Loading...

توزيع المساعدات الدوائية: بين أهمية المكننة وتحديات نقص الادوية

 

أدّت الحرب الاسرائيلية على لبنان إلى موجة نزوح كثيفة باتجاه المناطق الآمنة، وقد طرح الأمر العديد من التحديات لتأمين حاجات الناس. ولا شكّ أن الحاجات الصحيّة والدوائية هي من أكثر الحاجات الأساسية والتي يجب تأمينها بشكل دائم.

وكانت قد أرسلت الكثير من الدول مساعدات طبية ودوائية من أجل ضمان استمرار الخدمات الطبيّة في المستشفيات وتأمين الأدوية للنازحين عبر وزارة الصحة ومراكز الرعاية الصحية في مناطق الإيواء، وتطرح عملية توزيع المساعدات الدوائية العديد من الاشكاليات لناحية، ما هي الآلية المتّبعة لتوزيع الأدوية؟ وهل تضمن هذه الآلية شفافية وصول المساعدات إلى المواطنين بشكل عادل؟ 

 

مكننة التوزيع: ضمان الشفافية وتحدّي نقص الدواء

بالعودة إلى أرقام وزارة الصحة وحتى تاريخ 8 تشرين الثاني 2024، تم توزيع نحو 1,695,439 علبة دواء على أكثر من 87 مركزًا للرعاية الأولية متّصلين مباشرة بمراكز الإيواء في مختلف أنحاء لبنان.

وقد أكدت الوزارة مع بداية عمليّة التوزيع التزامها بنشر تقارير دورية مفصّلة لتوضيح توزيع الأدوية، تعزيزًا للشفافية والمساءلة أمام الرأي العام.

تعتمد وزارة الصحة في عملية تسلّم ووتسليم الأدوية نظام Meditrack وبرنامج LMS من أجل إدارة سليمة لتتبعّ عمليّة توزيع الأدوية.

ولشرح هذه الآلية تقول مديرة مستودع الكرنتينا التابعة لوزارة الصحة ديما حمدان في مقابلة لـ "مهارات نيوز" إنّ نظام "meditrack"  يعمل على تتبّع الأدوية على مستوى الوطن كله، وهو يعتمد على استخدام باركود ثنائي الأبعاد (2D Matrix barcode) لضمان التتبع الفعّال لكافة الأدوية، التي تدخل وتخرج من مستودعات وزارة الصحة، هذا النظام يسمح بالتحقق من بيانات الأدوية مثل رقم التعريف، وتاريخ الصلاحية، مما يمنع تخزين الأدوية بشكل غير قانوني أو تهريبها ما يساهم  في ضمان وصولها إلى المستفيدين المستحقين".

وتضيف حمدان أنّ برنامج LMS يختص بتسجيل كافة التحرّكات للأدوية داخل الأقسام ضمن مستودعات وزارة الصحة، ويتيح تحديد وتوزيع الأدوية بدقة، وهما يعملان بشكل متوازي ويكمّلان بعضهما البعض.

إذا، يتم إدخال الموجودات في نظام إدارة اللوجستيات LMS، والذي يتتبّع كل ما يدخل إلى مستودعات وزارة الصحة في الكرنتينا، وبالتوازي يتم استخدام نظام Meditrack  لتتبّع المساعدات من المستودعات لحين وصولها إلى المستشفيات ومراكز الرعاية الصحيّة. 

وتسعى وزارة الصحة من خلال اعتمادها لأنظمة المكننة إلى تحقيق توزيع عادل وشفاف للأدوية، من خلال ربط الوزارة بمراكز الرعاية الصحية، وبالتالي ربطها بمراكز الإيواء لتقديم الخدمات الصحية والدوائية  للنازحين.

وخلال زيارة ميدانية إلى أحد مراكز الإيواء في شمال لبنان أكدت السيدة خديجة، إحدى النازحات، التي تقيم في المركز أن "مراكز الرعاية الصحية تقوم بزيارة النازحين بشكل دوري حيث يتم فحصهم، وقد حصلت على أدويتي الأساسية مثل أدوية الضغط والكوليسترول وغيرها، لكن زوجي لم يتمكن من الحصول على أدوية القلب، رغم المطالبات المستمرة الأمر الذي اضطّرنا إلى شراء الأدوية بأنفسنا". 

وللمفارقة وفي نفس مركز الإيواء، تقول السيدة سهام، أن "الأدوية المزمنة مثل أدوية الضغط، لم يتم تأمينها بشكل كافٍ، وأن الدواء غير متوفّر في صيدليّة مركز الرعاية". من جهتها، قالت السيدة حنان أنه عند وصولها ومع أول زيارة للطبيب المكلّف من مركز الإيواء حصلت على دواءها لمرة واحدة، لكنه لم يتوفر مجددًا.

وللإجابة على هذه الإشكاليات المتعلّقة بنقص الادوية، تؤكّد حمدان أن الأنظمة الإلكترونية تسهم في ضمان الشفافية، لكنها لا توفر كمية الأدوية المطلوبة بشكل كامل، وأشارت إلى أن مراكز الرعاية تعمل وفق لوائح محددة للأدوية الأساسية، مثل الأدوية المزمنة، غير أن احتياجات النازحين تتطلب أدوية إضافية خارج هذه اللوائح، مما يستدعي تنسيقًا إضافيًا بين مراكز الرعاية ومستودعات الوزارة لتلبية هذه المتطلبات".

وفي حال احتاجت مراكز الرعاية إلى أدوية إضافية، تستطيع التأكّد من وجودها في المستودعات، وطلبها من خلال نظام "PHENICS" الذي يتابع بدقّة المخزون، حيث يتم رصد الأدوية المصروفة، وتحديد الكميات المستخدمة في كل مركز، مما يتيح تحديث المخزون بشكل منتظم لتجنب أي نقص، وهو مربوط ببرنامج LMS، ونظام Meditrack المُلزم استخدامه من جميع مراكز الرعاية الصحية.

وفيما يتعلق بسرعة التسليم، أكّدت حمدان أن "توزيع المساعدات الطبية يتم بفعالية وسرعة عالية، وبمجرد وصول المساعدات إلى المستودعات، يتم تفريغها وإجراء عملية الجرد لتحديد صلاحية الأدوية ومعايير استخدامها في مراكز الرعاية الصحية، من ثم إضافتها إلى أنظمة المكننة.

 وأضافت أن "أول شحنة مساعدات تم توزيعها خلال أوّل 4 أيام من بدء موجة النزوح، حيث تم تسليم حوالي 400 ألف حبة دواء، ولا يوجد تأخير في العملية، بالإضافة إلى التعاون القائم والمستمر مع شركاء محليين ودوليين مثل اليونيسف والصليب الأحمر لتسريع التسليم إلى المراكز".

إذا تعتمد وزارة الصحة على أنظمة الكترونية لضمان شفافية توزيع المساعدات الطبية والدوائية التي تصل إلى لبنان، عبر ربط الوزارة بمراكز الرعاية الصحية، التي ترتبط بمراكز الايواء وبالمواطنين. بالمقابل، وبالرغم من المكننة إلاّ أنّ طالبي الأدوية لا سيما المزمنة، لا يزالون يعانون تحدّي في الوصول إلى أدويتهم نظرا إلى النقص الموجود. 

 

التحوّل الرقمي: خطوة نحو الحوكمة تقابلها التحديات

لا شكّ أنّ لبنان يعاني الكثير من التحديات أمام حوكمة القطاعات، وتظهر المكننة كركيزة أساسية لضمان  الشفافية وتعزيز الحوكمة، إذ يؤكّد  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" لـ"مهارات نيوز" أنّ "التحول الرقمي ليس مجرّد خيار بل هو ضرورة لتنفيذ الإصلاحات ومواجهة التحديات الحالية حيث يعزز الشفافية والمساءلة، ويسهّل الوصول إلى المعلومات مما يعزز الثقة بين الحكومة والمواطن. وفي الإطار نفسه، يمكن من خلال المكننة القضاء على مخاطر الفساد وتقديم الخدمات في الوقت المناسب وبكفاءة.

في هذا الإطار تشير مسؤولة مستودع الكرنتينا التابع لوزارة الصحة ديما حمدان أن "الوزارة تبذل جهودًا مستمرة لضمان شفافية التوزيع، وقالت أن الرأي العام غالبًا ما يتسم بالحذر تجاه القطاع العام".

وتزداد الحاجة للمكننة ولتعميم تجربة وزارة الصحة في فترات الطوارئ، إذ يضيف البرنامج أنّه "في حالات الطوارئ تبرز الأدوات الرقمية كأداة أساسية، لتحسين الشفافية والحوكمة من خلال تمكين الاتصال الفوري وتبادل البيانات وتعزيز المساءلة".

ولكن وبالرغم من أن التحول الرقمي بدأ يأخذ حيزًا في العديد من المؤسسات الحكومية والوزارات ومنها وزارة الصحة والأنظمة التي تستخدمها، إلا أن الاستعداد لا يزال محدودًا بسبب قلة الموارد، وضعف الإرادة السياسية، وبالتالي هناك حاجة الى توسيع نطاق التحول الرقمي ليشمل جميع المؤسسات العامة مع التركيز على بناء البنية التحتية وتطوير القدرات المؤسسية، بحسب ما ذكره برنامج الأمم المتحدة الانمائي "UNDP". علاوة على ذلك يشدّد البرنامج على أهمية التعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز الشفافية.

في الخلاصة، أثبتت المكننة فعاليتها في تعزيز الشفافية خلال الأزمات، إلا أن تحقيق استجابة متكاملة يتطلب تطوير القدرات، وضمان استدامة الحلول الرقمية لتلبية احتياجات المواطنين دائمًا، ويبقى السؤال هل ستتمكن الدولة من تطوير بنيتها التحتية بما يكفي لضمان تحقيق الشفافية والعدالة في توزيع الموارد؟

 

TAG : ,المساعدات الدوائية ,لبنان ,اسرائيل ,حرب ,وزارة الصحة ,النازحين ,مراكز الرعاية الصحية