Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

موازنة لبنان (1)
هل يُعتبر إقرار مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2025 بمرسوم من مجلس الوزراء دستوري؟
24/03/2025

أقرّ مجلس الوزراء في السادس من آذار 2025، مشروع قانون الموازنة العامّة بمرسوم، بعد أن كانت الحكومة اللبنانية أمام خيارين، إما استرداد موازنة العام 2025 وإعادة دراسة الإيرادات والنفقات، وإما الذهاب إلى خيار إقرارها بمرسوم صادر عن الحكومة.

 

أثار هذا القرار ردود فعل متباينة، إذ أعلن عدد من النواب نيتهم الطعن أمام المجلس الدستوري بعدم صحة الموازنة، وهو ما يتطلب توقيع ما لا يقل عن عشرة نواب. إذ إعتبر النائب ملحم خلف مثلاً أن "إصدار الحكومة للموازنة العامة بمرسوم، شكّل بموجب المادة 86 من الدستور مخالفة دستورية واضحة لا لبس فيها".

 

في المقابل، دافعت الحكومة عن قرارها، معتبرة أنه "الحلّ الأفضل" في ظلّ الظروف الحالية، لا سيما لضمان استمرارية المرافق العامة والخدمات الأساسية. وحذّرت من أن عدم إقرار الموازنة كان سيدفع البلاد إلى العمل بقاعدة "الاثني عشرية" المؤقتة، واللجوء إلى سلف الخزينة، مما كان سيؤدي إلى تفاقم الضغوط المالية.

 

فهل يُعتبر إقرار مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2025 بمرسوم من مجلس الوزراء دستوري؟

 

صدر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 11 آذار 2025 مرسوم رقم 56 الذي ينصّ على اعتبار مشروع موازنة عام 2025 المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 14076 مرعياً ومعمولاً به.

 

وللتذكير، فإنّ هذا المشروع أقرّته حكومة تصريف الأعمال السابقة برئاسة نجيب ميقاتي في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على لبنان، أي في 23/9/2024، وأرسلته إلى المجلس النيابي. وإذ أرسلت حكومة ميقاتي هذا المشروع ضمن المهل المحدّدة لها دستوريّا من دون أن يلقى المشروع أيّ دراسة في المجلس النيابي، عمدت حكومة نواف سلام إلى تطبيق المادة 86 من الدستور اللبناني التي تجيز للحكومة إقرار الموازنة بمرسوم في حال عدم إقرارها ضمن المواعيد الدستورية من قبل مجلس النواب بعد إلتزام الحكومة بهذه المواعيد.

 

وفي إطار التعامل مع التداعيات الإقتصادية للموازنة الجديدة، تمّ تكليف وزير المالية بإعداد قانون لمراجعة الضرائب المدرجة في هذه الموازنة، خاصة وأن التدابير الضريبية على السلع والخدمات المحليّة التي تم تضمينها في الموازنة أثارت قلقًا كبيرًا لدى القطاع الخاص.

 

النائب ملحم خلف يرى في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن لا إمكانية لإصدار موازنة 2025 بمرسوم لإنتفاء شرط من شرطي المادة 86 من الدستور علماً أن ما تضمنته من أعباء وضرائب هي غير سوية ومرهقة للمواطنين. ويؤكد أن هناك طعن أمام المجلس الدستوري يتم تحضيره في هذا الإطار.

 

ويشرح أن لا إمكانية لتفعيل أو لتطبيق المادة 86 من الدستور إلا بتوفر شرطين متلازمين:

- تحويل المشروع قبل 15 من العقد العادي، وقد جرى ذلك إنما  لم يوزع على النواب ولم يناقش.

- وعند تلكؤ المجلس النيابي عن إقرار الموازنة في العقد العادي، أن يكون المجلس قد دُعي لعقد إستثنائي خلال شهر كانون الثاني وهذا لم يحصل.

 

وشرح المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، المسار الدستوري لإقرار الموازنة الذي يجب أن يأتي بالأساس من مجلس النواب بقانون يصدر بعد مناقشة لمشروع الموازنة الذي ترسله الحكومة الى المجلس النيابي، وسنداً لأحكام المادة 86 من الدستور اللبناني يُفترض أن يصار الى إنجاز دراسة الموازنة وإقرارها قبل نهاية العام من كل عام. أما وفي حال لم يتمكن المجلس النيابي من إنجاز هذه المهمة ضمن المهلة المحددة فإن الدستور أجاز فتح دورة استثنائية لمدة شهر ينتهي في نهاية كانون الثاني من العام الطالع من أجل إقرار هذه الموازنة أصولاً. أما وقد أرسلت الحكومة مشروع الموازنة إلى مجلس النواب ضمن المهل المحددة والمنصوص عنها في المادة 86 من الدستور وأمام تلكؤ مجلس النواب عن دراسة وإقرار هذه الموازنة ومع عدم إقرار الموازنة من قبل السلطة المولجة بهذا الموضوع ولأجل عدم شلّ عمل الحكومة أجاز الدستور إصدار الموازنة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وهذا ما حصل. 

 

أما عن تكليف معالي وزير المالية إعداد مشروع لإعادة النظر بالرسوم الواردة في الموازنة، يقول مالك، "إن وزير المال قد قدّم إلى مجلس الوزراء إقتراح مشروع قانون من أجل إعادة النظر بالرسوم أقره مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب للإقرار. وإن طلب إعادة النظر بالرسوم اليوم من صلاحية مجلس النواب إقراره عملاً بالآلية المنصوص عليها وسنداً للدستور ولنظامه الداخلي. وبالتالي هذه الرسوم والتي تطال المكلفين هي مجحفة بالفعل ويجب على الحكومة أن تتدارك ما يمكن أن ينتج عنها من أضرار يمكن أن تصيب المجتمع والمواطن. والكرة باتت اليوم في ملعب مجلس النواب من أجل دراسة هذه الأرقام واعادة النظر بها".

 

بالعودة إلى المادة 86 من الدستور اللبناني، فإذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً، يصدر بناء عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طُرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل.

كما وتنص المادة على أنه في مدة العقد الاستثنائي المذكور تُجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق أساساً ويُضاف إليها ما فتح بها من الاعتمادات الدائمة ويحذف منها ما أسقط من الاعتمادات الدائمة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية.

 

وفي السياق، تقول الخبيرة الإقتصادية ومسؤولة برامج رئيسية في قسم التعاون والشراكات في معهد باسل فليحان، سابين حاتم في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "لا يمكن أن نعتبر أن الأرقام الموجودة في الموازنة اليوم واقعية لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار كل آثار الحرب على الإقتصاد، إن كان على الناتج المحلي أو على الإيرادات ولا حتى على ضرورة زيادة النفقات لتغطية بعض الأمور التي لم تأخذها الموازنة بعين الاعتبار. 

 

وتضيف، "يجب على وزارة المالية أن تُصدر خلال مدة شهر تعميماً بالموازنة للمباشرة بالتحضير لموازنة العام 2026، ويجب أن يتضمن هذا التعميم توقعات وأرقام ماكرو اقتصادية. وإلى حينها يجب أن تكون الوزارة قد أعادت النظر بالأرقام ووضعت أرقام واقعية أكثر لإستعمالها في الموازنة المقبلة".

 

وتلفت حاتم، إلى وجود أربعة خيارات يمكن أن تلجأ لها الحكومة إذا كانت بحاجة لصرف مبالغ أكبر من تلك المحددة في الموازنة وهي كالتالي: 

- فتح اعتمادات إضافية للحالات الاستثنائية ضمن سقوف معيّنة محددة في قانون الموازنة

- إعداد موازنة استثنائية لتغطية مشاريع معيّنة ولكن يجب أن تقرّ بمجلس النواب مثل الموازنة العادية

- فتح اعتمادات إضافية بموجب قانون يقرّه مجلس النواب

- استعمال احتياطي الموازنة لتغطية نفقات معيّنة أو نقل اعتمادات ضمن البند الواحد بحسب الأصول المحدّدة لنقل الاعتمادات وذلك بقرار من الوزير المختصّ مع تأشير المراقب المركزي.

 

إذاً، الإشكالية المطروحة صحيحة جزئياً، لأن إقرار مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2025 بمرسوم معجّل من مجلس الوزراء في هذه الحالة، مخالف للقانون لإنتفاء شرط من شرطي المادة 86 من الدستور"عند تلكؤ المجلس النيابي عن إقرار الموازنة في العقد العادي، أن يكون المجلس قد دُعي لعقد إستثنائي خلال شهر كانون الثاني" وهذا ما لم يحصل. ولكن في المقابل هناك إعتبارات أبعد من نص القانون فقط، فمن المهم أن يتم النظر في البعد الإقتصادي والمالي وترتيباته على البلد في حال لم يتم التصويت على موازنة تساعد على إنتظام الإنفاق العام.