يشهد العام الدراسي تحدّياً كبيراً في لبنان للسنة الثانية على التوالي بعد أن قرّرت معظم المؤسّسات التربوية اعتماد نظام التعليم عن بعد، نتيجة ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد وإلتزاماً بقرار وزارة التربية والتعليم العالي.
وقرّرت نهى وهي والدة لطفل في الثامنة من عمره عدم تسجيله في المدرسة "لعدم تمكّنه من فهم الدروس عبر الانترنت، ما أتعبه نفسياً وجعله يشعر بأنّه أقلّ ذكاء من أقرانه".
وتقول نهى لـ"مهارات نيوز": "قرّرت عدم تسجيله في المدرسة هذه السنة، إذ لا فائدة من ذلك سوى هدر الوقت والمال، على أن أقوم بتعليمه في المنزل". فيما يقول طفلها إنه يواجه صعوبة في فهم الدروس عن بعد، خصوصاً مادة الرياضيات، ما عرّضه للسخرية من قبل زملائه.
تتفاوت امكانيات العائلات وكذلك المدارس في التأقلم مع نظام التعليم عن بعد.
وتؤكّد اتفاقية حقوق الطفل أنّه "من مصالح الطفل الفضلى تلقيه تعليماً جيداً". وتنصّ على وجوب أن "تراعي جميـع التـدابير والإجراءات، المتعلقة بطفل بعينه أو مجموعة من الأطفال بذاتها، مصالح الطفل أو الأطفال الفضلى في مجال التعليم". وتشدّد على أهمية أن "تراعي أيضاً كون التعليم لـيس اسـتثماراً في المستقبل فحسب، بل فرصة أيضاً لمزاولة أنشطة بهيجة، والحظوة بـالاحترام، والمـشاركة، وتحقيق الطموحات".
إلا أن تفشي وباء كوفيد-19 قلب كل شيء رأساً على عقب. وتكشف مديرة مدرسة المواطن في منطقة برج حمود مهى السباعي لـ"مهارات نيوز" أنّ عدداً من الأهالي امتنعوا عن تسجيل أطفالهم لاعتبارهم أنّ النظام الجديد المُتبّع لا يُجدي نفعاً ومكلف خصوصاً بالنسبة إلى أصحاب الدخل المحدود.
وتتحدّث السباعي عن تفاوت ملحوظ في المستوى المعيشي لبعض الأسر، إذْ أن حوالي ٣٠٪ من العائلات غير قادرة على تغطية نفقات الإنترنت أو حتّى شراء حاسوب لأطفالها لمتابعة الدروس، وسط أزمة الدولار الناتجة عن تردّي الأوضاع الاقتصادية.
وانعكس هذا الواقع سلباً على الأطفال في مدرستها، لا سيّما في الصفوف الأولى حيث يحتاجون الى الكثير من المساعدة والتدريب خلال هذه المرحلة الأساسية. ودفع ذلك إدارة المدرسة إلى إعادة فتح أبوابها مع اتخاذ كافة التدابير الوقائية لحماية التلامذة وسلامتهم.
ويثير نمط التعليم الجديد تحديات على مستوى جهوزية المدارس إن كان على الصعيد الاقتصادي أو التقني، وقدرة الأطفال على استيعاب الدروس واتمام الواجبات المدرسية عن بعد.
وعلى الرغم من أن معظم الأطفال لا يحبّذون الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة، إلاّ أنّ وجود الأصدقاء والجو العام الذي تخلقه المدرسة يُشجّعهم على التواجد فيها. وجاءت جائحة كورونا لتبعدهم عن بيئتهم التقليدية فباتوا يتلقّون المعلومات بإستخدام التكنولوجيا التي لا يُحسن معظمهم أو يجهل استعمالها.
ويشدّد المعالج النفسي جوزيف يعقوب على ضرورة "تفهّم تقلبّات الطفل خلال المرحلة الراهنة والعمل على توضيح الأفكار له، كي لا يشعر نفسه مستبعداً بشكل كامل عن العالم الذي اعتاد عليه".
ويشير إلى أهمية دور الأهل في هذا الإطار، عبر إعادة شرح الدروس وتبسيطها، كما طلب المساعدة النفسية أو التربوية إذا تطلّب الأمر.
وتخشى ليال قطايا، وهي أمّ لطفلة في المرحلة الإبتدائية تبلغ من العمر سبع سنوات، من أن ينعكس التعليم عن بعد سلباً على مستوى ابنتها. وتقول لـ"مهارات نيوز": "للتعلّم عن بعد إيجابياته وسلبياته، إذْ لاحظت تطور مهارات طفلتي التقنية، غير أنّ مستواها الأكاديمي تراجع خلال الفترة الأخيرة، مّا جعلني أفكّر بأن تعيد صفّها إلاّ أن ذلك قد يدمّرها نفسياً وهذا أكثر ما أخشاه".
وتقرّ المدرّسة في المرحلة الابتدائية تانيا عساف بأنّ التعليم عن بعد يُعتبر فعّالاً بالنسبة للراشدين، إذ من السهل ضبطهم وفرض النظام في قاعد التدريس، لكنّ الأمر يختلف تماماً بالنسبة للأطفال، خصوصاً من هم في المراحل الأولى، حيث من الصعب جداً ضبطهم وكسب تركيزهم عن بعد.
واضطرها هذا الواقع إلى بذل جهد إضافي خلال السنة الدراسية الماضية لإيصال المعلومة إلى الطفل في حين يبدو وكأنه غير معني بالأمر نتيجة تواجده في المنزل ولمدّة طويلة، الأمر الذي أرهقه نفسياً وانعكس بالتالي على دراسته.
ورغم الصعوبات التي تواجهها، نجحت التلميذة (ج.ج.) وهي في الثانية عشرة من عمرها وتتابع دروسها في مدرسة العناية في منطقة البوشرية، في التأقلم مع نظام التعليم الجديد.
وتقول "ما زلت أجهل كيفية إستعمال الحاسوب بشكل عام، إلاّ أنّني أتلقّى دروسي بشكل جيّد، لكن مشكلة الإنترنت وإنقطاع الكهرباء هما العائق الأساسي". وتتابع "أفضّل الأونلاين على التواجد في المدرسة مع العلم أنّني أشتاق لرفاقي وللمعلمات، ولكن هذا أفضل بكثير، إذ يصعب في الصف ضبط التلاميذ الذين يقومون بالتشويش".
وتختم "على الرغم من رداءة الإنترنت إلاّ أنّني أفهم الدروس بصورة أوضح وعلاماتي جيّدة حتّى اليوم".
تم انتاج هذا التقرير ضمن برنامج تدريبي لصحافيين شباب، نظمته مؤسسة مهارات مع اليونيسف.
محتويات هذه المادة الصحافية مسؤولية مؤسسة مهارات ولا تعكس بأي حال آراء اليونيسف.
TAG : ,child rights ,unicef ,اليونيسف ,حقوق الطفل ,التعليم عن بعد