على الرغم من ورشة قوانين سنّها البرلمان لتعزيز القضاء واسترداد الأصول ومكافحة الفساد، على رأسها إصدار قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلا أنّ هذه الهيئة المتخصصة لم تبصر النور بعد. وبعدما باتت مكافحة الفساد أولوية وضرورة قصوى لكشف المرتكبين ومحاسبتهم، على وقع أسوأ انهيار اقتصادي في لبنان، ما هو مصير هذه الهيئة؟ وهل قانون حق الوصول إلى المعلومات مرتبطٌ بها كما يزعم البعض؟
انخفض ترتيب لبنان في مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 خمس درجات، فأصبح في المرتبة 149 بعدما كان في المرتبة 138 عام 2018، في تراجع هو الأسوأ منذ عام 2012.
وعلى الرغم من الاحتجاجات الحاشدة التي شهدها لبنان منذ خريف 2019 والتي طالبت الطبقة السياسية بالتنحي، متهمة إياها بالفساد، ما زال الوضع على حاله. وفي حين لا تزال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت جارية، أو عالقة ضمنيًا، يبقى كبار المسؤولين بمنأى عن أي مساءلة فعلية.
في الخامس من أيار 2020، صوّت البرلمان على النسخة الثانية لقانون مكافحة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بعدما ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون النسخة الأولى منه معللًا ذلك بـ12 سببا، منها رفضه انتخاب القاضيين من أصل الأعضاء الستة للجنة، ومطالبته بتعيينهم. لكن بعد ضغوطات من منظمات غير حكومية ومعنيين، منهم جمعية "لا فساد"، صوّت البرلمان على انتخابهم وأصدر القانون.
ووفق القانون، يبدأ العمل بتنفيذه بعد نشره في الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أشهر يتعيّن خلالها على الجهات المعنية طرح الأسماء وانتخاب القاضيين. وعليه، أعلن المجلس القضاء الأعلى إجراء الانتخابات في الرابع عشر من آب 2020، على أن يعيّن مجلس الوزراء الأعضاء المتبقين حتى 14 أيلول، وهم بحسب المادة السادسة لتشكيل الهيئة:
- محامٍ أو حقوقي يرشح اثنين منهم مجلس نقابة المحامين في بيروت واثنين مجلس نقابة المحامين في طرابلس.
- خبير محاسبة من بين ثلاثة أسماء يرشحهم مجلس نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان.
- خبير في الأمور المصرفية أو الاقتصادية من بين ثلاثة أسماء ترّشحهم هيئة الرقابة على المصارف.
- خبير في شؤون الإدارة العامة أو المالية العامة أو مكافحة الفساد من بين ثلاثة أسماء يرشحهم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية.
وجراء الظروف القاهرة التي مرّت بها البلاد، أبرزها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب أي قبل 10 أيام من البدء بتنفيذ القانون لناحية ترشيح القضاة، ثمّ استقالة الحكومة وتحوّلها إلى تصريف الأعمال، عدا عن تفشي كوفيد-19 على نطاقٍ واسع، توقفت عملية تشكيل الهيئة.
ويشرح المدير التنفيذي لجمعية "لا فساد" جوليان كورسون لـ"مهارات نيوز" أنه "من تشرين الثاني حتى يومنا هذا، ليس هناك من عائق لاستكمال تشكيل الهيئة، حتى أننا تحدثنا معهم عن إمكانية إجراء الانتخابات عبر منصة IMPACT لضمان سلامة الجميع بسبب كورونا".
لكن المسألة لم تعد متعلقة فقط بالواقع الصحي، إذ انقسم المعنيون بالملف إلى فريقين، يرى الأول أنه حتى لو أجريت انتخابات لاختيار القاضيين، لا يمكن تعيين الأعضاء الأربعة المتبقين من قبل الحكومة لأنها مستقيلة. ويعتبر الفريق الثاني أنّ بمقدور حكومة تصريف الأعمال أن تجتمع وتعيّنهم. وأشار كورسون إلى أن اجتماع حكومة تصريف الأعمال لا يُعدّ "سابقة"، إذ سبق لحكومتي تصريف أعمال أن أصدرت مراسيم النفط وعيّنت هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية آنذاك.
لهذا، أطلقت جمعية لا فساد بالتعاون مع "مؤسسة مهارات" حملة تحت شعار "الهيئة ما بدون هيئة"، بعثت من خلالها رسائل إلى الأطراف المعنية للمطالبة بالتحرك والعمل على تشكيل الهيئة كونه أمرًا ملحًا.
استجاب مجلس القضاء الأعلى وأعلن عن فتح الترشيحات في الخامس من أيار 2021، على أمل إجراء الانتخابات في 12 حزيران 2021. أما النقابات والجهات الأخرى فستكون بانتظار نتائج الانتخابات وسترسل الأسماء المطروحة خلال شهرين.
وأكد كورسون أن "قانون حق الوصول إلى المعلومات ليس مرتبطًا بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فالقانون نافذ بموجب مرسوم تنفيذي صدر سابقًا، وبدلًا من التوجه إلى الهيئة بسبب عدم تشكيلها حتى الآن، يمكن التوجه إلى مجلس شورى الدولة لطلب الحصول على المعلومات المرجوة".
وعلى أمل ألا تحدث أي مفاجآت، سيكون الأعضاء جاهزين بانتظار أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال لتعيينهم أو تشكيل حكومة جديدة، تبدو ظروف ولادتها متعثّرة حتى الآن. والواضح حتى الآن أن تشكيل الهيئة ليس أولوية على جدول أعمال المسؤولين رغم الظروف الضاغطة ورفعهم جميعاً شعار "مكافحة الفساد".
TAG : ,هيئة مكافحة الفساد ,مكافحة الفساد ,فساد ,هيئة ,فاسدون ,حكومة ,حوكمة ,تصريف أعمال ,تشكيل ,مهارات نيوز