غير صحيح
بعد إقفال ملفّ صيرفة وإنهاء العمل بها، عاد الحديث في الأيام الأخيرة عن إمكانية فرض ضرائب على من استفادوا منها. فقد ورد في تقرير لموقع الـ MTV أن "ضريبة ستُفرض على من إستفادوا من منصة صيرفة بأكثر من 15 ألف دولاراً". وتداول بعض الخبراء على وسائل التواصل الإجتماعي الخبر، فكتب الخبير الإقتصادي ميشال قزح على حسابه على منصة إكس أن "وزير المالية أصدر قراراً قضى بموجبه تقاضي ضريبة بقيمة 17 % من كل شخص تخطت قيمة مشترياته من الدولارات الأميركية 15 ألف دولار".
فهل يحق قانوناً فرض ضريبة بأثر رجعي على من إستفادوا من منصة صيرفة بأكثر من 15 ألف دولار؟
بالعودة إلى الجلسة التشريعية لمناقشة موازنة الـ 2024، القصة بدأت عندما طلب النائب وائل أبو فاعور من رئيس المجلس استرجاع البندين 93 و125 من مشروع الحكومة واللذين ينصان على فرض ضريبة على من إستفاد من أموال الدعم بنسبة 7% ومن "صيرفة" بنسبة 17%.
البندان أسقطتهما لجنة المال والموازنة ووافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على إعادة فتحهما، وسط جدل كبير حول المادتين. وكان ردّ رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان حينها، أن "أي ضريبة بمفعول رجعي تُعتبر هرطقة دستورية، وإذا كنتم تريدون هذه الضريبة لا يمكن أن نسميها ضريبة فلنذهب إلى عقوبة أو غرامة. وفي النص الذي سنقره لن تكون هذه الخطوة جدية، يمكن أن تكون رسالة إلى الرأي العام فقط وحتى تصبح جدية هناك مسألتان يجب التنبه إليهما أن صيرفة نحن لا نعترف بها، والأمر الثاني صعوبة إقرار ضريبة مع مفعول رجعي. نحن لسنا ضدّ الضريبة لكن يجب أن تكون بطريقة أخرى".
وفي هذا الإطار يقول الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "لقد تمّ طرح مادتين الأولى لتكليف الأرباح الناتجة عن صيرفة والثانية للأرباح الناتجة عن موضوع الدعم، فأُقرت الأولى وتمّ إبطال الثانية من قبل المجلس الدستوري، لأنها كانت مبهمة وغير واضحة ما يخالف أبسط المبادئ الدستورية. وعلى إعتبار أن هذا المبدأ قد أُقرّ على صيرفة وأكّد عليه المجلس الدستوري، فأصبح المبدأ ثابتاً ولم يعد هناك إمكانية للطعن فيه".
وكانت وزارة المالية قد أصدرت في 4 حزيران الحالي، القرار647/1 لتحديد دقائق تطبيق المادة 93 من القانون رقم 324 تاريخ 12/2/2024، أي قانون الموازنة العامة للعام 2024. وتضمن 10 مواد شرحت فيها آلية احتساب الضريبة الإستثنائية التي يجب أن تُفرض على المكلفين الذين استفادوا من عمليات منصة صيرفة بدءاً من العام 2021.
وفصّلت هذه الآلية كيفية تكليف الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تتناوله المادة 93، بعد جمع قيمة كافة العمليات التي نفذها ذلك الشخص على منصة صيرفة، استناداً إلى التعميم رقم 161 تاريخ 16/12/2021 الصادر عن مصرف لبنان خلال سنة 2021، والعمليات التي نفذها خلال سنتي 2022 و 2023. ويعتبر مشمولاً بهذه الضريبة كل شخص تجاوز مجموع قيمة مشترياته من الدولارات الأميركية على سعر المنصة الإلكترونية (صيرفة) خلال تلك السنوات، مبلغ 15000 دولار أميركي.
ويشرح ضاهر ماهية هذا القرار، معتبراً أنه لا يمكن فرض ضرائب بأثر رجعي لأنها تخالف ثلاثة مبادئ ضريبية، أولاً أن الضريبة على ربح محقق في السابق تخالف مبادئ الإنتظام العام، ثانياً أن المفعول الرجعي يُخلّ بمبدأ سنوية الضريبة، فلا يمكن فرض ضريبة إستثنائية على ربح محقق قبل سنة أو سنتين، والمبدأ الثالث يتمثل بعدم قانونية إزدواجية الضريبة ما يعني أن من سبق ودفع ضريبته على عمليات صيرفة سيدفع ضريبة 17% جديدة على الأرباح. وهذه المخالفة قام بها المجلس الدستوري والبرلمان عبر إقرار هذه البنود في الموازنة.
ويلفت ضاهر إلى أنه "يمكن تفسير مخالفة هذه المبادئ فقط إذا كانت هناك ضرورة قصوى للمفعول الرجعي إذا كانت المنفعة العامة تتطلب ذلك للتعويض على المودعين الذين يعتبرون شريحة كبيرة من المواطنين قد خسرت أموالها".
وتعقيباً على قرار وزير المال رقم 647/1 (الذي يأتي تطبيقاً للمادة 93 من القانون رقم 324) الذي يطلب من المصارف التجاريّة العاملة في لبنان تزويد السلطات الضريبية (ضمن مهلة أقصاها 4 تمّوز) بالمعلومات ذات الصلة عن الأفراد/الشركات التي استفادت من عمليّات صيرفة كما وعدد وقيمة هذه المعاملات.
أشارت جمعية المصارف مؤخراً في كتاب وجّهته إلى وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور يوسف خليل إلى أن المادة رقم 23 من القانون رقم 44 (قانون الإجراءات الضريبيّة) تنصّ على أن آلية الطلب من المصارف التجاريّة العاملة في لبنان تزويد بيانات خاضعة لقانون السريّة المصرفيّة يجب أن تُحدّد بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وهو ما لم يحدث بعد. كما وأضافت بأنّه في ظلّ غياب هذا المرسوم، فإنّ قيام المصارف بتسليم هكذا معلومات يعرّضها لملاحقات قضائيّة.
وفي السياق أشار ضاهر إلى أن "مشكلة وزارة المالية أنها أصدرت قراراً صعب التطبيق، إرتكزت على المادة 23 من قانون الإجراءات الضريبية الذي طلبت على أساسه من المصارف تسليم المعلومات متجاهلين - وفقاً للتعديل الذي حصل بموجب قانون السرية المصرفية - أنه كان من المفترض على وزارة المالية إصدار مرسوم تحدد فيه آلية رفع السرية المصرفية. وبالتالي لا يمكنها اليوم أن تُلزم المصارف إعطائها المعلومات عن الأشخاص الذين إستفادوا بعدم وجود مرسوم يحدد الآلية أي أن القرار غير نافذ".
إذاً ما تمّ تداوله غير صحيح، إذ لا يمكن أن يتم فرض ضريبة بأثر رجعي قانوناً، لأنها تخالف ثلاثة مبادئ ضريبية، أولاً أن الضريبة على ربح محقق في السابق تخالف مبادئ الإنتظام العام، ثانياً أن المفعول الرجعي يُخلّ بمبدأ سنوية الضريبة، وثالثاً عدم قانونية إزدواجية الضريبة.