وُضعت أوّل خطة للتحوّل الرقمي تحت اسم "استراتيجية الحكومة الإلكترونية" عام 2008 خلال تولي الوزير جان أوغاسابيان وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. ثّم طوّرت الوزير عناية عز الدين خلال توليها الوزارة هذه الاستراتيجية عام 2018 ليصبح اسمها "استراتيجية التحول الرقمي للحكومة". وفي عام 2019 استلمت الوزيرة مي شدياق هذا المنصب الوزاري وقامت ببعض التعديلات على الاستراتيجية ووضعت خطة تنفيذية لها، وحاليًا هي بعهدة الوزير دميانوس قطّار.
والجدير ذكره، أنه منذ عام 2008 حتى عام 2020 تراجع ترتيب لبنان في مؤشر الحكومات الإلكترونية من المرتبة 74 إلى المرتبة 127، كما تراجع ترتيب لبنان بشكلٍ كبير في مؤشر المشاركة الإلكترونية في المدّة الزمنية ذاتها من المرتبة 28 إلى 148. فأين أصبحت "استراتيجية التحول الرقمي" التي مضى عليها أكثر من 10 سنوات، وأين وصلت؟
تعاقب الوزراء
خلال توليها لوزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، طوّرت الوزيرة عز الدين استراتيجية الحكومة الإلكترونية التي عمل عليها الوزير السابق جان أوغاسابيان عام 2008 وقدمتها إلى مجلس الوزراء تحت اسم "استراتيجية التحول الرقمي للحكومة"، الا ان الخصومات السياسية حالت دون التصويت عليها، ورفض وزير المالية حينها علي حسن خليل الموافقة على طلب القرض الذي تقدمت به الى البنك الدولي طالبًا المزيد من التفاصيل للموافقة عليه. بعدها لم يحصل أي تطور في هذا الملف.
في عهدة الوزيرة شدياق تم وضع خطة تنفيذية للاستراتيجية تقوم على تنفيذ مشاريع للوصول إلى حكومة إلكترونية، وتقسّمت هذه المشاريع بين المكننة في الضمان والمالية، وربط كل المؤسسات الرسمية ببعضها البعض، ومكننة المعاملات ليصبح المواطن قادرًا على تنفيذها من المنزل، الى تشجيع الاستثمارات عبر تسهيل معاملات الشركات للأفراد المحليين والمستثمرين الخارجيين. كما تمت إضافة التكلفة المالية لكل مشروع في هذه الخطة.
بهدف ربح الوقت وتسليم ملف كامل للاستراتيجية قامت الوزيرة شدياق بمفاوضات مع البنك الدولي، أُصدرت بعدها سلسلة ملاحظات وتم التأكيد على أن الدولة اللبنانية غير قادرة على تمويل هذه الاستراتيجية وأُنشأت لجنة ضمت البنك الدولي والوزارات المعنية بهدف مناقشة التفاصيل.
وعند هذه النقطة، أنهت وزارة الدولة للشؤون الإدارية الملف الكامل لاستراتيجية التحول الرقمي للحكومة، وضمت: الاستراتيجية والخطة التنفيذية والمشاريع التي تضمنتها الخطة والمبلغ المطلوب لتمويلها وقبول البنك الدولي بتنفيذها.
قدّمت الوزيرة شدياق الخطة النهائية في جلسة مجلس الوزراء قبل أسبوعين تقريبًا من بداية تحركات 17 تشرين 2019، ولكن مع استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري توقفت الخطة قبل أن يصوت عليها مجلس الوزراء.
بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حسّان دياب، استلم الوزير دميانوس قطّار زمام الأمور وسلّمته الوزيرة شدياق كل الملفات والأوراق وآخر ما توصلت إليه هذه الاستراتيجية، مؤكدةً له أن الاستراتيجية حوّلت إلى مجلس الوزراء ويتبقى فقط التصويت عليها.
ولكن بدا أن الوزير قطّار غير مستعجلٍ، إما بسبب أولويات أخرى أو أنه لا يزال يقوم بقراءة الاستراتيجية ودراستها، وأوضح مدير مكتب الوزارة رامي جبور الذي تابع مسيرة الوزيرة شدياق وعمل بضعة أشهر مع الوزير قطّار قبل أن يغادر، لـ" مهارات نيوز"، أن "آخر ما أعلمه أنه كان لديه بعض الملاحظات الصغيرة".
وأكد أنه "منذ استلام الوزير قطاّر الوزارة إلى حين استقالة حكومة دياب لم تُطرح ولا مرّة الاستراتيجية على التصويت".
التطبيق بالمشروع وليس "بالجملة"
في دولة تعمل مؤسساتها بشكلٍ متتابع، من المفترض أن يتم تنفيذ الاستراتيجية كاملةً وفق التسلسل الموضوع لها، ولكن بسبب تعاقب الحكومات في لبنان وتعدد الآراء والخلافات السائدة يتم تنفيذ بعض المشاريع من الخطة وليس كلها.
لهذا بدأ تطبيق بعض المشاريع بشكلٍ بسيط خلال تولي عز الدين الوزراة وعند تسلًم شدياق قامت بتنفيذ المزيد من المشاريع بالتوازي مع التعديلات والإضافات التي كانت تقوم بها.
ومن أكبر المشاريع التي سهلت البدء بتنفيذها هي "مكننة السجل التجاري" لتبسيط الإجراءات، الذي كان قد تمت عرقلته لأسباب "سخيفة" ومن المفترض أن يكون قد شارف على نهايته لأنه كان قد وضع له سنتين لإنهائه، وهو ممول من البنك الدولي وتابع لـ"مؤسسة التمويل الدولية" بحسب جبّور. ومن مميزات هذا المشروع أنه يسهل عملية تسجيل الشركات ومتابعة وضعها القانوني، وتعبئة كل الاستمارات المطلوبة أونلاين بدلًا من الحضور شخصيًا إلى الوزارات المعنية.
وأيضًا استكملت شدياق مشروع "مكننة المحاكم التمييزية" الذي واجه بعض العراقيل وكان الهدف بعدها الانتقال إلى المحاكم الأخرى.
وبدأ تنفيذ مشروع "مكننة الأوراق الرسمية في وزارة الاقتصاد والتجارة" بعد موافقة الوزارة وتم تمويل المشروع.
كانت لا تزال هناك مشاريع قيد الانتظار بسبب الخلافات السياسية القائمة في المؤسسات والوزارات المعنية أو بسبب انتظار الحصول على التمويل ومنها "مكننة وزارة الاقتصاد وارشيفها"، "مكننة الضمان الاجتماعي" لتسهيل إنجاز الأوراق عبر المنصة.
العرقلة بهدف التستر!
يفضح هذا التحول الرقمي معظم الوزارات والمؤسسات، فمن جهة يحد من الفساد والهدر المستشري بها وفي طليعتها التوظيفات العشوائية، كما يبسط الإجراءات، "فبدل مرور المعاملات على 20 مكتبًا تمر على مكتبين فقط"، ونتيجةً لذلك تنخفض حالات الرشاوى بشكلٍ أكبر وتتسرّع عملية إنهاء المعاملات. كما تقلل من صلاحيات بعض المدراء والموظفين، وتفرض الشفافية والكثير من الأمور الأخرى التي لا يرضى بها معظم العاملين في الوزارات قبل الوزراء.
وقال جبّور "هذا المشروع يحمل الكثير من الأموال لهذا يريد الجميع أن يكون له الدور الأكبر فيه. المشكلة ليست تقنية كما يروج البعض ولكن المشكلة الحقيقية هي أن كل جهة تريد الاستفادة من هذه المشاريع للربح الخاص".
بالإضافة إلى عدم تعاون عدد كبير من الإدارات الرسمية والوزارات مع خطة وزارة التنمية الإدارية، تسود اليوم تحديات كبيرة مما يساهم بتأخير تنفيذ هذه الاستراتيجية، وعلى رأسها مغادرة عدد من موظفي وزارة التنمية التي هي في الأصل وزارة صغيرة ومعظم موظفيها كانوا تابعين سابقًا للـ UNDP وكانوا يتقاضون أضعاف ما يتقاضونه الآن إذ لم يعودوا محسوبين على الـ UNDP.
ولم يعد من أولويات البنك الدولي في لبنان تمويل استراتيجية التحول الرقمي لأن الأوضاع الراهنة تفرض أولويات أخرى كمعالجة أزمة الصحة والتغذية والفقر المستشري في لبنان مع تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
المديرية العامة لمجلس الوزراء..."متل الأطرش بالزفة"
نشرت المديرية العامة لمجلس الوزراء سلسلة من الإصلاحات العالقة، عارضةً جزءًا لا يتجزأ من تفاصيلها والخطوات المتبقية منها ولكن على ما يبدو "ما بتعرف شي" وأكد جبور أن الخطوات المتبقية التي عرضتها في الجدول غير صحيحة وهناك خطوات محددة ومفصلية لم تحدث بعد.
وعدد جبّور الخطوات الفعليّة المتبقية:
1- تبني مجلس الوزراء الاستراتيجية والتصويت عليها وعلى خطتها التنفيذية. (لا يجتمع مجلس الوزراء حاليًا، لهذا ستنتظر إلى حين تشكيل حكومة جديد أو انعقاد اجتماع طارئ لحكومة تصريف الأعمال)
2- موافقة وزارة المال على القرض المقدم للبنك الدولي وإعادة المفاوضات معه.
3- إصدار قانون من مجلس النواب من أجل تسيير القرض. (القرض بحاجة إلى قانون وليس لمرسوم مما قد يأخذ سنتين)
4- توزيع المشاريع على الوزارات لتبت كل واحدة منها مناقصات مع البنك الدولي من أجل تلزيم المشاريع لشركات معينة وتبقى لمدة سنتين تقريبًا.
وفي حال بدأت هذه الخطوات الآن وهو غير ممكن بسبب الظروف الراهنة قد تأخذ ما يقارب الخمس سنوات لإنهاء الخطة.
إذًا، اليوم أصبح مصير استراتيجية التحول الرقمي للحكومة شبه مجهول، مع تفاقم الصعوبات المالية والتقنية التي تضمن سير عمل هذه الاستراتيجية، وأصبح تنفيذ هذه الخطة مهمة شبه مستحيلة في الوضع الحالي إلى حين تحسن الأوضاع والخدمات في لبنان. والتساؤلات المشروعة، لماذا لم يقم الوزير قطّار بدوره في الدفع نحو تنفيذ المشاريع الأساسية إلى حين التمكن من ضمان تنفيذ الاستراتيجية كاملةً؟ وما هي الأسباب الحقيقية خلف الاعتكاف عن عرضها على مجلس الوزراء خلال السنتين الماضيتين؟
TAG : ,وزارة الشؤون للتنمية الإدارية ,مجلس الوزراء ,تحول رقمي ,حكومة الكترونية ,حوكمة