Loading...
false

غير صحيح

مصرف لبنان (3)
هل تعميم مصرف لبنان بالطلب للمصارف عدم تسديد أموال المودعين من حساباتها بالعملة الأجنبية بما يتجاوز السقوف المحددة، قانوني؟
04/07/2025

في خطوة لاقت الكثير من الانتقادات والأخذ والرد لاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وفرضت تغطية صحافية كبيرة في اليومين الماضيين، أصدر مصرف لبنان في الأول من تموز الحالي القرار رقم 13729 الصادر بموجب التعميم الأساسي رقم 169 والذي يطلب من جميع المصارف العاملة في لبنان الامتناع عن تسديد أيّة مبالغ من الحسابات بالعملة الأجنبيّة المكوَّنة لدى أي منها قبل تاريخ 17/11/2019، سواءً كانت مكوَّنة لدى المصرف المعني أو تم تحويلها إليه بعد هذا التّاريخ، بما يتجاوز السّقوف المحـدَّدة في النّصوص التّنظيميّة الصّادرة عن مصرف لبنان، وذلك دون الاستحصال على موافقة مصرف لبنان الخطيّة المسبقة.

اعتبر المصرف المركزي أن التعميم يأتي في إطار تأمين المساواة بين المودعين، حيث أن الأزمة المصرفية التي اندلعت في لبنان في تشرين الأول ٢٠١٩ قد أدت إلى وضع قيود على الودائع المصرفية، مما حال دون قدرة المودعين، من مقيمين وغير مقيمين على السواء، على التصرف بأموالهم بحرية، سيما تلك المودعة بالعملات الأجنبية، وبما أن بعض المودعين قد طلب من المصارف العاملة في لبنان تسديد كامل وديعته فورًا، إما نقدًا او عبر تحويل الى خارج لبنان، ومنهم من لجأ في بعض الاحيان الى القضاء الأجنبي بهدف تحصيل حقوقه، وحيث ان هذه المطالب، في حال كونها صحيحة ومحقّة في مبدئها، غير أنه لا يمكن اعتبارها كذلك في الأزمات المصرفية إذ تُحدث تمييزًا غير عادل بين المودعين، بحيث يتم تفضيل المحظيين الذين يملكون مميزات خاصة بهم مقابل بقية المودعين في لبنان الذين لا تتوافر لهم ذات المعاملة التفضيلية.

 

أثار القرار جدلاً قانونيا وسياسيًا، فبينما رحبت جمعيَّة مصارف لبنان بالقرار مُعتبرة أنه يحفظ حقوق المودعين جميعًا بانتظار الحل الشامل الذي بدأ مصرف لبنان العمل عليه بالتعاون مع سائر المراجع المختصة، ومؤكدة أنه لا يهدف لحماية المصارف كما يدلي به بعض "المغرضين". انتقد بيان رابطة المودعين القرار، حيث رأت الرابطة أنّ المصرف نصّب "نفسه وبالقوة كسلطة جديدة تعلو فوق جميع السلطات من التشريعية، التنفيذية والقضائية".

 

فهل تعميم مصرف لبنان بالطلب للمصارف عدم تسديد أموال المودعين من حساباتها بالعملة الأجنبية بما يتجاوز السقوف المحددة، قانوني ؟

 

بحسب المادة  المادة 174 من قانون النقد والتسليف للمصرف المركزي صلاحية إعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمن تسييرعمل مصرفي سليم. يمكن أن تكون هذه التوصيات والوسائل شاملة أو فردية. وللمصرف المركزي خاصة بعد استطلاع رأي جمعية مصارف لبنان أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها. كما ان له ان يُحدد ويُعدّل كلما رأى ذلك ضروريا، قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيد بها حفاظا على حالة سيولتها وملاءتها.

 

كما توضّح المادة 70 من قانون النقد والتسليف أن مهمة المصرف المركزي العامة هي المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم وتتضمن مهمة "المصرف" بشكل خاص ما يلي:

- المحافظة على سلامة النقد اللبناني

- المحافظة على الاستقرار الاقتصادي

- المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي

- تطوير السوق النقدية والمالية

 

هنا يعتبر الكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية زياد ناصر الدين في حديث لـ "مهارات نيوز" أن هذا الإجراء له بُعدين فبالإضافة للبُعد التقني، يحتاج الى تشريع قانوني من مجلس النواب، فهو وإن كان تعميمًا، لكنه تعميم بمفاعيل "كابيتال كونترول".

 

"المركزي أخذ خطوة إلى الأمام حيث اعتبر أن إقرار الكابيتال كونترول لم يتم رغم المطالبات به منذ 17 تشرين الأول 2019 وبالتالي أقره هو بطريقة غير مباشرة لسبب يتعلق بواقع قضائي، حيث يوجد مودعين متمكنين يرفعون الدعاوى في الخارج ويحصلون على أموال بينما يعجز مودعون في الداخل عن القيام بذلك. ويبقى القرار على المستوى النقدي والمالي ضروري لانه يحمي ما تبقى من الودائع".

 

ويضيف ناصر الدين، في شهر أيلول يجب تقديم الجواب الكامل المتعلق بقانون الإصلاح المالي التي عُلّق وتم ربطه بشكل مباشر بقانون الفجوة المالية، ويبدو واضحًا وجود تباين بين نظرة المصرف المركزي، والحكومة ووزارة المال لموضوع معالجة الفجوة المالية ومن سيتحمل النسب الأكبر من الخسائر بين الرباعي (الدولة، المصرف المركزي،المصارف، والمودعين). ويوصي ناصر الدين بضرورة تفعيل التنسيق بين المركزي ووزارة المال والحكومة ومجلس النواب لكي لا يكون كلٌ منهم يعمل على حده.

 

بدورها الخبيرة القانونية المتخصصة في الشأن المصرفي، سابين الكيك اعتبرت أن هناك شقان في هذا التعميم، الشق التبريري بمعنى الأسباب الموجبة له، والشق التنظيمي وهو القرار. 

 

في الشق التبريري ورغم الاستناد مثلا للمادة 174 من قانون النقد والتسليف، لكن هذه الصلاحيات محصورة في عملية تنظيم القطاع المصرفي. بينما القرار كله متوجه للقضاء، فالحاكم يقول أنه سيمنع المصارف من تحويل الأموال لأن القرارات القضائية غير عادلة، ما يعني أنه اعطى لنفسه صلاحية مخاطبة سلطة قضائية، وتقييم قرارات قضائية تصدر في الداخل أو الخارج، وإعطاء رأي مسبق بهذه القرارات وهذه ليست لا وظيفة ولا صلاحية الحاكم، فمصرف لبنان هو مؤسسة عامة وليس سلطة.

 

وفي الشق التنظيمي يمنع القرار المصارف من القيام بالتحويلات، ويحتفظ المصرف بحق الموافقة المسبقة على الطلبات، ما يعني حصر التحويلات بسلطة استنسابية له فمن أين أتى بها، وما هي المعايير، وكيف يُقدَم الطلب، وأين تتم المراجعات ؟

 

وحول كون القرار بمفاعيل كابيتال كنترول تعلق الكيك في حديثها لـ "مهارات نيوز" بالقول "منذ سنوات يناقش مجلس النواب عدة صيغ للكابيتال كونترول ولديه الكثير من المحاذير قبل إقراره، فكيف للمصرف المركزي أخذ هذا القرار منفردا"؟، مؤكدةً أنه قرار قابل للطعن أمام مجلس شورى الدولة من كل ذي صفة ومصلحة.

 

يتعدى القرار بحسب الكيك، بخلاف حق التقاضي، على حق الملكية الفردية المكفول في الدستور، معتبرة أن ليس للقرار صفات التشريع أو القاعدة القانونية لتعديل أي نص قانوني، وأنه لا يُفترض أن يكون له فعالية أمام القضاء، إلاّ أن المصارف يمكن أن تستخدمه كوسيلة دفاع لها، و"نحن ننتظر في هذا الأمر رأي نادي القضاة، ما إذا كان سيقبل التعاطي معه بهذه الطريقة".

 

إذا فالسؤال حول قانونية تعميم مصرف لبنان بالطلب للمصارف عدم تسديد أموال المودعين من حساباتها بالعملة الأجنبية بما يتجاوز السقوف المحددة غير صحيح، لأن القرار تعتريه الكثير من الملاحظات مثل حاجته لتشريع قانوني من مجلس النواب كونه تعميم بمفاعيل "كابيتال كونترول"، ومثل تناقضه مع حقوق مكفولة بالدستور كحق التقاضي وحق الملكية الفردية.