ككل البلدان المُعرضة للمخاطر الطبيعية وغير الطبيعية، من المفترض أن يكون لدى لبنان خطة طوارئ حاضرة قبل أي أزمة، إي "إستباقية ومدروسة بدقة، ومفندة تفاصيلها، أموالها ومصادرها، واحتياجاتها". في لبنان الذي يشهد اليوم توتراً عسكرياً على الحدود اللبنانية مع اسرائيل. شهدت المنطقة جنوب الليطاني حرباً بكل ما للكلمة من معنى، أي قصف وتهجير سكاني، ونزوح، وجرحى وشهداء مدنيين. وجد المواطنون أنفسهم بمهب الريح. في حين استفاقت الدولة اللبنانية على دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الدعوة في 31 تشرين الأول، اللجان النيابية لمناقشة "خطة الطوارئ الوطنية لتعزيز الجاهزية لمواجهة العدوان الإسرائيلي". الخطة التي أعدّت على عجل مؤلفة من 23 صفحة باللغة العربية، و10 صفحات تُركت بيضاء متروكة للوزارات لعرض تحضيراتها، و11 صفحة وضعتها وحدة إدارة الكوارث لمناقشتها مع منظمات الأمم المتحدة المشاركة بشكل أساسي في إدارة الخطة عددها 10 منظمات.
السلطات القائمة في البلد، لم تستثمر وقت السلم، وهي تعمل كردة فعل مباشر على الحدث، سواء في الحروب والإنفجارات والكوارث الطبيعية، وآخرها كان دليلاً في إنفجار المرفأ في بيروت في العام 2020، والهزات الطبيعية التي ضربت لبنان، وحادثة إنهيار مبنى بالمنصورية. إذا كشفت كل هذه الكوارث رداءة السلطة، والتخبط بالتعاطي. ويعاد الطرح والسؤال عند دور الهيئات والإدارات التي شُكلت على مرّ سنوات، وكانت منبعاً للهدر والفساد.
عقبات سياسية وطائفية
يُعيد التصعيد في جنوب لبنان، الحديث عن اقتراح قانون إقرار هيئة إدارة الكوارث التي تتبع إلى لجنة الأشغال العامة والنقل منذ العام 2003. فاقتراح القانون النائب الراحل بيار الجميل، طوره لاحقاً رئيس لجنة الأشغال محمد قباني، وصل للجان النيابية لكنه لم يبصر النور إلى اليوم.
يُعد إقتراح القانون صورة مصغرة، عن التضارب والتخبط الواحد، وإنشاء خطط منفصلة مع كل حدث معين، والخلافات حالت دون إقتراح قانون "هيئة إدارة الكوارث" الذي نام في أدراج اللجان النيابية، منذ 20 عاماً. فقد سقط اقتراح القانون، بسبب المادة الثامنة منه، التي توصّف ماهية الهيئة المفترضة، والتي ستصبح هي الجهة الرسمية الوحيدة المعتمدة لكل الكوارث والإنقاذ. ومن الطبيعي، أن تٌلغى سائر اللجان والمديريات التي أّنشئت في السابق لهذا الهدف، ولا سيما "الهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني، على أن تًنقل إلى الهيئة جميع مهماتها وأعمالهما وموجوداتها العينية والمالية والبشرية". تشير التجربة اللبنانية المُتناقلة، ان الهيئات المُنشئة للأزمات، مثل الهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني وغيرهما من هيئات ومجالس وصناديق، ترتبط بالمحاصصة السياسية والطائفية. وبالتالي إنهاء عمل اي منها، يعد اغلاقا لشكل من اشكال الهدر والفساد.
مساعدات دولية مشروطة
يقول النائب إبراهيم منيمنة، في حديث لـ "مهارات نيوز"، "إن التعليق ليس على خطة الطوارئ بقدر التشتت الواضح في صلاحيات من يدير الملف، وغياب لأي تنسيق فعال، كون الخطة عرضت دون حصول اي من النواب، على مسودة قبل مناقشتها باللجان النيابية". فنيمنة هو من كان أعاد التذكير بإقتراح قانون "هيئة إدارة الكوارث"، حين ضرب زلزال كل من تركيا وسوريا، وكان له إرتدادات في لبنان، وكان هناك حديث عن مباني تعرضت للتصدع ما يشكل خطراً على قاطنيها. "فمن هنت تأتي الحاجة للهيئة المناط بها ثلاث مهام أساسية: هي التخطيط لإدارة الكوارث، وإدارة الكوارث بالفعل عند حدوثها، وعملية الإغاثة، ما يعني حكماً شمول جميع الوزارات المعنية وأعلى درجات التنسيق فيما بينها لضمان تجاوب سريع مع الكوارث".
ويلفت منيمنة، إلى أن توقيف اقتراح القانون، يعود إلى إعتبارات طائفية وتضارب للصلاحية في مرجعية الهيئة بين رئيس مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية. ويتابع منيمنة، "ان الكيدية السياسية، وشلل العمل السياسي، يحول دون تطبيق اي قانون، ولا سيما أننا راجعنا الأمر مع رئيس لجنة الأشغال النيابية لإعادة إقتراح القانون للدراسة وضرروة إقراره، ومن المفترض عرضها خلال الأسبوعين القادمين".
يصف منيمنة خطة طوارئ، " بالإرتجالية، كونها لم تكن استباقية في بلدة يعيش على الحرب والأزمات، لكن لا وقت لإنتقادهها في هكذا ظروف". لكن يتخوف منمينة من مصادر تمويلها، كون مصرف لبنان رفض اعطاء اي اعتمادات للخطة، في حين تعتمد الخطة على منظمات دولية قد تأتي بتمويل ومساعدات، ويتساءل، "هل سنضمن تجاوب المنظمات الدولية، التي تأخذ أموالها من مرجعيتها الدولية؟ ولطالما إعتبرت الكوارث في لبنان فرصة للسلطة السياسية لإستجداء الأموال من الخارج، إلا أم هذه العقلية تصطدم اليوم بمساعدات دولية مشروطة من الخارج".
غياب الشفافية المالية
لفت وزير البيئة ناصر ياسين المكلف من قبل الحكومة اللبنانية بإدارة خطة الطوارئ في حديث لـ "مهارات نيوز" الى ان " لجان إدارة الأزمات والكوارث التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، والتي يرأساها أمين عام المجلس الأعلى للدفاع، تقوم بدور هيئة إدارة الكوارث حتى إقرار الهيئة في مجلس النواب، واللجنة تمثل فيها كل الوزارات والإدارات ولديها طرق التصرف في حال حدوث كل فئة من الكوارث".
ويشكل مصدر التمويل، تساؤلاُ كبير نظراً للأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان، وعدم ثقة المجتمع الدولي بلبنان، حيث ان هناك تساؤلات عن كيفية استخدام الأموال المخصصة للإغاثة، فأشار ياسين، "تمويل خطة الطوارئ هو من ٣ مصادر كما ذُكر في الخطة، المصدر الأول، إذ رصدت وزارة المالية إعتمادات للوزارات الأمامية مثل الصحة وكذلك الدفاع المدني. والمصدر الثاني، هو عبر نقل وإعادة توجيه الموارد الموجودة في المنظمات الدولية الشريكة. المصدر الثالث هو عبر الدعم من المناحين على شكل Flash Appeal، في حال حدوث عدوان واسع وتهجير كبير". ولم يعط ياسين، أي رقم تقديري لشق المالي للخطة.
أما عن تجاوب المنظمات الدولية، بعد سوء استخدام الأموال من قبل الدولة اللبنانية في أوقات أزمات سابقة، أشار الوزير ياسين، بأن "التعاون مع منظمات الأمم المتحدة أساسي حيث نبني على طرق التعاون والتنسيق الموجودة في إدارة وتنفيذ برامج المساعدة والتي وضعت وفُعلّت بعد انفجار المرفأ".
النزوح مستمر في الجنوب
وفقًا لشركة الدولية للمعلومات، فقد بلغ عدد النازحين في جنوب بلبنان، قرابة 45 ألفاً نازح، والنازحين يتوزعون على عشرات المناطق، منها صور التي إستقبلت أكثر من 11 ألفاً نازحاً، وصيدا والضاحية الجنوبية لبيروت وإقليم الخروب وصوفر وبحمدون وجبيل.
وكان إتحاد بلديات قضاء صور قد أسس عام 2010، وحدة لإدارة الكوارث للتصدي للأزمات والكوارث. فقد قامت في هذه الأزمة تتبعت أوضاع النازحين، حيث فُتحت مراكز إيواء أمام النازحين، وقدمت لهم كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء. وقد حاولت "مهارات نيوز" التواصل مع رئيس وحدة إدارة الكوارث في الجنوب مرتضى مهنا، للإطلاع منه على الأوضاع الجنوبية والجهوزية والمشاكل التي تعانيها الوحدة، حيث كان قد صرح في مقابلات صحافية عدة، "أن الوحدة تسعى إلى إدارة الموارد المتوافرة لديها وقد قدم مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة حوالي 2000 فرشة للنوم، و1000 غطاء، هو كلّ ما قدمته الدولة لنا". فالواضح أن وحدة إدراة الكوارث تعاني نقصاً واضحاً في التمويل، حيث يتم الإعتماد على المبادرات الفردية، والتكاتف الإجتماعي بين المواطنين الجنوبيين، ودور الهيئات والجمعيات المدنية في المنطقة.
TAG : ,اقتراح قانون هيئة إدارة الكوارث ,مخاطر ,لبنان ,خطة الطوارئ الوطنية ,قصف ,تهجير سكاني ,نزوح ,جرحى ,شهداء مدنيين ,الحروب ,الإنفجارات ,الكوارث الطبيعية