صحيح
كثُر الحديث في الأسابيع الماضية عن مصير سندات "اليوروبوندز" مع اقتراب انتهاء مهلة الخمس سنوات ووصولنا لاستحقاق آذار 2025، وهو الموعد الذي يفقد فيه حاملو "اليوروبوندز" حقهم في المطالبة بالفوائد على أصل الدين بعد قرار الحكومة السابقة بالتخلف عن سداد التزاماتها لهذه السندات في آذار 2020.
للتذكير فإن سندات "اليوروبوند" تمثّل إحدى أدوات الدين التي تصدرها الحكومات للإقتراض بالعملات الأجنبيّة، بحيث تمثّل القيمة الإسميّة للسند المبلغ الذي اقترضته الحكومة عند الإصدار، والذي يُفترض أن تسدده لحامل السند عند الاستحقاق، على أن يتم تسديد الفوائد المحددة سلفًا بشكل دوري. خلال هذه المدّة التي يمكن أن تمتد لسنوات طويلة، أي بين إصدار السند واستحقاقه، يمكن تداول السندات وفق قيمته السوقيّة، التي تختلف عن القيمة الإسميّة. وتشهد أسعار سندات اليوروبوندز ارتفاعًا مستمرًا في الأشهر الماضية لاسيما في فترة تمدد الحرب الأخيرة، في إشارة الى تصور لدى المتداولين في الأسواق أن المشهد اللبناني مُقبل بعد الحرب نحو مستقبل أفضل، وقد تعزز هذا التصور مؤخرًا مع انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس حكومة جديد للبلاد.
ومع اقتراب استحقاق آذار 2025 والترجيح بتقدم حاملي هذه السندات للادعاء على الدولة قبل انتهاء مهلة الخمس سنوات، وافق مجلس الوزراء (وفق بيان عن وزارة المالية) في جلسته المنعقدة بتاريخ 7 كانون الثاني 2025 بالإجماع على قرار تعليق حق الدولة اللبنانية بالإدلاء بدفوع مرور زمن المهل التي تسري على مطالبات حاملي سندات اليوروبوند الصادرة عنها، وفقا لقانون ولاية نيويورك أو أي مهل أخرى إن كانت تعاقدية أو غيرها وذلك لغاية 9 آذار 2028 كما فوض مجلس الوزراء وزير المالية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة أو المناسبة لتنفيذ هذا القرار، بما في ذلك تعديل شروط إصدارات سندات اليوروبوند. ويُعيد هذا الإجراء الحديث عن صلاحيات الحكومة في اتخاذ هكذا قرارات كونها حكومة تصريف للأعمال منذ العام 2022.
فهل يحق لحكومة تصريف الأعمال تعليق حق الإدلاء بدفوع مرور زمن المهل التي تسري على مطالبات حاملي سندات اليوروبوند؟
يُحدد الدستور اللبناني الأطر التي تمارس على أساسها الحكومة صلاحياتها، إذ تنص المادة ٦٤ من الدستور أن على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببیانها الوزاري لنیل الثقة في مهلة ثلاثین یومًا من تاریخ صدور مرسوم تشكیلها. ولا تمارس الحكومة صلاحیاتها قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقیلة إلا بالمعنى الضیق لتصریف الأعمال.
ويشرح المحامي والدكتور الجامعي عادل يمّين في حديث لـ"مهارات نيوز" أن المادة ٦٤ من الدستور تُتيح للحكومة المعتبرة مستقيلة تفويض الأعمال بالمعنى الضيق وهذا التفويض يشمل ثلاثة أمور:
١ - تيسير المعاملات اليومية وتوقيع الوزراء على البريد اليومي الذي يعده موظفو الوزارة
٢- التصدي للمسائل والمواضيع التي تتسم بطابع العجلة والضرورة وهي في الأصل ليست ضمن صلاحيات تصريف الاعمال، و لكن عندما تخضع لصفة العجلة أو الضرورة تدخل ضمن مفهوم تصريف الأعمال
٣- التصدي للمسائل التي تخضع لمهل قانونية ودستورية
ويقول يميّن أنه وانطلاقًا من النقطة الأخيرة يُمكن اعتبار القرار المتعلق بمسألة اليوروبوندز ضمن هذه الخانة، و يمكن لحكومة تصريف الأعمال التصدي لها حتى لا يقع أي ضرر على الدولة، ويحق لها اتخاذ مثل هذا القرار.
ماذا يعني القرار؟
حول هذه النقطة يقول الخبير الإقتصادي أنطوان فرح لـ"مهارات نيوز": "من المعروف أنه في شهر آذار يسقط حق حاملي اليوروبوند بالمطالبة بالفوائد على السندات، ومن جهة أخرى يجب ذكر أنه في العام 2026 كان سيسقط حق حاملي اليوروبوند بالمطالبة بأصل الدين وبالتالي من البديهي من حاملي السندات الإتجاه إلى رفع دعاوى للحفاظ على حقهم بالمطالبة بالفوائد على الدين التي تشير الأرقام إلى أن قيمتها ستكون بين 10 و12 مليار دولار أميركي. في هذا الوضع ما قامت به الحكومة اللبنانية أنها تنازلت عن هذا الحق ومددت المهلة التي تحفظ حق حاملي السندات لثلاث سنوات إلى الأمام بما يعني من حيث المبدأ أنه لم يعد لحاملي هذه السندات المصلحة بالتقدم بالدعاوى طالما حفظت حقوقهم، بإنتظار طبعًا بدء التفاوض على إعادة هيكلة الدين".
ويُضيف فرح أن ما يتم تداوله عن إرتفاع أسعار سندات اليوروبوند ليس بشائعات، وأسواق البورصة تشهد ارتفاعًا في الطلب عليها، وارتفع السعر من 6 سنت تقريبًا للسند الواحد ليصبح اليوم حوالي 16 سنتًا، أي أن السعر تضاعف بقيمة 300%.
إذًا وبناءً على ما تقدم، فصحيح أنه يحق لحكومة تصريف الأعمال تعليق حق الدولة بالإدلاء بدفوع مرور زمن المهل التي تسري على مطالبات حاملي سندات اليوروبوند، لأنها تدخل في إطار التصدي للمسائل التي تخضع لمهل قانونية ودستورية، ولعدم وقوع أي ضرر على الدولة.