عاش لبنان لمدّة شهرين ومنذ أواخر أيلول 2024 حربًا قاسيةً مع توسّع العمليات العسكرية التي بقيت محدودة ما يقارب العام، الى أن اُعلن وقف إطلاق النار في 26 تشرين الثاني 2024. ومع ارتفاع الاعتداءات والخسائر شهد لبنان حركة واسعة من المساعدات التي وصلت لا سيما من الدول العربية وبعض الحكومات الأجنبية والاتحاد الأوروبي.
تُعيد هذه المساعدات الى الاذهان العجز الذي تعانيه الدولة عند كل أزمة على مستوى الحماية الاجتماعية خاصة في السنوات التي تلت الانهيار المالي عام 2019، ذلك بالرغم من بعض المحاولات، الخطط، والبرامج التي أُطلقت لهذه الغاية وكان منها إقرار الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية في شباط 2024، وبرامج مساعدات نقدية توجهت للأسر الأكثر فقرًا.
يُذكر اليوم من هذه المساعدات التي وصلت إلى الدولة هبة لمساعدة النازحين من جنوب لبنان مقدمة من الصين استلمتها وزارة الشؤون الاجتماعية. يُضيئ هذا التقرير على ماهية هذه الهبة، وآلية توزيعها، والمستفيدين منها، فضلا عن أهمية تفعيل الحماية الاجتماعية في ظل الحروب والنزاعات لمساعدة الشعب على الصمود لاسيما الفئات المهمشة والضعيفة.
الهبة الصينية
في إطار المساعدات الدولية للبنان قدمت جمهورية الصين هبة بقيمة مليون دولار لمساعدة النازحين جرّاء الحرب، ويستفيد منها عشرة آلاف عائلة، بمعدل 100$ لكل منها. وفي مؤتمر صحافي شرح وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار عن المساعدات والسياسات المُعتمدة من قبل وزارة الشؤون في هذا الخصوص والتحديات التي تواجهها.
يذكر أن الهبة الصينية للنازحين قد انتهى توزيعها في الأشهر الماضية، وبعد اتصال مع وزارة الشؤون الإجتماعية تبين بأن هذه المساعدة وصلت إلى لبنان منذ بداية الحرب على الحدود اللبنانية، أي تقريبًا منذ شهر تشرين الثاني 2023 وأولوياتها كانت لسكان الجنوب.
وتضيف الوزارة لـ "مهارات نيوز" بأن هذه المساعدات استهدفت المواطنين القاطنين في بلدات الأقضية السبعة(صيدا، صور،جزين،النبطية،حاصبيا،مرجعيون،قضاء بنت جبيل). مع العلم أن ليس كل السكان يستفيدون منها، فالمستهدفون هم حصرًا المستفيدين من برنامج "الأسر الأكثر فقرًا" وبرنامج "أمان" المتواجدين في هذه الأقضية.
وبحسب المعلومات، فهذه الهبة هي مساعدة نقدية طارئة وليست من ضمن التمويلات السابقة لبرامج الحماية الاجتماعية التي تشرف عليها الوزارة. وعن سبب حصر هذه الهبة فقط بالمستفيدين من البرامج السابقة تقول الوزارة: "هذا يعود إلى ضيق الوقت وعدم القدرة على تقييم وضع المواطنين مرة جديدة، فتستعمل الوزارة البيانات السابقة المتوفرة لديها".
الحماية الاجتماعية في ظل النزاعات
في ظل هذه الحرب والوضع المأساوي الذي عاشه اللبنانيون تأتي الحماية الإجتماعية في مقدمة حاجات المواطن. ويتكون نظام الحماية الاجتماعية من مجموعة من السياسات والمبادرات العامّة أو الخاصّة التي تُقدم الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وهي حق من حقوق الإنسان، وتمُدّ المواطن وعائلته بالمعونة اللازمة في حالات الفقر الشديد أو الخدمات الاجتماعية للأفراد في حالات المرض، البطالة، الإصابات، الأمومة، الشيخوخة، والإعاقة و حتى في الحروب.
تشرح منسقة الحماية الإجتماعية في مركز العلوم الإجتماعية للأبحاث التطبيقية صبحية النجار في حديث لـ "مهارات نيوز" أن لبنان كان ليكون غير مُضطر لهذه المساعدات لو كان يملك فعلاً نظام حماية اجتماعية حقيقي. وتقول:" لو كان هنالك إدارة أزمات صحيحة لما كنا اليوم بحاجة إلى هبات، والمساعدات التي تتدفق اليوم تُعيدنا إلى نفس الدوامة، حيث تعتمد مقاربة الإحسان وليس مقاربة مبنية على أساس أن الحماية الاجتماعية حق من حقوق المواطنين والمواطنات فمن غير المعقول أن لا نكون قادرين كدولة على تأمين أقل حاجات المواطن في ظل هذه الأزمة، غير أن المساعدات لا تُوزع بشكل عادل".
تكلمنا كثيرًا قبل الحرب عن أهمّية الحماية الاجتماعية في مختلف مراحل الحياة تقول النجار، لا سيّما لحماية الأفراد من المصاعب والأزمات الحياتيّة، "فكيف إذا كنا بسياق حرب كالتي شهدها لبنان،الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي هم عمود فقري لأي دولة تحترم مواطنيها، وتشكّل صمّام الأمان بظلّ السلم والحرب".
وتضيف النجار بأن المواطنين لديهم نقص في المعرفة حول الحماية الاجتماعية، "فدائمًا ما نُسأل هل هي "إعاشة"؟ فهم ليسوا مُعتادين على فكرة وجود نظام وبرامج وسياسات يمكن للدولة القيام بها لمساعدتنا منذ ولادتنا حتى مماتنا".
بالرغم من أن الحماية الاجتماعية تُعتبر ضرورة لعموم المواطنين، إلا أن أهميتها تتزايد عند الفئات المُهمّشة لاسيما ذوي الاعاقة، فهم تاريخيًا أكثر ضحايا الازمات وتحديدًا الحروب. وحول هذه النقطة تؤكد النجار أن هذه الفئة مُستضعفة، ورغم المخصصات التي عملت الدولة على تأمينها كبرنامج أمان وغيره، لم يستطيعوا توفير حاجات الناس. وحتى في فترة ما قبل الحرب لم يتم العمل على قوانين خاصة بهم. "فنحن ننتظر المصيبة لكي نتحرك". وهذه المساعدات غير كافية فأولاً هي لا توازي حجم الفاجعة والنزوح والتدمير، كما أنها تساهم بتقويض ما تبقى من دور الدولة، والضمان والحماية الاجتماعية التي نحلم بها.
بدوره يشرح مؤسس جمعية مؤشرات تنموية فايز عكاشة لـ "مهارات نيوز" أن حاجات ذوي الإعاقة في لبنان حاجات قديمة ومُستمرة منذ ما قبل الحرب، ولكنها تفاقمت في هذه الظروف، ومنها الحاجات الأساسية التي تُؤمن لذوي الإعاقة العيش بأمان، هذا فضلًا عن الحاجة لرعاية نفسية حقيقية بسبب كل ما تعرضوا له.
ويعاني ذوي الاعاقة بحسب عكاشة من أن أماكن الإيواء التي يتواجدون بها غير مناسبة كليًا لوجودهم ولا تراعي خصوصية أوضاعهم. "دائما ما نسمع ويتم الحديث عن هذه التحديات وأنها سيتم تضمينها ضمن الخطط ولكن وقت التنفيذ لا نراها".
ويضيف عكاشة: "نحن كمؤسسة وناشطين نحاول المساعدة ونرفع الصوت ونقيم التحالفات والحملات ولكننا نصطدم بالكثير من التحديات. نحن نعمل ميدانيًا ونتواصل مع الجمعيات المعنية ومؤسسات الرعاية الصحية والمستوصفات ونحاول تأمين الحاجات الأساسية (كالفرشات أو كراسي خاصة للحمامات) ولكن الأمر صعب لضعف الإمكانيات".
وحول رأيه ببرامج المساعدات التي أُطلقت لمساعدة ذوي الاعاقة يقول عكاشة "بحصة بتسند خابية" ولكن الحاجات كثيرة والمبلغ بالتأكيد غير كافي ونأمل بالمزيد".
إستراتيجية لم تؤت ثمارها
تعتمد الدول والحكومات في العالم غالبًا مأسسة مفهوم الحماية الاجتماعية من خلال إقرار القوانين والتشريعات التي تكفل شبكة أمان حقيقية للمواطنين، وتجنبهم الزبائنية والارتهان إلى أي جهة. وفي السياق تنادي العديد من الجهات المعنية المحلية والدولية ومنذ سنوات بضرورة تفعيل الحماية الاجتماعية في لبنان وأن لا تكون كلام بلا أفعال. تنامت هذه الأصوات مع تدهور الوضع الاقتصادي نهاية العام 2019 والمآسي التي عاناها اللبناني مع انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وعليه وضعت الحكومة اللبنانية الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية وهي وثيقة وطنيّة هدفها تمكين الحكومة وجميع الجهات المعنية في لبنان من الإستجابة إلى الأزمات المتشعبة التي يواجهها البلد حاليًا، حيث تقترح رؤيةً وخارطة طريق نحو إصلاح قطاع الحماية الاجتماعية بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتماسك الإجتماعي والإدماج الاقتصادي في المجتمع. وتشكل هذه الإستراتيجية معلما أساسيًا في إطار جهود الإصلاح الرامية إلى بناء نظام حماية اجتماعية يتسم بالفعالية والقدرة على المحاسبة والاستدامة المالية في موازاة الإصلاحات المالية والإقتصادية والإدارية الضرورية لتجاوز الأزمة وإعادة بناء قدرات الدولة.
ومن الغريب العلم بحسب النجار أن الدولة اللبنانية هي من طلبت كتابة الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية وفي الوقت نفسه تتعذر في تطبيقها. وكانت طلبت الدولة اللبنانية ممثلة في وزاراتها كتابتها بالتعاون بين اليونيسف ومنظمة العمل الدولية وتم إطلاقها أواخر العام 2023.
تعتمد الاستراتيجية، على 5 ركائز أساسية مترابطة في ما بينها من النواحي الإدارية والقانونية، والمؤسساتية والحقوقية، وتَوفّر هذه الركائز يتطلب جهدًا وزاريّا وحكومة إلكترونية لتسهيل المعاملات، ووقف السياسة الزبائنية المتبعة في الإدارات العامة. وتتمثل الركائز الخمس في:
1. المساعدات الاجتماعية.
2. التأمين الاجتماعي.
3. الوصول المالي إلى الخدمات (التعليم والصحة).
4. الإدماج الاقتصادي وتنشيط سوق العمل.
5. الرعاية الاجتماعية.
وتوضح النجار في هذا الموضوع أن:"تواجد مثل هكذا استراتيجيات أمرًا مهمًا في كل دول العالم، فهي سياسات تُشكل موضوع حقوق الإنسان وترعى الدولة مواطنيها من خلالها، وتضيف النجار:"هذه الإستراتيجية تمثل بصيص أمل نحو العدالة الاجتماعية، ولكن يجب تنفيذها بشكل صحيح".
وحول تحديثات الاستراتيجية، قالت وزارة الشؤون الاجتماعية أن آخر ما تم القيام به للتقدم في هذه الإستراتيجية هو تشكيل لجان من جميع الوزارات المعنية" وأضافت:"نحن قمنا بدورنا في ما يخص هذا الموضوع وبدأت وزارة الشؤون بتطبيقها من خلال البرامج التي عملت عليها، والمطلوب هو إلتزام باقي الوزارات بتطبيقها للمضي قدمًا بهذه الإستراتيجية".
برامج الحماية الاجتماعية
ركز إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار "3RF" الذي وضعته الأسرة الدولية مع المجتمع المدني والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي عام 2020، والذي جاء كجزء من الاستجابة الشاملة لانفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب 2020 على موضوع الحماية الاجتماعية، وعلى ضرورة مساعدة الفئات "الأكثر حاجة". وعليه أطلق لبنان ممثلا بوزارة الشؤون الاجتماعية عددًا من البرامج لمساعدة الأسر اللبنانية على الصمود. ووصل عدد المستفيدين بحسب آخر الأرقام إلى 166,772 أسرة لبنانية. فما هي هذه البرامج؟
من أهم هذه البرامج "برنامج أمان" ويستهدف 150 ألف عائلة ويرصد 20 $ لكل فرد من العائلة لغاية 6 افراد و 25 $ على العائلة كدفعة أساسية. أما برنامج «البطاقة التمويلية» فتعثر إطلاقه، لأن لبنان لم ينجح في إيجاد تمويل له.
ومن البرامج أيضًا يوجد "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً" وهو برنامج دائم في وزارة الشؤون وأطلق عام 2011 ووصل عدد الأسر المستفيدة منه إلى أكثر من 75,000 مستفيد حتى هذا العام، وتستمر الوزارة بتنفيذه بهدف استفادة عدد أكبر من الأسر التي كانت قد تسجّلت في مراكز الوزارة المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية.
يُذكر أن "برنامج أمان" هو الإسم الذي تمّ اختياره لبرنامج المساعدات الماليّة المخصّص للاسر اللبنانية بعد أن تم دمج المستفيدين من "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً" (بطاقة الشؤون) و"برنامج أمان" ويتم الدفع على 24 شهرًا وآخر هذه التحويلات كان من المقرر أن تبدأ في 25 تشرين الثاني 2024، على أن تستمر عمليّة تحويل الأموال لمدّة أسبوعٍ كامل بسبب العدد الكبير من المستفيدين.
وكان آخر هذه البرامج، "البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة" الذي أطلقته وزارة الشؤون الاجتماعية سنة 2023 بالشراكة مع اليونيسف ومنظمة العمل الدولية وبتمويل من الإتحاد الأوروبي. ويهدف البرنامج الى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة لمواجهة التكلفة الإضافية للإعاقة وتسهيل وصولهم إلى الخدمات الأساسية المطلوبة. سيستفيد من هذا البرنامج ما لا يقل عن 20,000 شخص من بدلٍ شهريٍّ قدره 40 دولاراً أميركياً لكل شخص خلال فترة أولية مدّتها 12 شهراً. ويحصل على البدل الشهري الأشخاص الذين يحملون بطاقة المعوّق الشخصية لـ تأمين حقوق المعوقين الصادرة عن وزارة الشؤون الإجتماعية، التي تدير سجلاً رقميًا لجميع حاملي البطاقات، لتسهيل وصولهم إلى مجموعة الخدمات.
وفي أخر التحديثات عقد وزير الشؤون الإجتماعية هيكتور حجار مؤتمر صحفيًا أوضح فيه آخر الخطوات التي قامت بها الوزارة للمساعدة واعلن حجّار عن "تخصيص مبلغ 450 مليار ليرة لبنانيّة (ما يعادل 5 ملايين دولار تقريباً) للمرّة الأولى، يُصرف للمساعدات الإجتماعيّة الطارئة من الميزانيّة المخصّصة لوزارة الشؤون الإجتماعية للعام 2024. سيوفّر هذا المبلغ تحويلاً نقدياً لمرة واحدة، بقيمة ما يعادل ال 100 دولار أميركي لكل الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يحملون بطاقة إعاقة شخصيّة غير منتهية الصلاحيّة، ما يترجم إلتزام الدولة اللبنانية بتأمين الحماية الاجتماعية لمواطنيها". وعلى صعيدٍ متّصل، أعلن حجّار عن مساعدة نقديّة طارئة لمجموعة من الأسر المستفيدة من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً من ضمن الموازنة العامة للوزارة بقيمة 150 مليار ليرة لبنانية.