صحيح جزئياً
أحال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2025 إلى رئاسة مجلس الوزراء وذلك للسنة الثانية على التوالي في الموعد الدستوري المحدّد وفق المادة 17 من قانون المحاسبة العمومية.
وكان وزير المالية يوسف الخليل قد وضع تقريراً حول المالية العامة 2024 ومشروع موازنة العام 2025 والذي يتضمن شرحاً كاملاً لبنود مشروع موازنة العام 2025، ليكون الوزراء على بينة تامة بكل التفاصيل مع بدء مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء.
وكان لافتاً تسريب مشروع الموازنة للصحافيين قبل إنعقاد جلسة مناقشته وقبل نشره على موقع وزارة المالية الإلكتروني، ما طرح السؤال حول أهمية نشر الموازنة وحق الجمهور بالإطلاع عليها.
ولكن هل هناك ما يُلزم قانونًا نشر مشروع الموازنة خلال مناقشته في مجلس الوزراء؟
ينص قانون حق الوصول إلى المعلومات في المادة 7 منه على أن الإدارة يجب أن تنشر حكماً على موقعها الإلكتروني بصيغة قابلة للبحث والنسخ والتحميل، القرارات والتعليمات والتعاميم والمذكرات التي تتضمن تفسيراً للقوانين والأنظمة أو تكون ذات صفة تنظيمية وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، ويكون النشر في الجريدة الرسمية إضافة إلى الموقع الإلكتروني التابع للإدارة.
كما تُنشر الأسباب الموجبة مع القوانين والمراسيم على مختلف أنواعها في الجريدة الرسمية وذلك بواسطة الجهة المناط بها صلاحية النشر أو صلاحية الإصدار.
وتنص المادة 51 من الدستور على أن "رئيس الجمهورية يُصدر القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس (النيابي)، ويطلب نشرها، وليس له أن يُدخل تعديلاً عليها أو أن يعفي أحداً من التقيد بأحكامها".
وفي الباب الثاني من قانون المحاسبة العمومية وفق المادة 18، يُقرّ مجلس الوزراء مشروع الموازنة بصيغتها النهائية، ويودعه السلطة التشريعية ضمن المهلة المحددة في الدستور، ويقدم وزير المالية إلى السلطة التشريعية قبل أول تشرين الثاني تقريراً مفصلاً عن الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد، وعن المبادئ التي إعتمدتها الحكومة في مشروع الموازنة.
في هذا الإطار تقول الخبيرة الإقتصادية ومسؤولة برامج رئيسية في قسم التعاون والشراكات في معهد باسل فليحان، سابين حاتم في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "قانوناً ليس هناك ما يُلزم بنشر مشروع الموازنة، ولكن وزارة المالية ملتزمة بنشره منذ العام 2017 بإستثناء العامين 2021 و2023 لأن الموازنة لم تُقرّ حينها".
وتشرح حاتم مسار إقرار الموازنة، "التي تمرّ بثلاث مراحل، المستند الأول يتحول من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء لتتم مناقشته ويتم تحويله بعدها من مجلس الوزراء إلى البرلمان لتتم مناقشته وتعديله، ويتم بعدها التصويت عليه ليصبح قانوناً".
وتضيف أن "النسخة التي تتحول من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء تعكس خطة الإدارات ووزارة المالية. فالإدارات تقوم بتحضير موازناتها بناء على برامج وخطط معينة يتم مناقشتها مع وزارة المالية التي تقوم بالتالي بتحضير المشروع، ويضيف مجلس الوزراء عندها التعديلات اللازمة ويرسلها إلى البرلمان، وبالتالي تعكس هذه النسخة وجهة نظر وخطة الحكومة".
يُذكر أن المادة 3 من قانون المحاسبة العمومية، عَرّفت موازنة الدولة بأنها "صك تشريعي تُقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتُجاز بموجبه الجباية والإنفاق".
وتعطي الموازنة العامة الشرعية القانونية والسياسية لتسيير المرفق العام بما في ذلك صنع السياسات وتحصيل الضرائب والإنفاق العام. وهي عبارة عن خطة مالية تحدد الإيرادات/الواردات والنفقات/المصروفات المتوقعة لفترة زمنية معينة غالبا ما تكون السنة. كما وأنها بما تتضمنه من توقعات لكل من النفقات والواردات، تشكّل ركيزة أساسية لحسن إدارة المالية العامة.
وعن أهمية إشراك الجمهور في نقاش الموازنة العامة قبل إقرارها، تقول حاتم، لممارسة أي نوع من الضغط يجب الإستناد على معطيات، حقائق وبيانات موجودة في الموازنة وبالتالي إعطاء المواطن مستند أو وسيلة ليستند عليه ليتمكن من الفهم والمشاركة يُعتبر من الممارسات الفضلى لمزيد من التفاعل.
وإنطلاقًا من ذلك نحن في المعهد المالي نُصدر موازنة المواطِنة والمواطن، بناءً على طلب وزارة المالية وبالتعاون معها منذ العام 2018، وهي صيغة مبسّطة عن الموازنة تتضمن أهم الأرقام في الموازنة وأهم الإجراءات التي تهم المواطن لها علاقة برسوم إضافية، بالضرائب أو بإعفاءات معينة.
وتلفت حاتم، إلى أن المعهد بدأ منذ العام 2022 بإصدار نوعين من موازنة المواطن، النسخة الأولى عن مشروع الموازنة الذي يتحول من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب والنسخة الثانية عن قانون الموازنة بعد إقراره في مجلس النواب ونشره في الجريدة الرسمية. ويمكن بذلك للجمهور الإطلاع على المشروع والقانون لمقارنة أي تغيّر رئيسي قد يطرأ على النسختين.
وتحتاج النسخة الأولى إلى أسبوعين بعد إرسال المشروع من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب لإصدارها، الذي يُفترض بحسب المهل الدستورية أن يتم أواخر أيلول. وكذلك النسخة الثانية تحتاج إلى أسبوعين أيضاً بعد إقرار القانون وإصداره في الجريدة الرسمية، ولكن تاريخ الإصدار متعلق بمدى إلتزام الأطراف بالمدة المحددة، فمن المفترض أن يصدر المشروع في أواخر شهر تشرين الأول والقانون خلال شهر كانون الثاني.
ويؤكد الخبير الإقتصادي من معهد باسل فليحان، الدكتور زياد الشيخ في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، على أهمية نشر الموازنة قبل إقرارها وإشراك المواطنين في النقاش، لافتاً إلى أن "قانون الشراء العام الذي لا يتحدث فقط عن نشر الموازنة وإنما عن نشر الخطط التي سيتم تنفيذها في الموازنة، حيث ينص القانون في المادة 11 منه على التخطيط، وبالتالي عند إعداد موازنة العام الجديد تُلزم المادة التخطيط لكل المشتريات وعمليات الشراء التي تتجاوز قيمتها الخمسة مليارات ونشرها بحسب نموذج وضعته هيئة الشراء العام، يُلزم الجهات التي تجري عمليات شراء مثل البلديات والمؤسسات العامة وغيرها إرسال الخطط أول شهرين من السنة المالية وبعد تعديل المادة أصبحت تعطي مهلة 30 يوماً لتوحيد الخطط ونشرها بالتوازي مع نشر الموازنة لأنها تظهر عمليات شراء فعلية.
إذًا، الإشكالية المطروحة صحيحة جزئيًا، فليس هناك في الدستور وفي قانون حق الوصول إلى المعلومات وفي قانون المحاسبة العمومية ما يُلزم نشر مشروع الموازنة خلال مناقشته في مجلس الوزراء، ولكن وزارة المالية ملتزمة بالنشر في الأعوام الأخيرة.