Loading...

الحرب الإسرائيلية على لبنان: سرديات متعددة وحضور "باهت" للإعلام العام

 

لم تكن التغطية الإعلامية اللبنانية للحرب الإسرائيلية مفاجئة، حيث انقسمت وسائل الإعلام بين من تبَنَّى السردية الإسرائيلية وبين من حاول الوصول الى مصادر معلومات رسمية ومستقلة. وفي خضم هذا التباين، غابت الرواية الرسمية عن "المشهد العام" خلال الحرب أو ظهرت "ضعيفة"، مما أثار تساؤلات حول دور الإعلام العام في تقديم تغطية موحدة خلال الأزمات.

 

ويُعرف الإعلام العام بأنه إعلام موجه لخدمة الجمهور ككل، بعيداً عن الأجندات السياسية أو الطائفية. وتوضح الدكتورة في الجامعة اللبنانية، وفاء أبو شقرا، أنّ إعلام الخدمة العامة، يسعى إلى تقديم محتوى يخدم الشأن العام، بينما تهيمن الوسائل الخاصة على الأخبار والترفيه، وتركز القنوات الإخبارية على المضمون السياسي. أما فيما يتعلق بالإعلام الرسمي، فهو من يغطي أنشطة الدولة وما يصدر عنها من قرارات.  

 

في لبنان، يبدو غياب الإعلام العام جلياً، إذ لا يوجد إعلام موحد ينقل الأحداث للجمهور ويدحض روايات العدو بمعزل عن الإنقسامات السياسية والطائفية، وهذا ما أكدته الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

 

جولة على تغطية الإعلام العام للحرب الإسرائيلية
عند الحديث عن الإعلام العام في لبنان، يتبادر إلى أذهاننا ثلاث جهات رسمية هي تلفزيون لبنان، الوكالة الوطنية للإعلام، والإذاعة اللبنانية. ونستعرض فيما يلي تغطية هذه الوسائل للحرب الإسرائيلية على لبنان.

 

لا تخفي مديرة الأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون لبنان، ديانا رمضان، أنّ تغطيتهم الإعلامية كانت "ضعيفة" ومحدودة. إذ اكتفت المحطة في نقل التطورات من خلال مراسلين اثنين فقط في الجنوب والضاحية الجنوبية، إلى جانب مندوبين في طرابلس والشوف وصيدا.

 

أما اللافت للانتباه، حديث رمضان عن تغطية الحدث بالصوت بدلاً من الصورة نتيجة الوضع الإقتصادي والأمني، مع اضطرار الموظفين النزوح من أماكن سكنهم، وانعكاس ذلك على حضورهم إلى مبنى التلفزيون، من دون أنّ تنكر التحديات المالية التي تواجهها المؤسسة، والتي أثرت بشكل مباشر على آلية العمل.

 


استناداً إلى ذلك، تقول المسؤولة في تلفزيون لبنان إنّ التغطية الإخبارية اعتمدت على بيانات الوكالة الوطنية للإعلام، ومعلومات صادرة عن "حزب الله" عبر قناة المنار لنقل ضربات الحزب في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب البيانات الرسمية الصادرة عن خلية الأزمة في السراي الحكومي.

 

يبدو أنّ الوضع كان مختلفاً في الإذاعة اللبنانية، حيث غطت الحرب الإسرائيلية استناداً إلى مراسليها في الجنوب، وتحديداً صور والنبطية ومرجعيون وفي البقاع إضافة إلى المعلومات المنشورة في الوكالة الوطنية للإعلام. إلى جانب ذلك، كانت توجد تغطية من مندوبي دائرة الريبورتاج في رسائل مباشرة عبر الهواء مع إعداد تقارير عن الوضع "المأساوي" للنازحين، أو حلول نفسية مع المعالجين حول تعامل الأهل مع أولادهم لشرح ما يجري من نزوح ومخاوف تراودهم.

 

أما الوكالة الوطنية للإعلام، فقامت بتغطية الأخبار أولاً بأول، حيث تصدرت المشهد، كمرجع للمؤسسات المحلية والخارجية في نقل الأخبار. ويمكن رصد ذلك عبر نقلها الضربات الإسرائيلية على قرى جنوب لبنان أولاً بأولاً، وتحديثها في آخر الأخبار إضافة إلى ردود الفعل الدولية والتصريحات الرسمية للمسؤولين في الدولة.

 

وفيما يتعلق بانتشار أخبار العدو وتداول أخبار عن تهديدات لأبنية واتصالات تطلب الإخلاء على المنصات الاجتماعية، فغاب أي جهاز إعلامي رسمي عن مواكبتها والرد على حملات الدعاية أو حتى التصحيح لسقطات وقعت فيها بعض وسائل الإعلام خلال تغطيتها، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة "مهارات"، بعنوان "تحديات التغطية الإعلامية للحرب الإسرائيلية على لبنان".

 

وبناءً على ما تقدم، يؤكد مدير عام وزارة الإعلام، الدكتور حسّان فلحة، على الرغم من أنه تمّ "منح ترخيص دائم أو مؤقت لأكثر من ألف مؤسسة إعلامية" غير محلية لتغطية الحرب الإسرائيلية، إلا أّن الوكالة الوطنية للإعلام كانت المصدر الأول للبيانات والمعلومات على مستوى محلي وأجنبي. 

 

أما أكاديمياً، فيرى الدكتور حسان فلحة، مدير عام وزارة الإعلام، ضرورة الإهتمام بالإعلام لأنه بـ"منزلة التربية والأمن والعسكر" لصالح بناء المجتمع وكفالة حرية التعبير المسؤول غير المرتهن للمال والإعلانات. كما أوضح أنّ الإعلام العام هو مكمل للإعلام الخاص. 


التغطية الإعلامية مسؤولية الجميع في الأزمات

 

وبما أنّ الحرب الأخيرة، أظهرت صورة الإعلام المجزّأ، بعد تفاوت التغطيات الإعلامية وفقاً للسياسات التحريرية لكل محطة مع غياب إعلام رسمي. ترى الدكتورة في الجامعة اللبنانية، وفاء أبو شقرا، أنّه كان من المفترض توحيد الخطاب الإعلامي والتضامن في مواجهة إسرائيل، ومن ثمّ فتح نقاش وطني حول المسؤوليات، موضحةً مدى تفاوت التغطية بتحميل بعض القنوات "حزب الله" المسؤولية، بينما اعتبرته أخرى "بطلاً".

 

ومن هنا، قدّمت أبو شقرا عدداً من النصائح لتحسين التغطية الإعلامية في الأزمات والحروب، منها:

أولاً- الالتزام بعرض الوقائع دون مبالغة، لأن القضية ذات طابع وطني ولا تخص طائفة معينة.

ثانياً- تحقيق التوازن في نقل المعلومات، على سبيل المثال: يمكن الاستعانة بالسردية الإسرائيلية كجزء من التغطية، ولكن يجب التحقق منها واستقصاء الرأي اللبناني لدحضها أو تصحيحها دون تبنيها.

ثالثاً- إعداد وتأهيل الصحافيين بالمهارات اللازمة عند التغطية إضافة إلى المعدات المطلوبة.

 

وفي سياق آخر، أشارت مديرة الأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون لبنان، ديانا رمضان إلى أن وزير الإعلام، بول مرقص، يعمل حالياً على خطة لإعادة النهوض بتلفزيون لبنان، في محاولة لإستعادة دوره كإعلام عام يخدم الجمهور اللبناني بمختلف أطيافه.

 

نظرةً تاريخية على "الإعلام العام"

تاريخياً، تعزّز دور تلفزيون لبنان بعد توقيع "اتفاق الطائف" عام 1989، حيث أُغلقت المحطات غير الشرعية ونُظّم عمل وسائل الإعلام، وتم دمج ثلاث قنوات تحت اسم "تلفزيون لبنان" بهدف تقديم خطاب إعلامي وطني موحّد.

 

شهدت المحطة عصرها الذهبي في عهد مديرها فؤاد نعيم، الذي سعى إلى تحويلها لمنصة للخدمة العامة، عبر تقديم برامج متنوعة. لكنّ القانون رقم 382/1994 ألغى حصرية البث التي كانت تتمتع بها، وسمح بترخيص عدد من القنوات الخاصة، ما أدى إلى تراجع تأثيرها، استناداً لما ذكر في بحث جامعي.


ولمع اسم تلفزيون لبنان في توحيد اللبنانيين في أزمات سابقة، ولعلّ التغطية التي ما زالت تتذكرها الدكتورة في الجامعة اللبنانية وفاء أبو شقرا، تغطية الإعلامية زاهرة حرب عملية "عناقيد الغضب" من الجنوب، حيث كانت من التغطيات التي جمعت اللبنانيين حول رواية وطنية موحدة.

 

أما الإذاعة اللبنانية، فأنشئت عام 1938 في عهد رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل إميل إده وكان اسمها راديو الشرق. وتعاني الإذاعة من أزمات عدّة رغم عدم الدعم الكافي للدولة لها، لاسيما في الأزمات اللبنانية واللوجستية والتقنية، آخرها عام 2019 وما رافقها من تدهور اقتصادي واجتماعي، على الرغم من أنّ معداتها كانت من الأهم منذ نشأتها عدا عن أرشيفها الضخم لكنها تفتقر إلى تطوير التقنيات للحفاظ على هذا الإرث التاريخي. وقد حاول القيمون في الإذاعة على تطوير مهارات العاملين فيها من أجل تحسين مسار العمل من خلال دورات عدّة، أجرتها بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية.

 

فيما يتعلق بالوكالة الوطنية للإعلام، فتأسست عام 1961، كأداة إعلامية مهمة ومرجعاً رسمياً للسلطات العامة ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وتضم مكاتب في كل أقضية لبنان ، مما يساعد في نقل الأخبار والنشاطات المتنوعة.

 

وفي دراسة نشرتها الباحثة الإعلامية ديما دبوس عام 2015، تناولت واقع الإعلام العام في عدد من الدول العربية، مع التركيز على تلفزيون لبنان (TL) كنموذجٍ رئيسي، نظراً لكون لبنان أول دولة عربية تبث تلفزيوناً رسمياً عام 1959.

 

وأشارت الدراسة إلى أن تراجع الإعلام العام في لبنان يعود إلى إهمال الحكومات المتعاقبة، خاصة بعد الحرب الأهلية، حيث تعاني المؤسسة من فراغ إداري بسبب التعيينات السياسية والطائفية، إضافةً إلى فشلها في تقديم خدمة عامة تلبي احتياجات جميع اللبنانيين.

 

كما حددت دبوس أبرز تحديات القطاع، ومنها: الأزمات المالية ونقص الدعم الحكومي، والتعقيدات الإدارية والانقسامات الطائفية، وتراجع الجمهور أمام منافسة الإعلام الخاص.

 

مرةً جديدة، أثبتت الحرب الإسرائيلية الأخيرة أن غياب رواية صادرة من إعلام عام تعزز من تشرذم الخطاب اللبناني، حيث باتت المحطات الخاصة تنقل المجريات وفقاً لأجنداتها السياسية. وأمام هذا الواقع، يبقى السؤال: هل نشهد في المستقبل القريب ولادة إعلام وطني جامع، قادر على تقديم تغطية موحدة وموضوعية، أم سيظل الإعلام اللبناني رهينة الانقسامات؟


تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الإتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصريًا على عاتق مؤسسة "مهارات" وهو لا يعكس بالضرورة آراء الإتحاد الأوروبي. وتم نشر هذا التقرير أيضًا على موقع VDL News.