بعد إقرار قانون الشراء العام في 30 حزيران 2021 ودخوله حيّز التنفيذ في تموز 2022، على إثر ضغط كبير من المجتمع المدني والدولي والاختصاصيين والتقنيين وبعض البرلمانيين، عدّل مجلس النواب هذا القانون في الجلسة التشريعيّة بتاريخ 18 نيسان 2023 لجهة العديد من النقاط التي شكّلت جدلا تقنيا حولها.
فما هي هذه التعديلات؟ وكيف يتمّ تفسيرها تقنيّا؟
يعتبر قانون الشراء العام خطوة مهمّة نحو حوكمة إدارة صرف المال العام في مناقصات الدولة والذي شكّل جزءاً من الثلاثية الإصلاحيّة التي تتضمّن أيضا استقلالية القضاء وإصلاح قطاع الكهرباء.
وقد وضع هذا القانون حدّا للفوضى الحاصلة في المناقصات والمشتريات بدءا من غياب الشفافية والرقابة وصولا إلى صيغ التراضي التي اعتمدت في القطاعات العامّة كان آخرها صفقة بناء مبنى جديد للمسافرين في مطار بيروت الدولي.
وقد سقطت هذه الصفقة جرّاء ضغط الرأي العام والمؤسسات الحقوقية، إضافة إلى الرأي الاستشاري الحاسم الذي أصدره ديوان المحاسبة والذي خلص إلى أن الاتفاقية تشكل امتيازا لمرفق عام، ويقتضي منحه بموجب قانون وفق المادة 89 من الدستور، ً وإن عدم إحترام هذا المبدأ يجعل العقد باطلا، مضيفا عّدة أسباب تجعل من العقد باطلا من الناحية القانونية.
تعديلات على القانون
أقرّ مجلس النواب في جلسته بتاريخ 18 نيسان 2023 التعديلات على قانون الشراء العام بحسب اقتراح قانون كان قد تقدّم به النواب علي حسن خليل وآلان عون وجهاد الصمد.
وقد تمحورت هذه التعديلات حول إضافة بعض الشروط المتعلّقة بإضافة إفادة يتمّ الاستحصال عليها من وزارة الاقتصاد تثبت مقاطعة العدو الإسرائيلي وتصريح عن صاحب الاقتصادي، إضافة إلى تغيير مهلة تقديم الخطط بالنسبة للجهات الشارية، وإشراك هيئة الشراء العام بعملية الموافقة على معايير التصنيف للصفقات المتشابهة، بالإضافة إلى بعض التسهيلات في ما يخصّ التعيينات في لجان الاستلام والتلزيم.
ولكن اللافت في مسألة إقرار هذه التعديلات، هو توقيت إقرارها، أي في الجلسة النيابية التي كانت مخصّصة لتأجيل الانتخابات البلدية، الاستحقاق الذي استحوذ على كامل النقاش العام على مستوى الرأي العام والوسائل الإعلامية وكل البلد. لذا تطرح مسألة توقيت إقرار هذه التعديلات العديد من التساؤلات حول النوايا الفعليّة للسلطة السياسيّة التي تعيق اقرار الاصلاحات الواجبة في كافة القطاعات.
وعلى إثر هذه التعديلات، انتشرت موجة من الاعتراضات التي اعتبرت أن التعديلات هي مسّ بجوهر قانون الشراء العام.
وفي هذا الإطار، أعدّ معهد باسل فليحان ورقة مفصّلة، عرض فيها التعديلات ومخاطرها بالإضافة إلى توصياته في هذا الإطار، وسيعرض هذا التقرير تفاصيل التعديلات وموقف المعنيين والخبراء منها.
تعديلات شروط مشاركة العارضين
في ما يخصّ شروط مشاركة العارضين (المادة 7)، اقترح التعديل أن يتمّ إضافة شرطين، شرط يتعلّق بإفادة تطلبها الشركات الأجنبية من وزارة الاقتصاد تثبت انطباق أحكام قانون مقاطعة العدو الإسرائيلي، وشرط آخر يتعلّق بالتصريح عن أصحاب الحق الاقتصادي.
وقد أشار معهد باسل فليحان المالي إلى عدم ضرورة إضافة شرط في القانون لناحية طلب إفادة تثبت انطباق أحكام قانون مقاطعة العدو الإسرائيلي، فقانون مقاطعة إسرائيل نافذ أساسا ويكفي إضافة هذا الشرط في دفاتر الشروط. إضافة إلى ذلك، لا يوجد إجراءات وضوابط واضحة لإعطاء هذه الإفادات.
كذلك الأمر بالنسبة لأصحاب الحق الاقتصادي، إذ إنّه لا حاجة لتعديل القانون ويمكن إدراج التصريح كشرط إلزامي في دفاتر الشروط.
في المقابل، اعتبر النائب السابق غسان مخيبر والذي شارك في العمل على قانون الشراء العام في حديث لـ"مهارات نيوز" أنّ "وجود هذه الشروط في القانون أمر ضروري لتصبح "قانونيّة"، ولطالما هناك موافقة عليها إذا لا مانع من وضعها في القانون".
وأضاف مخيبر أنّ تعديل المادة 7 هي من أهمّ إنجازات هذا التعديل المقدّم من النواب.
إذا، يتّفق التقنيّون على هذه الشروط، وتختلف وجهات نظرهم، بين من يعتبر أن لا داعي لتعديل القانون ويكفي إدراج هذه الشروط في دفاتر الشروط، وبين من يعتبر أنّ وجودها في القانون أمر أساسي وضروري.
مهلة تقديم الخطط من قبل الجهات الشارية: 3 وجهات نظر
بالعودة إلى قانون الشراء العام، كان ينص قبل التعديل ان ترسل الجهات الشارية خطتها المكتملة خلال 10 أيام من تاريخ إقرار الموازنة العامّة (المادة 11).
أما اقتراح التعديل، فقد نصّ على جعل المهلة "شهرين من بدء سنة الماليّة".
وقد اعتبر المعهد أنّ اقتراح التعديل خطر على الانتظام المالي، لذلك اقترح المعهد في الورقة التي أعدّها جعل المهلة 10 أيّام من تاريخ إقرار موازنة الجهة الشارية.
إذا برزت ثلاث وجهات نظر في ما يخص مهلة تقديم الخطط.
وقد أتى رأي رئيس هيئة الشراء العام جان علية موافقا لما نصّ عليه التعديل، فقد اعتبر في حديث لـ"مهارات نيوز" أنّ "ما نصّت عليه المادة 11 (المهلة 10 أيام من تاريخ إقرار الموازنة العامّة) غير واقعي، فالموازنة العامّة دائما ما تتأخر لتصدر وتكون غير دستوريّة، من هنا أهميّة التعديل بأن تكون المهلة "شهرين من بدء السنة المالية".
أما بالنسبة لاقتراح معهد باسل فليحان (10 أيام من تاريخ إقرار موازنة الجهة الشارية)، يقول مخيبر إنّه وفي الواقع معظم هذه الجهات لا تصدر موازنتها أو تتأخّر لتصدر.
وأضاف مخيبر أنّ "الكثير من الجهات الشارية من المؤسسات العامّة لا تملك موازنة عامّة مصادقا عليها من السلطة وبالتالي لا شيء يجبرها حينها على إرسال خطّتها.
أما فيما يتعلّق بالقوى الأمنية والعسكرية والمعلومات التي انتشرت عن استثنائهم من قانون الشراء العام، يقول مخيبر أنّها معلومات مغلوطة فالقوى الأمنية تم استثناؤها من مبدأ التخطيط فقط وليس من قانون الشراء العام ربما لأسباب خاصّة أو لوضع خاص للقوى الأمنية في ظل الظروف الراهنة.
وأشار مخيبر إلى أن هذا الاستثناء هو خطوة إلى الوراء في قانون الشراء العام، لكنّه لا ينسف جوهر القانون.
أمّا معهد باسل فليحان فاعتبر أن استثناء القوى الأمنية من موجب نشر الخطط يتعارض مع مبدأ التخطيط والشفافية اللذين يشكلان مبدأين أساسيين من مبادئ قانون الشراء العام.
إجراءات التأهيل المسبق للعارضين: اختلاف حول صلاحية هيئة الشراء العام
تعنى المادة 19 من قانون الشراء العام بإجراءات التأهيل المسبق للعارضين، وقد أتى اقتراح التعديل ليضيف فقرة إلى المادة تفيد بأن "تضع هيئة الشراء العام مع الجهات المعنيّة معايير التصنيف للصفقات المتشابهة".
وكون هيئة الشراء العام هي هيئة ناظمة مراقبة، اعتبر معهد باسل فليحان أنّ هذا التعديل يغيّر من طبيعة عملها الرقابي ويجعلها طرفا تنفيذيا ويدخلها بالتالي في تضارب المصالح كما يعيد العمل بمبدأ مرفوض دوليا وهو التصنيف.
في هذا الإطار، أوضح مخيبر أنّ "موافقة هيئة الشراء العام على المعايير تبقيه ضمن مهمّته كهيئة رقابية ناظمة فهو لا يتدخّل بانتقاء الجهة الشارية بل يتدخّل بالمعايير التي على أساسها يتمّ قبول الجهة الشارية".
واعتبر عليّة أنّه وبالنسبة للمعايير، من الضروري أن تحصل على موافقة هيئة الشراء العام، وعملنا كهيئة مراقبة هو الموافقة على المعايير، ولا يمكن أن تصبح المعايير بيد الوزارات.
وأضاف عليّة أنّ "هيئة الشراء العام أساسا يجب أن تضع المعايير ولكن جئنا بصيغ ليّنة أكثر وهي أن توافق هيئة الشراء العام على المعايير التي تضعها الجهات الشارية ومعايير التصنيف تضعها هيئة الشراء العام".
تعيين لجان الاستلام والتلزيم: لا حاجة للعودة إلى هيئة الشراء
تعنى المادة 76 من قانون الشراء العام بمهام هيئة الشراء العام، وتنص الفقرة 14 من المادة على أن يتمّ التنسيق مع هيئة الشراء العام للتحقق من مؤهلات الأعضاء الـمقترحين لعضوية لجان التلزيم.
أما في التعديل المقترح، فقد تمّ استبدال الفقرة 14، لتصبح مهمّة التحقق من مؤهلات أعضاء لجان الاستلام والتلزيم من مسؤولية الجهات الشارية فقط دون العودة لهيئة الشراء العام إلاّ عند الاقتضاء.
اعتبر معهد باسل فليحان أنّ هذا التعديل يحد من صلاحية هيئة الشراء العام لجهة حفظ بيانات أعضاء اللجان لديها ويمكن أن يؤدي إلى تعطيل دورها في التحقق من مؤهلات أعضاء اللجان والتلزيم، مضيفا رأيه بعدم الأخذ بالتعديل، فهيئة الشراء العام لا يمكنها التحقق من المؤهلات إذا لم تكن البيانات محفوظة في قاعدة بيانات على المنصة الإلكترونية لدى الهيئة.
أما الرأي التقني الآخر، فقد عبر عنه عليّة بالقول إنّ هذا التعديل سهّل على كل الجهات تنفيذ القانون، فلا حاجة للعودة إلى هيئة الشراء العام عند تشكيل لجان الاستلام والتلزيم الأمر الذي يستغرق الكثير من الوقت، بل تشكّل اللجان عند الجهات الشارية وفقا لأسس تضعها هيئة الشراء العام، وعند الإقتضاء تطلب الهيئة هذه اللوائح.
ضرورة تشكيل اللجان من المتدرّبين: بين الشق التقني والواقع
أخذت مسألة التعيينات في لجان الاستلام والتلزيم حيّزا واسعا من النقاش، إذ نصّ التعديل على إلغاء بعض الفقرات من المادة 100 و 101 والمتعلّقة بمواصفات موظفي لجان الاستلام والتلزيم.
بشكل عام، تتحدّث المادة 100 والمادة 101 عن شروط تعيين لجان التلزيم والاستلام ومهامها.
وتعنى الفقرة 2 و 3 من المادة 100 والفقرة 1 و 2 من المادة 101، بطريقة تشكيل لجان الاستلام والتلزيم وبمواصفات أعضاء هذه اللجان، ومن ضمن هذه المواصفات أن يكون الأعضاء من المتدرّبين حصرا وفقا لأحكام قانون الشراء العام، وأن يكونوا موظفي فئة ثالثة.
لناحية التدريب
أتى اقتراح التعديل ليلغي هذه الفقرات، مضيفا فقرة تفيد بأن يتمّ تأليف اللجان لدى الجهات الشارية من أهل الخبرة والاختصاص وفقا لأسس تضعها هيئة الشراء العام، على أن تعطى الأولوية للأشخاص المتدرّبين.
أي أنّ اقتراح التعديل ألغى "حصريّة" تأليف اللجان من المتدربّين لكنه في نفس الوقت أعطى الأولوية لهم في حال وجودهم
وقد اعتبر معهد باسل فليحان أن هذه التعديلات خطيرة لناحية الفساد ومهنية لجان الاستلام والتلزيم ومبدأ التخصص في ما يخص الموظفين في اللجان، مشدّدا في جوهر رأيه على ضرورة أن يكون أعضاء اللجان من المتدرّبين.
من وجهة نظر تقنيّة أخرى، يقول رئيس هيئة الشراء العام جان عليّة: "في حال هناك قرية بعيدة لم يتدرّب الأعضاء فيها على الشراء العام، كيف يمكنهم أن يطبقوا القانون اذا كان الاعضاء حصرا من المتدربين؟".
أما مخيبر فأوضح أنّه " يوجد 1100 بلدية و90 مؤسسة عامة والكثير من الجهات الملزمة تطبيق قانون الشراء العام، وإلى حد الآن لم يتدرب الجميع، لذلك كان اقتراح التعديل ذكيا بإعطاء الأولوية للمدربين، وبحال لا يوجد مدربّين يعيّن من غير المدربين لعدم وضع هذا الأمر كعقبة أمام تنفيذ القانون. أي أن التعديل أعطى مرونة لهيئة الشراء العام بتطبيق القانون".
لناحية فئة الموظفين
من ضمن المواصفات المنصوص عليها في الفقرات الملغيّة "أن يكون أعضاء اللجان من موظفي الفئة الثالثة"، ومع الأزمة التي يعاني منها القطاع التوظيفي في لبنان والبلديات وندرة وجود موظفّي من الفئة الثالثة، تمّ إلغاء هذه المواصفات من القانون.
في هذا الإطار، اعتبر معهد باسل فليحان أنّ لا ضرورة لإلغاء الفقرات، بل يكفي تعديلها بالعودة إلى المادة 119 من قانون موازنة 2022 التي تسمح باستكمال تشكيل لجان الاستلام من أعضاء المجلس البلدي في حال عدم وجود أو نقص بعدد الموظفين في البلديات على أن تطبّق عليهم آليات وشروط المادة 101 لناحية التشكيل والتدريب.
أي وبشكل مختصر، اعتبر معهد باسل فليحان أن لا حاجة لإلغاء الفقرات بل يكفي تعديل ما يختص بفئة الموظفين على أن يبقى التدريب أمرا ضروريا كما نصّت المادة 101.
نقاط مشتركة رغم الاختلافات التقنيّة
رغم الاختلافات التقنيّة، وافق معهد باسل فليحان على بعض التعديلات المقترحة.
فمثلا، وافق المعهد على تعديل المادة 46 (شروط الاتفاق الرضائي)، بإضافة فقرة سادسة تفيد بأنّه "يجوز للجهة الشارية أن تَقوم بالشراء بواسطة اتفاق رضائي عند التعاقد مع المستشفيات والمراكز الطبية والمختبرات"، وقد برّر المعهد موافقته على هذا التعديل بأنّه يسهّل العمل ولا يخالف المبادئ.
وأيضا، وافق المعهد على تعديل المادة 60 من قانون الشراء العام (الدعوة للشراء بالفاتورة)، بإضافة فقرة تفيد أنّه وفي حال تعذّر تقديم فاتورة، يمكن الاكتفاء ببيان موقّع من أصحاب الحقوق يتضمّن تفصيل الخدمات، وقد برّر المعهد موافقته على هذا التعديل بأنّه يسهّل العمل ولا يخالف المبادئ.
إذا يوجد بعض الاختلافات في الرأي من ناحية التقنيين كما توجد نقاط مشتركة لا سيما أنّ معهد باسل فليحان المالي قد وافق على بعض التعديلات.
ويقول مخيبر: "إنّ التواصل بين التقنيين موجود ومن الطبيعي أن يخطئ التقنيون، فهم يبدون رأيهم ومن الممكن أن يكونوا على حق ومن الممكن أن يكون على خطأ"، ليبقى الأساس هو النيّة بالاستفادة المثلى من قانون الشراء العام وتعديله وفقا للمصلحة العامّة باتجاه الإصلاح ومحاربة الفساد في عمليات الشراء العام.
TAG : ,قانون الشراء العام ,هيئة الشراء العام ,مجلس النيابي ,هيئة الشراء العام ,معهد باسل فليحان المالي ,تعديلات ,لجان التلزيم ,لجان الاستلام