطلع بدور المسهّل في الجلسات، في الموعد نفسه مع الجانب اللبناني في بيروت، ضمن جولة محادثات ثنائية مكوكية، التقى بعدها بالمسؤولين الاسرائيليين في تل ابيب، بهدف ايجاد "مساحة مشتركة بين الطرفين" تُستأنف على اساسها المفاوضات.
لم يحصل أي خرق، ما دفع وزير الخارجية مايك بومبيو للتأكيد ان "مواقف الطرفين بشأن الملف متباعدة". وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية انه "في وقت سابق من هذا العام، طلبت الحكومتان الإسرائيلية واللبنانية مساعدة الولايات المتحدة في التوسط للتوصل إلى اتفاق حول حدودهما البحرية. مثل هذه الاتفاقية ستوفر فوائد اقتصادية كبيرة محتملة لشعبي البلدين. وللأسف، على الرغم من حسن النية من الجانبين، فلا يزال الطرفان متباعدين. ولاتزال الولايات المتحدة مستعدة للتوسط في مناقشات بناءة، وتحث كلا الجانبين على التفاوض بناءً على المطالبات البحرية الخاصة بكل منهما، والتي أودعت سابقًا في الأمم المتحدة".
يتوقف المسؤولون اللبنانيون عند أمرين. أولهما ان اسرائيل تستند "من غير وجه حق الى مزاعم للانطلاق بالمفاوضات"، في اشارة الى الاستناد على نقطة الترسيم مع قبرص، وهو أمر "لا يصح لان لا اتفاق نهائياً مع قبرص ولا يمكن للطرفين أن يرسما الحدود بشكل ثنائي من دون موافقة لبنانية" علماً أن الدول التي تتشارك حدوداً مشتركة، يجب أن يضطلع الجميع في مباحثات الترسيم ولا يُغفل اي طرف منها.
وعلى المقلب اللبناني، يقول المسؤولون اللبنانيون ان لبنان خلق ارتباكاً في المفاوضات، كون ترسيم الحدود لا يمكن تجزئته. وقال مسؤول بارز ان ملفاً مشابهاً "لا يُعالج على دفعات"، مشدداً على وجوب أن تكون هناك لجنة قانونية وجغرافية لانجاز الترسيم مرة واحدة، وهو ما لم يحصل، حيث حصل التصحيح مرتين بعد تثبيت النقطة مع قبرص في العام 2007.
عاد لبنان الآن الى المفاوضات بطروحات جديدة، فمددت امكانية احداث خرق في المسار التفاوضي الى وقت لاحق، فيما يعاني اللبنانيون من أزمات اقتصادية ومعيشية، من شأن الانطلاق بمسار استخراج الغاز من مياهه الاقتصادية أن يخفف من وطأتها.
TAG : ,ترسيم الحدود البحرية ,تنقيب عن النفط ,لبنان