Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

Judge Justice Lawyers
هل قرار القاضي شعيتو بإعادة الأموال المحولة الى الخارج وإيداع ما يساويها في المصارف اللبنانية قابل للتنفيذ؟
22/08/2025

يُعتبر حجز أموال المودعين في لبنان من أبرز أوجه الأزمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد منذ أواخر العام 2019 حِين بدأت المصارف بفرض قيود صارمة على عمليات سحب الأموال وتحويلها، ولم يتمكن المواطنون من سحب أموالهم بالعملة الصعبة إلاّ "بالقطارة" من خلال بعض التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان في حين حوّل عدد من النافذين سياسيًا وماليًا مبالغ ضخمة إلى الخارج ما يُكرّس غياب العدالة المالية و"الاستنسابية" في تطبيق الإجراءات المصرفية. وقد جرت محاولات سابقة في السنوات الماضية لإعادة هذه الأموال دون جدوى.

 

تعود قضية هذه التحويلات اليوم الى الواجهة مع قرار النائب العام المالي الجديد القاضي ماهر شعيتو الصادر في منتصف آب الجاري والذي "بناءً على تحقيقات جارية، كلّف بموجبه الأشخاص الطبيعيين والمعنويين ومنهم مصرفيون بإيداع مبالغ في مصارف لبنانية تساوي المبالغ التي قاموا بتحويلها الى الخارج خلال الأزمة المصرفية والمالية التي مرّت بها البلاد وبذات نوع العملة، بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني وذلك خلال مهلة شهرين، بإشراف النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها".

 

أثار هذا القرار على مدى الأيام الماضية جدلاً واسعًا في الأوساط المالية والمصرفية والسياسية كما في أوساط المودعين حول عدة نقاط، أولًا فيما يخص جدواه وهنا انقسمت الآراء بين من اعتبره خطوة إصلاحية جريئة ستُساهم في تعزيز السيولة، وبين من اعتبره مُجرّد قرارًا يحمل رسالة للخارج لتجنب الانزلاق أكثر في سُلّم التصنيفات المالية الكارثية للبنان والتي كان آخرها إعلان الاتحاد الأوروبي إضافة لبنان إلى القائمة السوداء بالنسبة للدول عالية المخاطر على صعيد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ثانيًا فيما يتعلق بمن سيُطبق عليه القرار وما إذا كان استرجاع الأموال سيشمل كُل من حوّل الأموال إلى الخارج أو فقط من ارتكب جرائم أظهرتها التحقيقات المُشار إليها في مطلع النص. والنقطة الاخيرة والتي سنحاول الاجابة عليها فيما هو آتي هي حول مدى قابلية تنفيذ هذا القرار والزاميته.

 

فهل قرار القاضي شعيتو باعادة الأموال المحولة الى الخارج وإيداع ما يساويها في المصارف اللبنانية قابل للتنفيذ؟

 

بدايةً وقبل النظر في قدرة هذا القرار أو البيان على التنفيذ لا بُدّ من معرفة ما إذا كان موجهًا لعموم المودعين الذين حوّلوا أموالهم في وقت الأزمة أم الى مودعين محددين أثبتت التحقيقات ارتكابات غير قانونية بحقهم.

 

النقطة المحورية بالنسبة للكاتب والخبير الاقتصادي انطوان فرح في هذا القرار أنه من غير الواضح حتى الآن الجهات التي يشملها، ولا حجم التحويلات التي يقصدها، حتى الفترة الزمنية التي سيُطبق ضمنها القرار غير واضحة، فهناك كلام على أن الفترة ستكون منذ العام 2019، وكلام آخر أنها منذ العام 2017.

 

ويشرح فرح في حديثه لـ" مهارات نيوز" أن في المعلومات المتوافرة يمكن أن يكون القرار مُستندًا إلى المعلومات التي جمعها المدعي العام المالي السابق بموضوع يتعلق ب 18 مصرفًا كان قد  طلب منهم أن يُقدّموا له معلومات عن حجم التحويلات التي تمت منذ العام 2017 وتتعلق بأعضاء مجلس إدارة المصارف والمدراء التنفيذيين حصرًا ولا تشمل السياسيين والمدراء العامين والمشكوفين على الرأي العام. 

 

بدوره يعتبر رئيس اللجنة الاستشارية لتنفيذ إجراءات خطة عمل مجموعة "FATF" لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية كريم ضاهر أن اللبنانيون قد توهّموا بأن القرار سيطال جميع من حوّل الأموال بعد 17 تشرين 2019 سواءً سياسيين أو مصرفيين أو سائر المودعين، ولكن هذا الأمر حقيقةً لا يدخل ضمن نطاق بيان القاضي شعيتو، حيث أنه بعد قراءة البيان المقتضب يتضح أنه ارتكز إلى تحقيقات سابقة وفقًا لمعلومات لديه وبناءً على هذه التحقيقات وجه طلبه إلى الأشخاص المشمولة من هذه التحقيقات ولم يقل أنه سيطال الجميع.

 

بين المرتكبين وعموم المودعين

يشرح ضاهر في حديثه لـ" مهارات نيوز" أن المودعين العاديين "غير المرتكبين" ينقسمون الى قسمين (فئتين)، الأول هم من حوّلوا أموالهم قبل صدور الضوابط التنظيمية بموجب تعاميم مصرف لبنان، أي في الفترة بين 1-11 2019 و 9 -4 2020 (تاريخ صدور أوائل التعاميم) وعندها لم يكن هناك أيّ قانون أو نص أو قيود تمنعهم من التحويل وبالتالي لا يمكن اعتبارهم مرتكبين لأي مخالفة أو استرجاع الأموال منهم

 

القسم الثاني من حوّل أمواله بعد بدء صدور تعاميم مصرف لبنان بمساعدة أو بالتواطؤ مع المصرفيين هنا أيضا من الصعوبة ملاحقتهم قانونيًا لأنهم يملكون حجيّة تقول بأن تعاميم مصرف لبنان تمثل تجاوز للسلطة وأن الأخير لا يملك صلاحية القيام "بكابيتال كونترول"، كما يمكنهم التذرع بمبدأ الملكية الفردية والنظام الاقتصادي الحر المصانيين دستوريًا. وهنا يقترح ضاهر إمكانية استخدام حجيّة مضادة للفئتين المذكورتين تتمثل بمبدأ مكفول هو أيضًا في الدستور وهو مبدأ المساواة حيث يمكن اعتبار تحويل مواطن لبناني لأمواله دون الآخرين وفي نفس الظروف خرقًا لمبدأ المساواة، ولكن هذه الطريقة غير مضمونة النتائج. كما يمكن أيضًا إستعمال حجيّة المصلحة العامة الإقتصادية (Interet Public Economique) على غرار ما تم إعتماده في أوروبا مع ال BRRD كما وفرنسا بعد الأزمة المالية الحادة في نهاية العقد الأول من هذه الألفية.

 

وفي السياق تؤكد مطالعة للباحث المُقيم لدى كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأمريكية في بيروت محمد فحيلي أن تطبيق القرار يتطلب وجود أساس قانوني صلب يفرض على الأشخاص إعادة الأموال المحوّلة للخارج، خصوصًا أنّ التحويلات قد تكون جرت ضمن أطر قانونية أو تعاقديّة سليمة، حتّى لو اعتُبرت غير أخلاقية. خاصة أن الدستور والقانون المدني يكرّسان حماية الملكية وحرية التعاقد، ولا يُنتقص منها إلا بنصٍ خاص ولأسباب جرمية محدّدة (اختلاس، إساءة أمانة، تبييض أموال، إثراء غير مشروع…) وبالتالي، أي أمر عام بإعادة تحويلات يحتاج إلى: تكييف جرمي فردي لكل حالة، أو نص تشريعي خاص يفرض التزامًا عامًا بموجب قانون (غير موجود راهناً)، أو أمر قضائي مسبب يربط المال المتحوّل بسلوك يرقى إلى جرم محدّد.

 

أما فيما يخص من أثبت التحقيقات الخاصة ارتكابات غير قانونية بحقهم فإنه يوجد في القوانين اللبنانية بحسب ضاهر ما يكفي لجعل هذا القرار قابلاً للتنفيذ، فإذا كان المُرتكبون مصرفيون لدينا القانونين رقم 2/67 و 110/91 الذين يتحدثان عن امكانية حجز أموال رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف والمدراء التنفيذيين، كما هناك امكانية لاقصائهم من المراكز الإدارية التي يشغلونها.

 

كما يمكن استخدام قانون التجارة أو قانون العقوبات للإفلاس الإحتيالي والتقصيري وحجية إساءة الأمانة والاحتيال على المودعين، وحجية استعمال المعلومات المميزة كون هؤلاء المصرفيون كانوا على دراية بعدم قدرة المصرف على سداد الودائع لعموم المودعين ومع ذلك أجروا التحويلات.

 

كل هذه الجرائم السابقة لحظها القانون 44/2015 قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب وهناك 21 حالة موجودة يمكن الاستناد إليها، وحيث أن هذه الأموال تحولت الى الخارج (ما يعني نيّة تغيير معالمها) بالتالي فإن الشروط لاعتبار الأمر بمثابة تبييض للأموال متوفرة ويمكن تطبيق عقوبات مشددة تصل الى السجن بين 3 إلى 7 سنوات، والأهم فرض غرامة تصل إلى ضعفي المبلغ، فإذا حول شخص مبلغ مليون دولار مثلا يُفرض عليه إعادة المليون ودفع مليونيّ دولار كغرامة  تبييض أموال للمالية العامة.

 

أما في حال كانت الارتكابات صادرة عن فئة الموظفين العموميين أو الأشخاص المعرّضين سياسيًا يمكن بحسب ضاهر استعمال مبدأ الإثراء غير المشروع والتدقيق في تصاريحهم عن الذمة المالية ورفع السرية المصرفية عن حساباتهم في لبنان والخارج كما والتحقيق معهم في جرائم الفساد المنصوص عنها في القوانين المخصوصة، وإذا ثبت الإثراء غير المشروع أو أعمال الفساد من صرف نفوذ وإختلاس ورشوة وإساءة إستعمال المركز وسواها، تعتبر الأموال المحولة بمثابة تبييض للأموال ويمكن عندها ملاحقتهم واستردادها

 

اذًا في المحصلة فالإشكالية المطروحة حول مدى قابلية تنفيذ قرار القاضي شعيتو صحيحة جزئيًا، فبالرغم من عدم وجود قانون "كابيتال كونترول" حتى الآن أو أي أساس قانوني صلب يفرض على الأشخاص إعادة الأموال المحوّلة للخارج، إلا أن إثبات التحقيقات أن مصادر هذه الأموال ناتجة عن مخالفات أو ارتكابات غير قانونية يؤدي الى معاقبة أصحابها ويمكن عندها إلزامهم باعادتها وفقًا للقوانين المرعيّة الإجراء.