تقرير: نسمة العبدالله – خالد طه
يقتصر تمثيل المرأة في اللجنة الشعبية على أدوار ثانوية بسبب غياب مبدأ الترشح، حيث يتم اختيار الأعضاء عبر التوافق الفصائلي، مما يحصر المناصب بالرجال. هذا النظام يهمّش دور النساء في صناعة القرار ويعزّز التصورات النمطية التي تعتبرهن غير جاهزات للمشاركة السياسية والإجتماعية. وعلى الرغم من دورهن الفاعل في المجتمع المدني، يبقى تأثيرهن داخل اللجنة الشعبية محدوداً وشكليًا، دون قدرة حقيقية على إحداث تغيير في قضايا المخيم.
يسلّط هذا التقرير الضوء على التهميش الذي تعاني منه المرأة في اللجنة الشعبية داخل المخيمات الفلسطينية، حيث يمنعها غياب مبدأ الترشح واعتماد آلية التوافق الفصائلي من الوصول إلى مواقع صنع القرار. وأبرز ما تواجهه المرأة من تحديات في المخيمات الفلسطينية لناحية تمثيلها ومشاركتها في صناعة القرار داخل اللجان الشعبية وتأثير هذا التهميش على القضايا المجتمعية، وفتح نقاش حول أهمية إشراك المرأة بشكل فعّال في صناعة القرار، بما يحقق تمثيلاً أكثر عدالة يعكس دورها الحقيقي في المجتمع.
يعود تشكيل اللجان الشعبية في مخيمات لبنان إلى اتفاق القاهرة الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية عام 1969، حيث نصّ هذا الاتفاق في بنده الثاني على “إنشاء لجان محلية من الفلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها، وذلك بالتعاون مع السلطات المحلية وضمن نطاق السيادة اللبنانية”، ورغم إلغاء مجلس النواب اللبناني في جلسته المنعقدة بتاريخ 21 / 5 /1997 اتفاق القاهرة من طرف واحد، إلا أن السلطات اللبنانية ما زالت تتعامل مع اللجان الشعبية داخل المخيمات بصفتها الجهة الرسمية للاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ وإن كان ضمن أطر ضيقة.
ويتمثل دور اللجان الشعبية في الاهتمام بقضايا اللاجئين القاطنين في مخيمات الوطن والشتات، إضافة إلى دورها الريادي في كافة المجالات الخدماتية والتعليمية والثقافية، حيث أثبتت قدرتها على العمل في تطوير الخدمات في المخيمات، والأخذ بمتطلبات اللاجئين، ومراقبة خدمات الأونروا المقدمة، والاستجابة السريعة لاحتياجات وأولويات المخيمات. كما وتشرف اللجان الشعبية على المشاريع المقدمة للمخيمات من المؤسسات والدول المانحة ووكالة الغوث الدولية، وتعمل على تحقيق التواصل الاجتماعي داخل المخيمات، إضافة إلى دورها التنسيقي مع المؤسسات العاملة خارج المخيمات فيما يخدم أهدافها التي تصب في مصلحة أبناء المخيمات في كافة مجالات الحياة.
في السياق تقول المواطنة من مخيم الرشيدية خلود حمدان، إنها مع وجود المرأة في إدارة المخيمات الفلسطينية وبقوة، لأنها ستمثل فئة كبيرة من النساء ممن يواجهن مشاكل وتحديات في الحصول على الخدمات في المخيمات، إضافة إلى أنها ستعمل على تحسين الأوضاع على كافة الأصعدة سواء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وترى المواطنة من مخيم نهر البارد ليال ربيع، أن المرأة في المخيمات الفلسطينية لا تحصل على دور فعّال بسبب الموانع التي وضعها الرجال، إضافة إلى الموروثات الثقافية التي تتلخص في التنمر على النساء العاملات في الشأن العام ونعتهن بأنهن “مسترجلات”، وهذا ما يحد من وصول النساء الراغبات في تحسين وتنمية مجتمعهن.
لا يقتصر عمل اللجان الشعبية على الطابع الإجتماعي والخدماتي، بل يمتد دورها للطابع السياسي، فهي ترمز إلى شعب لاجئ يدير أمره بنفسه، وتمثل الضمانة للاجئين الفلسطينيين في تثبيت حقوقهم المشروعة حتى تحقيق العودة. وقد استطاعت اللجان الشعبية أن توازي بين العمل الاجتماعي والخدماتي ومعالجة قضايا المخيمات ومشاكل اللاجئين، وبين العمل السياسي في حشد وتفعيل الطاقة الجماهيرية لدعم منظمة التحرير الفلسطينية، والدفاع عن قضية اللاجئين وحقهم العادل في العودة والتعويض، ومواجهة كافة المشاريع التي تستهدف حق العودة، والسعي الدؤوب في الحفاظ على وحدة قضية اللاجئين، وضمان استمرار الأونروا في تقديم خدماتها وفقاً لقرار الجمعية العمومية رقم (302) الصادر عام 1949 الذي أنشئت بموجبه.
عضو اللجنة الشعبية في مخيم الرشيدية أحمد أبو الذهب، يشدّد على ضرورة أن يكون للمرأة دور فعال في اللجان الشعبية، لأن المرأة الفلسطينية متميزة بعطائها وقدرتها على اتخاذ القرار، “ونحن نشدد على أهمية حضورها ومشاركتها لأنها قادرة على التغيير في المجتمع”.
وهو ما أكدته منسقة برنامج الحماية في جمعية النجدة الإجتماعية هبة هجاج، بأن يكون للمرأة الفلسطينية مساهمة في صنع القرار أولاً عبر الحضور في اللجان الشعبية وثانياً في الأحزاب. وتقول “نحن كجمعية عملنا على تعزيز حضور المرأة في اللجان الشعبية كعضوات مساهمات في صنع القرار السياسي وليس عبر الحضور الثانوي المرتبط بأدوار اجتماعية، لأنها تستحق بما تمثله من قاعدة شعبية. وبالتالي، عليها أن تلعب دوراً في الدفاع عن القضية الفلسطينية بصفتها صاحبة حق ولا يجب أن ترضى بالأدوار الثانوية البعيدة عن الجانب السياسي والحقوقي”.
بدورها، تشرح الناشطة في مجال حقوق المرأة جمانا مرعي، أن الدور السياسي بالمفهوم التقليدي ليس لدى اللجان الشعبية وإنما عند منظمة التحرير وعند الفصائل، ولكن دور اللجان الشعبية السياسي يتمثل بإدارة المخيّم. ودور النساء فيها ضروري جداً لأخذ الإحتياجات الجندرية للنساء في المخيمات بعين الإعتبار، إن كان على مستوى ما يتعرضن له النساء أو الطفلات في الشوارع والأحياء من مضايقات أو تحرش. ولقد تمّ العمل بفترة سابقة على هذه القضية من قبل بعض السيدات مع اللجان الشعبية ويجب متابعتها.
حضور المرأة ضروري جداً في اللجان الشعبية ليس فقط للادماج و لمراعاة المقاربة الجندرية ومقاربة التخطيط وفق احتياجات النساء ووفق المشاكل التي يعانون منها داخل المخيم، وإنما يجب أن يكون للمرأة أيضاً دور في بناء السلام في المخيم والنساء بارعات في ذلك.
كما يجب أن يكون لها دور في حلّ النزاعات ورصد مؤشرات التطورات التي قد تسبب نزاعات في المخيم كظهور مجموعات جديدة أو إشكاليات جديدة، إذ يمكن للنساء أن ترصد على مستوى المجتمع المحلي هذه القضايا وأن تعطي إنذاراً بأي تغيرات يمكن أن تطرأ على المخيم. كما ويمكنها أن تساهم بحل المشكلات المجتمعية التي لها علاقة بالقضايا الحياتية كالصحة مع مراكز الخدمات الصحية والتعليم مع المدارس.
ومن الخطوات التي يجب العمل عليها في المخيمات لزيادة تمثيل النساء وفق هبة هجاج، تدريب النساء على المشاركة السياسية في المخيمات الفلسطينية من خلال مبادرات لتدريبهن على المشاركة السياسية وفنّ الخطابة، إجراء إنتخابات داخل المخيمات، فتح نوادي ثقافية، وإبراز دور المرأة أكثر في الاعتصامات والمسيرات وإعطائها الحق في إلقاء الكلمات في هذه المناسبات والمناسبات السياسية.
تم إعداد هذا التقرير في إطار مشروع “مساحة معلومات آمنة لتعزيز مشاركة النساء في المجال العام” بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة -لبنان- والسفارة البريطانية في بيروت. إن محتوى هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهات نظر هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة البريطانية في بيروت. وتم نشر التقرير على موقع morasleen.net.