دخل لبنان فترة الهدنة، إلا أن آثار هذه الحرب على القطاع الصحي لا تزال عميقة، إذ استهدف العدوان الإسرائيلي الكوادر الطبية والإسعافية، منذ بداية التصعيد العنيف في السابع عشر من أيلول الماضي حتى إعلان قرار وقف إطلاق النار . حيث اخرجت عن العمل خلال الشهرين الماضيين ثمانية مستشفيات بشكل كلي، وسبعة مستشفيات بشكل جزئي، وذلك في كل من الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية .
مما لا شك فيه أن القطاع الصحي في لبنان، لم يكن في أبهى صوره قبل عدوان أيلول ، لكنه استطاع الخروج تدريجيا نحو بر الأمان بعد الأزمة الإقتصادية الخانقة، التي شهدها لبنان في الخمس سنوات الأخيرة ، لتعود هذه الخطوات الايجابية وتنقلب الى سلبية مع اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان.
وبالتالي بات هناك حاجة ملحة لتسليط الضوء على حال المستشفيات خلال الحرب، وما هي الخطة التي تم اتخاذها لمواجهة كل هذا العنف والدمار في قطاع صحي.
مستشفيات خرجت عن الخدمة
أجبر العدوان خروج عدد من المستشفيات عن الخدمة بشكل كلّي وجزئي، وقد أكدت مسؤولة غرفة عمليات طوارئ وزارة الصحة وحيدة غلاييني في تصريح لـ "مهارات نيوز" ان وزارة الصحة قسّمت خريطة لبنان في بداية الحرب إلى ثلاث مناطق استنادًا للحروب التي سبق وأن خاضها لبنان، وهي: المنطقة الحمراء: وهي المناطق المعرضة للقصف بشكل عنيف ومباشر مثل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، والمنطقة الصفراء: وهي المناطق المحاذية للمنطقة الحمراء التي يمكن أن يطالها القصف الإسرائيلي، إضافة الى المنطقة الخضراء: وهي المناطق التي لا تتعرض للقصف أو نادرا ما تعرض لها العدوان في حروب سابقة.
ولفتت غلاييني أن التواصل مستمر مع المستشفيات التي خرجت عن الخدمة بالحالتين الكلية والجزئية، وذلك لمتابعة جاهزيتهم لإعادة العمل فور سماح الفرصة بذلك، وقد عملت وزارة الصحة مع المستشفيات التي أغلقت جزئياً لإمدادهم بالمستلزمات والحاجات المطلوبة لاستمرار العمل.
وشددت غلاييني على أن الأمر الذي تسبب بإغلاق تلك المستشفيات هو حصرًا سبب أمني ، أي الخطر المباشر على حياة الطاقم الطبي والمسعفين والمرضى، وليس بسبب نقص إمداد المساعدات والتجهيزات، فالوزارة سبق أن أعدت خطة طوارئ ويجري تنفيذها منذ بدء العدوان على لبنان .
سير عمل خطة الطوارئ
أعدت وزارة الصحة اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال خطة طوارئ قبيل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتمثلت الخطة بطرح استراتيجية شاملة، تتضمن إنشاء غرفة طوارئ، وتأهيل الطواقم الطبية وتدريبها على التعامل مع مختلف الأزمات والحالات، وتوزيع المستلزمات الطبية بشكل مدروس على المستشفيات. وأشارت وحيدة غلاييني إلى الإجراءات والخطوات التي سارت فيها الخطة. حيث تكوّنت الخطة بالشكل التالي:
تكوين طاقم تمريضي خاص ذي خبرة، تم توزيعه على المستشفيات خصوصا الموجودة في المنطقة الحمراء، ومهمّته وضع تقييم للمستشفيات وجهوزيتها.
خلق فريق عمليات التقييم أونلاين للمستشفيات في المنطقة الخضراء والحمراء.
توزيع الهبات الآتية من المنظمات والجمعيات خصوصًا على مستشفيات المنطقة الحمراء.
إعداد برنامج تدريبي لرفع جهوزية ٣ آلاف ممرض وطبيب، وبرنامج آخر لتوحيد لغة الخطة في كل المستشفيات، حيث تضمن البرنامج دورة تدريبية لمدة ثلاث أيام لـ 118 مستشفى في مختلف الأراضي اللبنانية.
وفي سياق، توحيد اللغة تقسم طوارئ المستشفيات إلى قسمين، الطوارئ الحمراء والطوارئ الخضراء، الأولى هي للجريح غير القادر على السير، وحالته تستدعى الدخول السريع إلى غرفة العمليات أو العناية الفائقة، والثانية أي الطوارئ الخضراء مخصصة للإصابات الطفيفة أو غير الخطرة، ويتم فيها بالإضافة إلى تلقي العلاج ، تقييم الحالة ومتابعة تطورها.
إعداد برنامج ثالث حول "الدعم النفسي" للطاقم الطبي.
سيتم إعداد تدريب للأطباء المتمرنين للرفع من جاهزيتهم.
لم يقتصر عمل غرفة الطوارئ على التدريب بل أيضًا على خلق غرفة عمليات تابعة لوزارة الصحة مهمتها التواصل مع المستشفيات، في حال استقبالها لأعداد كبيرة من الجرحى، ومساعدتهم على التنسيق مع المستشفيات والطواقم الطبية لتوزيع الجرحى بشكل متساوٍ، وذلك بالتنسيق مع القوى الأمن والجيش اللبناني.
خلق مركز لتلقي الإتصالات المرتبطة بتلبية حاجات المرضى النازحين أو من هم بحاجة إلى مستلزمات طبية ، وتحويلهم إلى جمعيات أو وزارات حسب كل حالة .
تخصيص فرق طبية تقدم العناية الطبية للنازحين في مراكز الإيواء ، وتضم خدمة العلاج الفيزيائي أيضًا.
تشكيل عيادات في المستشفيات تعنى بالجرحى الذين تخطوا مرحلة العلاج في المستشفى، وأصبح باستطاعتهم الخروج منها، وذلك في سبيل الحفاظ على عدد الأسرة الجاهزة.
واستطاعت وزارة الصحة، اجتياز الاختبارات مع بداية العدوان، فمشاهدة سير تنفيذ الخطة يمكن أن يرصد بشكل ملحوظ منذ يوم تفجيرات "البيجرز" في 17 أيلول الماضي، طبقت وزارة الصحة خطتها بدرجة نجاح ملحوظة، واستمر تطبيق الخطة بالتزامن مع استمرار المجازر في مختلف المناطق اللبنانية .
التحديات تواجه القطاع الصحي
التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع الصحي يكمن في استهداف إسرائيل الطواقم الطبية والمستشفيات، إذ تعرضت ٤٠ مستشفى منذ بداية العدوان الإسرائيلي إلى أضرارٍ ناجمة عن القصف. كما تواجه الخطة تحديات تتعلق بالسيطرة والحد من الأمراض المعدية ، كالأمراض الجلدية، وقد سجلت وزارة الصحة بعض الحالات، ويرجع ذلك الى التجمعات السكانية الكثيفة في مناطق ومراكز النزوح.
وأشار نقيب مستشفيات بيروت "سليمان هارون" في تصريح لموقع مهارات نيوز، الى ان المستشفيات تواجه صعوبات مادية بسبب عدم انتظام العمل في إدارات الدولة في ظل هذه الظروف الإستثنائية. وبالتالي، تأخير كبير في تسديد مستحقات المستشفيات.
وقد وصف "هارون" الطواقم الصحية والكوادر الطبية "بالمنهكة"، ويتمثل هذا التحدي بقلّة العاملين في المجال الطبي، بسبب اضطرار الكثير منهم الى النزوح جراء العدوان على مناطقهم إلى مناطق أكثر أمانا، حيث أجبر العدوان العاملين في المستشفيات على تكثيف ساعات عملهم، الأمر الذي يضعهم تحت ضغوطات كبيرة ، فضلاً عن استقبال المستشفيات التي تقع في الأماكن الآمنة أعداد أكبر من المرضى ربما تفوق قدرتها الاستيعابية مع النزوح الكثيف الذي شهدته العاصمة، وكان من الصعب أيضاً نقل المستلزمات التي تحتاجها المستشفيات أثناء الحرب (المعدات الطبية، الأوكسيجين، الفيول)، وتحديدًا المتواجدة في دائرة الخطر، وتلك التي تتعرض الطرقات المؤدية إليها للقصف.
هل يكفي مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية؟
لا يزال المخزون الصحي كافيًا في الوقت الحالي، وفقًا لما قاله وزير الصحة فراس الأبيض ونقيب المستفيات سليمان هارون ، فقد لفت الأخير في تصريحه لـ"مهارات نيوز" أنَّ "لا مشكلة لغاية الآن في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية" ، وفي هذا السياق أشار نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم في أواخر الشهر الماضي لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن "هناك تطمينات للصيادلة من المستوردين ووزارة الصحة أن مخزون الأدوية يكفي لمدة أربعة أشهر". لكنه دعا إلى ضرورة استمرار خطوط إستيراد الأدوية من باب الإحتياط .
وفي هذا السياق كشفت غلاييني عن وجود فريق تابع لوزارة الصحة في مطار بيروت، يُسرّع الإجراءات ويسهل اخراج الهبات فور وصولها، لتسليمها إلى فريق آخر يعمل على تسجيل تلك الهبات وتوزيعها على المستشفيات بالشكل الصحيح، كما تقوم الوزارة بالتصريح عن كل التفاصيل التي تخص ذلك من أجل الشفافية أمام مانح الهبة.
خطوات دعم جديدة للمستشفيات
تحويل الصندوق العام للضمان الإجتماعي، مدفوعات إضافية بقيمة ١٦٤ مليارًا للمستشفيات، الأمر الذي أعلنه المدير العام محمد كركي، حيث تم إعطاء التوجيهات للدائرة المالية في هذا الشأن بتاريخ 13/11/2024، فضلاً عن ذلك أبدى كركي دعمه الكامل للقطاع الصحي، وتعهد تسديد كامل مستحقات المستشفيات في أسرع وقت ممكن . وذلك من شأنه إبقاء المستشفيات صامدة لمدة أطول.
وفي هذا السياق صرّح رئيس لجنة ادارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي جهاد سعادة لـ "مهارات نيوز" قبل إعلان وقف إطلاق النار، أنه لا يمكن أن نتوقع التطورات، لا سيما أن الهدنة لا زالت في بدايتها، كما لا يمكن توقع حجم الدمار الذي ربما سيحدث، خصوصًا أنه بدأ نوع من الحصار على لبنان، لكن الوزارة خصصت مخزون مستلزمات طبية وأدوية يكفي لأربعة أشهر، وفي مستشفى رفيق الحريري تم تخصيص تموين يكفي عشر أيام في حال فرض العدو حصارا على المستشفى.
أي في حال استمرار الحرب على النمط نفسه، الوزارة اتخذت التدابير التي من شأنها أن تُبقي القطاع الصحي صامد إلى حد ما، أما في حال التصعيد أكثر لا يمكن التنبؤ بمدى الصمود، لكن هناك خطط للاعتماد على الأطباء المتمرنين مع زيادة وتيرة تدريبهم للرفع من جاهزيتهم.