يحمل المصوّر الشاب وصاحب مؤسسة "ذا كابينت" نذير حلواني غصّة وعتباً، كون المكان المحبب إليه في طرابلس، والأمثل بالنسبة له لركوب الدراجات الهوائية مُقفل، وممنوع دخوله. لطالما سأل حلواني عن سبب إقفال "معرض رشيد كرامي الدولي"، وهو الذي صممه مؤسسه المهندس المعماري العالمي أوسكار نيماير، "ليكون متنفساً مفتوحاً وحراً لأهالي المدينة".
وإذ كان "تسييج" المعرض وإغلاقه يعود لأسباب أمنية، فإن الأسباب التي تحول دون الاستفادة من هذا المرفق الحيويّ الهام، رغم مرور ما يزيد عن ستينعاماً على تشييده، تبقى مثار أسئلة واستفسارات، علماً أن المبادرة الوحيدة للاستقادة منه تمت في آذار/مارس الماضي، حيث وُضِعَ الفندق فيه بتصرف الدولة اللبنانية مع انتشار وباء كورونا، وتم تحويله إلى مركز لحجر المصابين من أبناء المدينة والمحيط.
وتعود حكاية انشاء المعرض الى عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، حيث صدرت مجموعة المراسيم المتعلقة بإنشاء "معرض لبنان الدولي الدائم" في طرابلس، وأولها المرسوم رقم 4027 في شهر أيار/مايو العام 1960، وأجاز هذا المرسوم في المادة الخامسة منه إنشاء شركة ذات اقتصاد مختلط، وعرض المنتجات لتعريف الجمهور بثروات لبنان والبلاد العربية. كما نصت المادة السادسة على استفادة المنتجات الأجنبية التي يرغب عرضها من نظام الإدخال المؤقت المنصوص عنه في المادة 232 من قانون الجمارك.
وفي 25 أيار 1961 صدر المرسوم رقم 6247 الذي نص في مادته الأولى على استحداث مؤسسة عامة تدعى "مصلحة معرض لبنان الدولي الدائم في طرابلس" غايتها إدارة واستثمار المعرض المنشأ بموجب قانون 4 مايو/أيار 1960، تتمتع بالشخصية المدنية وبالإستقلال الإداري والمالي وتلحق بوزارة الإقتصاد. وفي المادة الرابعة نص على أن يُدير المصلحة مجلس إدارة مؤلف من رئيس وستة أعضاء يعينون من بين الموظفين وغير الموظفين بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، من بين الشخصيات العاملة في حقل التجارة والصناعة والزراعة والمال، ومن بين كبار الموظفين الذين تؤهلهم خبرتهم الاقتصادية أو المالية أو الإدارية أو القانونية لخدمة المصلحة. يجتمع هؤلاء مرة في الشهر ويتقاضون مبلغاً رمزياً (72 ألف ليرة لبنانية عن كل اجتماع). كما وزّعت مقاعدهم على الطوائف وفق الآتي: 4 من الطائفة السنية، وإثنان من الطائفة المسيحية (الأول ماروني والثاني أرثوذكسي) وواحد علوي.
وجاء في المادة الخامسة أن يكون للمصلحة صندوق مستقل تغذى وارداته من الاعتمادات التي ترصد في الموازنة في سبيل الغاية التي أنشئت من أجلها المصلحة، الضرائب والرسوم التي قد تحدث خصيصاً لهذه الغاية، وريع الطوابع التذكارية والاشتراكات والخدمات ورسوم الدخول، والايرادات المختلفة والهبات. ويحدد مجلس الإدارة بدل الاشتراكات والخدمات ورسوم الدخول ويقبل الهبات. على أن تُقسم نفقات المصلحة إلى نفقات إنشائية ونفقات إدارية وصيانة مختلفة.
وفي 25 أيلول/سبتمبر 1980صدر القانون رقم 30/80 ونص على تعديل التسمية لتصبح "معرض لبنان الدولي الدائم في طرابلس"، قبل أن تُعدَّل لاحقاً في العام 1991 لتصبح معرض رشيد كرامي الدولي.
نص القانون أيضاً على إخضاع المعرض للمرسوم 4517/72 أي النظام العام للمؤسسات العامة، ولوصاية وزير الاقتصاد والتجارة بواسطة مفوض الحكومة الذي يعيّن. فيما أعفيالمعرض من رقابة مجلس الخدمة المدنية وأخضعه للرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة كما أخضعه للتفتيش المالي.
الصورة بعدسة المهندس وسيم ناغي
بنية منافسة عربية وأوروبية
وفكرة إنشاء المعرض، جاءت نتيجة رواجها في بلدان أوروبية كثيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث اشتهرت العديد من المعارض، وانتقلت الفكرة إلى الدول المجاورة حيث تم تأسيس "معرض دمشق الدولي" ومساحته 230 ألف متر مربع في العام 1955، و"معرض بغداد الدولي" ومساحته 300 ألف متر مربع في العام 1956، و"معرض إزمير الدولي" في تركيا ومساحته 460 ألف متر مربع في العام 1937.
لكن العازمين اللبنانيين على انشائه، أرادوه أكبر مساحة وأوسع دوراً. وبعد استملاكات العقارات اللازمة، وصلت مساحة المعرض الى مليون متر مربع، بما فيها مواقف لحوالي خمسة آلاف سيارة وطريق دائري بعرض إثنين وثلاثين متراً ومسار طوله ثلاثة كيلومترات، ويحتل حوالي ثمانية بالمئة من مساحة وسط مدينة طرابلس.ويضم تحفاً معمارية وهندسية عدّة منها: المسرح المكشوف، المسرح التجريبي، صالة العرض المقفلة، الجناح اللبناني، قاعة المؤتمرات، الفندق، متحف الفضاء، مكتب الإدارة، بيت الضيافة، قاعة المعارض، برج خزان المياه، متحف السكن، البيت النموذجي، مبنى الجمارك والدفاع المدني. وفيه 120 ألف متر من الحدائق، 20 ألف متر من البرك المائية، ونحو 20 ألف متر كسقف يمكن استغلاله.
وطوال تلك السنوات، اقتصر استخدام معرض رشيد كرامي الدولي على بعض المعارض المتخصصة والمهرجانات والحفلات الفنية بينها معرض إقليمي للصناعات الورقية والكرتون والتعبئة والتغليف، ولمواد البناء وللصناعات الغذائية العربية.
في العام 1998 نُظّم معرض دولي لغرف التجارة الإسلامية شاركت فيه حوالي خمسون دولة. كما نُظّم المعرض العربي الإفريقي الذي شاركت فيه 52 دولة. وجرت فيما بعد محاولة لإقامة مشروع "المعرض الصيني"، لكن المشروع سقط بعد اندلاع حرب تموز 2006. ويُضاف إلى كل ما سبق أن معرض رشيد كرامي الدولي كان يستقبل سنوياً فعاليات معرض الكتاب في طرابلس.