غير صحيح
بعد مرور سنة على التعديلات التي أُقرت على مشروع قانون النقد والتسليف، ومن ضمنها تعديل المادة الثانية من القانون التي تربط سعر الليرة بالذهب. عاد الحديث في الأيام الماضية عن فك الإرتباط بين الذهب والعملة من أجل سداد ديون الدولة بإستخدام إحتياطي الذهب، وهي الإشكالية التي طرحها الخبير الإقتصادي منير يونس عبر حسابه على منصة إكس، متسائلاً "ماذا سيفعلون بمخزون ذهب تزيد قيمته حالياً على 21 مليار دولار؟"
فهل صحيح أن مشروع تعديل المادة 2 من قانون النقد والتسليف الذي يقضي بالفصل بين الليرة والذهب سيسمح للدولة بالتصرف بإحتياطي الذهب؟
مرّ عام على تشكيل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجنةً لإقتراح تعديلات على قانون النقد والتسليف، ومن ضمن التعديلات على القانون التي عملت عليها اللجنة، وفقاً لما جاء في الأسباب الموجبة، تعديل المادة الثانية التي تربط سعر الليرة بالذهب بعد ارتباط وهمي دام 61 سنة.
وفرضت التعديلات تحديد سعر الصرف القانوني خاضعاً للعرض والطلب في السوق، على أن يحلّ السعر الجديد لليرة محلّ أيّ سعر آخر. لكن اشترطت المادة الثانية أن يضع المركزي آلية بالتنسيق مع وزير المالية تحدّد كيفية تغيّر السعر، وإلى حين وضع هذه الآلية، قضت المادة الثانية أن يقوم وزير المالية بإعلان سعر صرف الليرة بناءً على اقتراح مصرف لبنان.
وفي هذا الإطار تقول الباحثة القانونية المتخصصة بالشأن المصرفي سابين الكيك، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "كما توقعنا التعديلات للأسف مخيبة للآمال والتعديلات التي نطمح لها بقانون النقد والتسليف هي تعديلات جذرية لم تحصل، خاصة لناحية إعتماد قواعد حوكمة وشفافية بالعمل داخل مصرف لبنان إن كان فيما يخص تعديل صلاحيات حاكم مصرف لبنان، وضع ضوابط على هذه الصلاحيات وتحديد كيفية عمل المجلس المركزي".
الهدف المفترض من تعديلات قانون النقد والتسليف الذي لم يحصل وفق الكيك، "أن يكون عصري أكثر، يتلاءم مع كل متطلبات الحوكمة والشفافية العالمية بالإدارة، بالهيكلية الإدارية، بأجهزة الرقابة، بفصل التعارض بين مهام حاكم مصرف لبنان ووجوده في هيئات أخرى".
وبخصوص المادة 2 من قانون النقد والتسليف، ترى الكيك، أن "الأشخاص المولجين بالصياغة والإقتراحات التشريعية غير ملمين بالموضوع إذ إن المادة 2 تتحدث عن تحديد قيمة الليرة اللبنانية فيما التعديل المقترح يتحدث عن سعر الصرف لأن قيمة الليرة تختلف عن سعر الصرف. فعندما نتحدث عن قيمة الليرة فنحن نتحدث عن إحتياطي الذهب الذي يضمن سلامة الليرة، وبحسب المادة 69 فإن طبع الليرة يجب أن يتناسب مع إحتياطي الذهب والعملات الأجنبية لدينا، وهذا لا يشبه التعديل المُقترح. فلقد إحتفظوا بنص المادة 229 ولم يميزوا الفرق بين قيمة الليرة وسعر الصرف".
يُذكر أن لبنان يحتلّ المرتبة الـ20 عالمياً في احتياطي الذهب، وفق تصنيف مجلس الذهب العالمي، ويتصدر المرتبة الثانية عربياً بعد السعودية (لديها 323.1 طناً)، إذ يملك 286.8 طناً، أي نحو 10 ملايين أونصة تناهز قيمتها 17 مليار دولار.
وبدأ لبنان منذ العام 1948 بإقتناء أول كمية من الذهب إثر إنضمامه إلى صندوق النقد الدولي في العام 1946 بعد الإعتراف بالليرة اللبنانية عملة مستقلة. وفي ذلك الحين، إرتبط شراء الذهب بتثبيت سعر صرف الدولار وحفظ قيمته، واستمر حتى أوائل السبعينيات إثر فكّ الولايات المتحدة الأميركية ارتباط تغطية الدولار وطباعته بالذهب، وهو قرار معروف بـ"صدمة نيكسون" (نسبة للرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون)، والذي فرض الدولار بديلا احتياطيا عن الذهب لحفظ قيمة كل العملات الأخرى حول العالم، ومنذ العام 1971 توقف لبنان عن شراء الذهب إثر القرار الأميركي ببلوغ قيمة مدخراته 286.8 طناً.
وبحسب القانون اللبناني رقم 42 الصادر في العام 1986، يُمنع بيع الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب، وينص على الآتي: "بصورة إستثنائية و خلافاً لأي نص، يُمنع منعاً مطلقاً التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء أكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب".
في السياق تذكر سابين الكيك، "أن الحكومة مجبرة على الإلتزام بالقانون اللبناني رقم 42 الذي يحدّد أن الحق يعود لمجلس النواب فقط السماح ببيع إحتياطي الذهب، وتعديل المادة 2 كما ورد بالإقتراح لا يعدّل القانون ولا يلغيه ولا يعطل مفاعيله، لذلك لا ترتبط هذه المادة مباشرة بإستعمال إحتياطي الذهب".
وتضيف أن "تعديل المادة 2 من قانون النقد والتسليف، قد يكون تمهيداً لتعديل القانون 42. لكن هذا الموضوع غير مطروح حالياً في بلد لا يستطيع إنتخاب رئيس أو تشكيل حكومة وفي ظلّ أزمة الحكم الموجودة".
وتشرح أن إستعمال وبيع الذهب ليس بهذه السهولة، يستوجب إجراءات معقدة مرتبطة بالأطراف المعنية به وليس بالدولة التي تملكه فحسب، مثل الجهة التي ستنتقل إليها هذه الإحتياطات، صندوق النقد الدولي الذي يتابع مسار هذه الإحتياطات والدول القادرة على شرائه وتحمل عمليات نقله. فهذا الذهب سيادي وليس تجاري ولا يمكن بيعه وشراؤه إلا بين دول، وهو يشكل حلقة أساسية في المنظومة المالية في العالم من إحتياطات الذهب في الدول.
إذاً، إن تعديل المادة الثانية من قانون النقد والتسليف الذي يقضي بالفصل بين الليرة والذهب لا يعني أن الدولة يمكنها التصرف بإحتياطي الذهب، وفقاً للقانون اللبناني رقم 42، وكون إستعمال وبيع الذهب يستوجب إجراءات معقدة لناحية الدول القادرة على شرائه وتحمل عمليات نقله.