Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

Wikipedia Banque Du Liban BDL 1200X802
هل السماح للبنوك بالإقراض أمر قانوني؟
28/02/2025

في زحمة الأحداث المتلاحقة التي شهدها لبنان خلال الفترة الماضية، أصدر مصرف لبنان تعميماً في 13 كانون الثاني 2025، يُلزم المصارف بتمويل أي تسليفات مستقبليّة من "الودائع الجديدة"، من دون المسّ بما تبقى من سيولة متأتية من "الودائع القديمة". ولكن الخبير الإقتصادي منير يونس رأى عبر حسابه على منصة إكس أن "السماح للبنوك بالإقراض هو أمر غير قانوني وموجّه ضد المودعين ولمصلحة البنكرجية، وأن البنك الذي لديه ما يقرضه عليه منح المودعين حقوقهم أولاً".

 

فهل فعلاً السماح للبنوك بالإقراض أمر قانوني؟ 

 

تضمّن التعميم الجديد الذي حمل رقم 723، تعديلات على القرار الأساسي رقم 7776، الذي ينظّم عمليّات "التسليف والتوظيف والمساهمة والمشاركة". إذ أضاف مصرف لبنان على هذا القرار مادّة تحظر "على المصارف والمؤسّسات الماليّة العاملة في لبنان منح عملائها قروضًا أو تسهيلات جديدة من أي نوع كانت، بالدولار الأميركي، من غير الأموال النقديّة، وفقا للتعریف الوارد في القرار الاساسي رقم 13548 تاریخ 19/4/2023 (عمليات التسویة الالكترونیة العائدة "للاموال النقدیة") المرفق بالتعمیم الاساسي رقم 165. 

أي أنّ خلاصة هذا التعميم، هو السماح للمصارف بإعطاء قروض لعملائها، ولكن من الأموال النقدية المنصوص عنها في التعميم 165، أي من الأموال النقدية التي حوّلـت من الخارج و/أو تـم تلقيهـا اوراقـاً نقديـة (banknotes) بـالعملات الاجنبيـة بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 بحسب ما ينص عليه التعميم 165.

ولكن وفي ظلّ استمرار إشكالية أموال المودعين، يطرح هذا التعميم العديد من التساؤلات التي سيتم معالجتها تباعا. 
 


 

تفاصيل التعميم 

تعليقاً على ما ورد في منشوره على منصة إكس، يقول الخبير الإقتصادي منير يونس، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، عندما يتخلّف مصرف عن السداد يُفترض أن يتحول إلى الهيئة المصرفية العليا للنظر بأوضاعه وهذا ينطبق على معظم المصارف القائمة حالياً لأنها متوقفة عن السداد. وهي تلتزم بإعطاء السحوبات بتعاميم غير قانونية أصلاً، فعند وجود تقنين للسحوبات والتحويلات يعني أننا بحالة "الكابيتال كونترول" ولكن قانون "الكابيتال كونترول" غير موجود، ما يعني بالتالي أن ما يمارسه مصرف لبنان هو "كابيتال كونترول" غير قانوني.

 

ويشرح أن القانون 2/67 في لبنان يرعى حالة التعثر المصرفي، الذي يحتاج تطبيقه إجراءات مختلفة عما يحصل اليوم، إذ كان من المفترض أن يتم عرض المصرف المتعثر على الهيئة المصرفية العليا وتعيين مدير مؤقت عليه لإدارته لمتابعة مصالح المودعين التي تأتي بالدرجة الأولى قبل مصالح المساهمين وفقاً للقانون. كما وأنه في حالة تعثر أي مصرف عن الدفع يتحول المال المتبقي تلقائياً ملك للمودعين. 

 

وبالعودة إلى المادة 2 من  القانون 67/2 والمخصص لإخضاع المصارف المتخلّفة عن الدفع لأحكام خاصّة، أنّه في حال لم يتم ايجاد التقييم والحلول التي تضمن حقوق المودعين يتمّ إنشاء، بموافقة المحكمة، شركة او شركات جديدة تحل محل الشركة المصرفية السابقة وان تحدد شروط انشائها وتعين انواع اسهمها وكيفية اسهام الدائنين وغيرهم من اصحاب الحقوق في الشركة او الشركات الجديدة.

 

وتتألف هذه الشركة من العديد من الفئات أصحاب الحقوق، من ضمنهم  بشكل أساسي المودعين وأصحاب ديون المصارف الذين يشكلون المساهمين من الفئة الاولى ويعطى كل منهم اسهما بنسبة دينه على اساس تخمين الهيئة لقيمة موجودات المصرف.

أي أنّه وبالعودة للقانون وللمطالب الدولية بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وضرورة اقرار الكابيتال كونترول لإعادة الانتظام المالي في لبنان، لابد من إعادة هيكلة القطاع المصرفي وايجاد حل لأموال المودعين من ثمّ الانتقال للخطوات التي تعيد النشاط للمصارف في لبنان.


 

مسؤولة قسم الإقتصاد في المدن عزة الحاج حسن، تلفت في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن هذا التعميم يعطي الحق للمصارف بإعطاء تسليفات محصورة بالأموال الجديدة "الفريش"، وكان مصرف لبنان قد حددها في تعاميم سابقة وهي كل الأموال التي توضع أو تتحول نقداً منذ بداية الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، وألزمهم بموجب هذا التعميم وضع احتياطات بما يوازي التسليفات التي يقدمونها بما يضمن حق السداد أو حق المودعين الجدد.

أي أن هذا التعميم فرض شيئاً رديفاً لما كان سائداً سابقاً ولكن بطريقة مستحدثة، أي ان الودائع التي كانت بالدولار قبل 17 تشرين أصبحت "لولار"، وكل الأموال بالعملات الأجنبية التي دخلت النظام المصرفي بعد 17 تشرين الأول أصبحت ودائع "فريش"، كذلك الأمر في ما يخص القروض كان هناك قروض قديمة عليها اشكالات، اليوم أصبح لدينا قروض جديدة "فريش".

 

وتضيف الحاج حسن أن مصرف لبنان قد كوّن إذا إذا نظام جديد يقوم على ودائع جديدة، على قروض جديدة وعلى آلية جديدة للتبادل. وكل ذلك حصل على حساب كل ما سبق فلا تزال الودائع القديمة والقروض القديمة عالقة ولم يتم حلّها وفتحنا صفحة جديدة مع المصارف.

وبحسب مصرف لبنان فإن الغاية من هذا التعميم إستعادة جزء من العمل المصرفي وتنشيط الإقتصاد والتسليف ولتحريك القطاعات الإنتاجية. ترى الحاج حسن أن هذا الأمر جيد طبعاً ولكن يتم بناءه على حساب ملف متوقف غير منجز بعد وعلى حقوق مودعين لم يتم البت فيها بعد.

 

وتلفت الحاج حسن إلى أن التعميم بشكله العام لا يمكن القول عنه إنه غير قانوني ولكنه وك;ل التعاميم التي سبقته تجاوزت كل المخالفات القانونية على مدار خمس سنوات. وقبل مناقشة قانونية هذا التعميم، لا بد من التذكير بأن تنشيط عمل المصارف واستمرارية عملها غير قانوني، بدءاً من اليوم الذي تخلفت فيه عن الدفع واستمرت بالعمل، فيما كان يجب أن تُتخذ بحقها الإجراءات القانونية، وبالتالي فلترتها وتصنيفها وفق أي من المصارف يمكنه الإستمرار. ولكن الذي حصل أن جميع المصارف استمرت بالعمل رغم تعثرهم ومخالفتهم لكل القوانين، وجاء مصرف لبنان وأصدر هذا التعميم لإعادة ضخ الحياة في الإقتصاد اللبناني وإن كان جزئياً ولتسيير عمل المصارف.

 

المصارف تريد ضمانات 

تشير الحاج حسن إلى أن التعميم 723 لم يؤمن الضمانات اللازمة للمصارف، إذ لا قانون يجبر المستدين اليوم أن يعيد الأموال بال"فريش" كما أخذها، وكانت المصارف قد طالبت بتشريعات تضمن لها أن تستعيد القرض بنفس قيمته بالدولار ولكن هذه التشريعات لم تصدر من مجلس النواب، وبالتالي يمكن للزبون أن يقترض بالدولار ومن ثم اذا تغيّر سعر الصرف يمكن أن يرده للمصرف بالعملة المحلية.

 

وهذا ما يؤكده أيضاً الخبير الإقتصادي أنطوان فرح في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، ويرى أن هذا التعميم ليس له قيمة فعلية على الأرض، إذ أن المصارف لن تبدأ بإعطاء القروض قبل صدور قانون من مجلس النواب يفرض على المستدين أن يعيد القرض بالعملة نفسها، وبالتالي يمكن لذلك أن يسبّب خسائر كبيرة للمصارف في حال تغير سعر الصرف مثل ما حدث في العام 2019.

 

ويؤكد فرح، أنه لو تمّ التعاطي مع الإنهيار منذ اللحظة الأولى بإتخاذ إجراءات وفقاً للمعايير العالمية مع إجراء الـ "كابيتل كونترول" ولو تمّ وضع خطة وتنفيذها سريعاً، لما كنا وصلنا إلى إشكال الأموال الـ"فريش" والأموال القديمة. ولكن للأسف تمّ التعاطي بعشوائية والأموال التي كانت موجودة تمّ هدرها بقرارات مشتركة من مصرف لبنان والدولة اللبنانية سواء بالدعم أو بإعادة القروض الدولارية بالليرة اللبنانية، وبالتالي هناك خسائر كبيرة تعرّض لها المودع القديم قبل الازمة.


 

إذاً فإن الإشكالية المطروحة صحيحة جزئيا، إذ في الشكل يستطيع مصرف لبنان إصدار التعاميم التي تنظّم عمل المصارف وعلاقتها مع العملاء، ولكن في المضمون وكما كل التعميمات السابقة يعتبر غير قانوني، إذ يصدر هذا التعميم(723) كما سابقه من التعاميم من دون اجراء اعادة هيكلة واضحة للقطاع المصرفي ومن دون اقرار قانون الكابيتال كونترول في ظلّ غياب تام لتنفيذ خطة تعافي مالي ورؤية اقتصادية تحمي أموال المودعين وتعيد الحياة للقطاع المصرفي.