غير صحيح
يعود ملف التعدي على الأملاك البحرية في لبنان إلى الواجهة مجدداً، وهذه المرّة من خلال تمرير حكومة تصريف الأعمال قبل رحيلها، ثلاثة مشاريع لردم 100 متر مربع من الأملاك البحرية، بدءًا من منطقة "ذوق بحنين" في عكّار مروراً بـ "راسمسقا" في الكورة وصولًا إلى "القليلة" في صور.
ورداً على ذلك برزت موجة اعتراضات من ناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي وجمعيات بيئية، محذرين من الآثار البيئية السلبية الخطيرة التي قد تترتب على هذه الخطوة. حيث تساءل أحد الناشطين على منصة إكس حول الرخصة التي تمّ منحها لشركة "والي للديكور والاستثمارات العقارية" لإشغال مساحة 14560 متر مربع من الأملاك العامة البحرية في منطقة القليلة قضاء صور - التي تقع على تخوم "حمى المنصوري البحريّة" حيث الشاطئ الأهمّ في لبنان للسلاحف البحريّة المهدّدة بالانقراض - وعن دور الوزارة في حمايتها وما إذا تمّ إجراء دراسة أثر بيئي على هذه المحمية.
ليرد عليه وزير البيئة السابق ناصر ياسين عبر منصة إكس في المقابل، "أي مشروع يتعلق باستصلاح أراضي أو إشغال أملاك بحرية أو نهرية أو في العقارات المحاذية للمناطق المحمية يتطلب حكماً قبل الشروع به إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي، وعليه تتم الموافقة أو لا تتم".
فهل يحق لمجلس الوزراء إعطاء ترخيص إستثمار في منطقة قريبة من محمية من دون دراسة أثر بيئي؟
أصدرت الحكومة اللبنانية في آخر الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء بتاريخ 4 كانون الأول 2024، قبيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، ثلاثة مراسيم لردم 100 متر مربع من الأملاك البحرية، وذلك بناءً على اقتراح من وزارة الاشغال العامّة والنقل، وعلى كتابين من وزارة الزراعة والمديريّة العامّة للتنظيم المدنيّ وموافقة وزارة البيئة.
أحدها الحامل للرقم 14379 والقاضي بإشغال عقار مساحته 53205 أمتار مربعة من الأملاك البحرية في منطقة عكار، والآخر المرسوم 14620 الخاص بإستثمار مساحة 14560 متراً مربعاً من الأملاك العامة البحرية في منطقة صور. أما المرسوم الأخير فصدر لتوسعة مشروع قائم أساساً على الشاطئ في راسمسقا (الكورة)، وهو تالياً يخضع لقانون معالجة التعديات الحاصلة خلال حرب 1975-1990 والسنوات التي أعقبتها حتى آخر 1993.
ماذا نعرف عن مشروع القليلة - صور؟
عند تخوم "حمى المنصوري البحريّة" حيث الشاطئ الأهمّ لجهة وجود السلاحف البحريّة في لبنان، ومنها الخضراء المهدّدة بالإنقراض عالميًّا، صدر المرسوم رقم 14620 ومضمونه الترخيص بإشغال أملاك عامّة بحريّة متاخمة للعقار 923 (المتاخم للحمى مباشرة) في منطقة القليلة العقاريّة، قضاء صور، جاء فيه: "يُرخّص لشركة والي للديكور والإستثمارات العقاريّة (ش. م. م.) مستأجرة العقار رقم 923 بإشغال واستثمار مساحة إجماليّة قدرها 14560 مترًا مربّعًا من الأملاك العامّة البحريّة المتاخمة للعقار المذكور".
يؤكّد رئيس بلدية القليلة - صور، الدكتور محمد الشمالي في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، أنه لم يكن على علم مسبق بأيّ قرار أو مشروع وأنه تفاجأ بصدور هذا المرسوم لإستثمار مساحة 14560 متر مربع مقابل العقار 923 وهو عقار خاص فيه مزرعة للسمك والقريدس.
ويقول "راجعت فوراً محامي البلدية بالموضوع وسألته كيف يمكن لمجلس الوزراء أن يتخذ هذا القرار بناءً على اقتراح وزير الأشغال من دون إعطاء خبر للبلدية، ليتبين أنه قانونياً يحق لمجلس الوزراء التصرف بالأملاك العامة والأملاك البحرية دون الرجوع إلى البلديات، ولكن في المقابل يحق للبلدية الطعن بهذا القرار في حالة المصلحة العامة وفي حال عدم وجود دراسات أثر بيئي".
ويضيف "أنا اليوم أتابع الموضوع ومهتمّ بمعرفة كل التفاصيل، ولهذا الغرض تواصلت مع محامي المجموعة التي تدير المزرعة (محمود سعيد) وأكّد لي أن هذا الإستثمار مشروط بإجراء دراسة أثر بيئي خلال الشهرين القادمين، وإذا تبين بنتيجة الدراسة أن المشروع يهدد السلاحف والنباتات البحرية أو السلامة العامة فلن تقام الإمدادات من العقار إلى البحر، فالمشروع لن يكون عبارة عن منشآت كما أشيع وإنما سيكون عبارة عن إمدادات لإيصال المياه من البحر إلى برك السمك والقريدس ومن ثم التخلص من المياه بطريقة علمية وكل هذه الأمور ستظهر من خلال دراسة الأثر البيئي".
وحول الثقة بالجهة التي ستجري دراسة الأثر البيئي، لا ينفي الشمالي مخاوفه من إختبار التجارب السيئة السابقة مجدداً ولكنه يعمل على إعادة بناء الثقة مع هذه الأطراف. ويقول "ندرس الأمور بإيجابية بإنتظار نتيجة دراسة الأثر البيئي التي على أساسها إما تتحقق المصلحة العامة للقرية من خلال تنفيذ مشروع حيوي سيوفر فرص عمل لشباب المنطقة، وإما تكون النتيجة سلبية وعندها نقف جميعاً ضدّ هذا المشروع وأوراق الطعن بهذا القرار جاهزة ويتولاها محامي البلدية لدينا الموكل بالقضية".
|
المخالفات القانونية الواردة في هذا المرسوم
في الجهة المقابلة، وبحسب الناشط البيئي رئيس جمعية الأرض-لبنان بول أبي راشد، فإن مجلس الوزراء خالف القانون من خلال التخلّف عن تنفيذ نقطتين، أولاً بوجود محمية أو عدم وجودها فإن دراسة الأثر البيئي وفق القانون من المفترض إجراؤها قبل إصدار المرسوم من قبل مجلس الوزراء ومن المفترض على الشخص الذي سيتم إعطاءه الحق بإستخدام الأملاك العامة البحرية أن يوكل لشركة مهمة القيام بدراسة الأثر البيئي تُحال بعدها إلى وزارة البيئة وإذا وافقت على المشروع عندها يمكن لمجلس الوزراء إقرار المرسوم. والشرط الآخر أن يمرّ المرسوم على المجلس الأعلى للتنظيم المُدُني.
وإن رئيس الحكومة السابق ووزراء البيئة والأشغال السابقين لم يلتزموا بهذان الشرطان وبالتالي هذا يشكّل مخالفة صريحة لمبدأ أن الشاطئ اللبناني وتوازنه البيئي لم يعد يحتمل مخالفات وتعديات بمشاريع ردم بحر.
ويضيف في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، "أي مشروع يحتاج إلى دراسة أثر بيئي كيف وإن كان الموقع حساس بيئياً ومهم جداً للتنوع البيولوجي البحري، وبالتالي فأعمال الردم هذه يمكن أن تؤثر حكماً على تكاثر السلاحف البحرية. ولذلك نستغرب من وزير يدعي حماية البيئة أن يوقّع على هذا المرسوم غير أنه مخالف للقانون ولا يطبق مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي".
ويرى أبي راشد "أنهم يتهربون من إجراء دراسة الأثر البيئي لأنها تفضح مخالفاتهم، فعوضاً عن إجراء الدراسة يضعون خطة إدارة بيئية أو تدقيق بيئي لتمرير المشروع."
ويقول مصدر في النيابة العامة البيئية لـ "مهارات نيوز"، أنه "من حيث الظاهر وبناءات المرسوم لا يتبين أنه يوجد مخالفة للأصول المعتمدة بالترخيص بإشغال الأملاك العامة البحرية، أما بخصوص تقييم الأثر البيئي فعادة لا تذكر في بناءات المرسوم وفي المبدأ فإن وزارة الأشغال ترفض منح الترخيص قبل ضمّ تقييم أثر بيئي للملف".
ويضيف المصدر، "لا يمكن تنفيذ مشروع في لبنان من دون إجراء دراسة EIA للأثر البيئي، ولبنان لديه قانون حماية البيئة وهو قانون مقتبس من المبادئ الدولية وقد وقع لبنان على اتفاقيات بهذا الشأن، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بإشغال أملاك بحرية بالقرب من محمية للسلاحف فمن المفترض إجراء دراسة أثر بيئي قبل البدء بإعطاء التراخيص والتصاريح".
|
إذاً الإشكالية المطروحة غير صحيحة، إذ لا يحق لمجلس الوزراء إعطاء ترخيص إستثمار في منطقة قريبة من محمية من دون دراسة أثر بيئي، فمن المفترض إجراؤها قبل إصدار المرسوم من قبل مجلس الوزراء، تُحال بعدها إلى وزارة البيئة وإذا وافقت على المشروع عندها يمكن لمجلس الوزراء إقرار المرسوم، شرط أن يمرّ المرسوم أيضاً على المجلس الأعلى للتنظيم المُدُني.