Loading...
false

غير صحيح

القضاء اللبناني
هل يمكن تخصيص منصب قضائي لطائفة معيّنة؟
11/06/2025

دار خلاف سياسي بين وزير العدل عادل نصّار ورئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية تعيين نائب عام مالي جديد، فالأخير يصرّ على تسمية زاهر حمادة لإشغال المنصب على اعتبار أن هذا المنصب هو للطائفة الشيعية عرفا وبالتالي يحق للثنائي الشيعي تسميته، أما نصّار فيعارض هذا المنطق الطائفي في إجراء التعيينات في المراكز القضائية.

 

وقد أدّى هذا الخلاف إلى مواقف سياسية على مواقع التواصل الاجتماعي حول عملية تعيين نائب عام مالي جديد خلفا للقاضي علي ابراهيم.

 

يأتي هذا النقاش في ظلّ اقرار الحكومة لمشروع قانون استقلالية القضاء بتاريخ 2 أيار 2025  كخطوة نحو تنظيم واستقلالية القضاء العدلي بعد سنوات من النقاشات والتوصيات بين مختلف أصحاب المصلحة. 

 

فهل يمكن تخصيص منصب قضائي لطائفة معيّنة؟

 

تنصّ المادة 18 من أصول المحاكمات الجزائية على أن يتم تعيين  النائب العام المالي بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل. ويتمتع النائب العام المالي، في حدود المهام المحددة له في هذا القانون، بالصلاحيات العائدة للنائب العام التمييزي.

 

أما من الناحية السياسية وبحسب المعلومات المتداولة على وسائل الإعلام، يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على تسمية القاضي زاهر حمادة لهذا المنصب إذ يعتبر هذا المنصب عرفا للطائفة الشيعيّة، ، بينما لا يوافق وزير العدل على تسميته. وهنا يذكر أن منصب النائب العام المالي يعتبر من أهم المناصب القضائية وهو يشغل اليوم العضوية الحكمية في لجنة التحقيق في مصرف لبنان، ورئاسة صندوق تعاضد القضاة.

 

بالعودة الى الدستور اللبناني فقد نصت المادة ٩٥ منه انه لا يجوز تخصيص اي مزكز لاي طائفة. وهذا ما اعاد ائتلاف استقلالية القضاء التذكير به في بيان اصدره اليوم بتاريخ 11 حزيران 2025 . 

 

ويعود هنا الحديث عن ملف استقلالية القضاء ولاسيما مشروع قانون استقلالية القضاء، والذي عبر الكثير من المراحل والنقاشات بين أصحاب المصلحة، أبرزها ما أصدرته لجنة البندقية في 20 حزيران 2022 من توصيات كان أهمّها، إرساء آليات ترشيح لتغليب اعتبارات الكفاءة والالتزام بعدم تخصيص أيّ مركز قضائي لأية طائفة عملا بالمادة 95 من الدستور اللبناني. 

 

إذا، ما يحصل اليوم يضرب عمق النقاشات والتوصيات الدولية في إطار تحقيق استقلالية الجسم القضائي في لبنان عن السلطة السياسية، وقد وصف ائتلاف استقلال القضاء ما يحصل بالخطير وبأن "الاستمرار في  التعاطي مع المراكز القضائية الهامّة على أنها حكر لهذه الطائفة أو تلك، إنما يشكل إمعانا في انتهاك الدستور وخروجا عن خطاب القسم والبيان الوزاري اللذين شّددا على اعتماد مبدأ المداورة، علاوة على كون هذا التخصيص الأداة الأكثر فعالية لتحويل المؤسسات العامّة إلى ما يشبه الإقطاعات السياسية خلافا لمبدأي الحيادية والكفاءة. وبالطبع، هذه الملاحظة تنطبق على مجمل التعيينات الحاصلة أو التي تحصل حاليا".

 

وأضاف الائتلاف أنّ "وضع اليد على النيابة العامّة المالية يعني تحصين الجرائم المالية، فالنيابة العامة المالية تختصّ في ملاحقة مجمل جرائم الفساد والاعتداء على المال العام. وعليه، من شأن  التمسّك بتعيين قاض موال للسلطة السياسية فيها يؤّدي إلى تحصين هذه الجرائم وتاليا هدر المال العام، في نهج يخشى أن يشكّل استمرارا للنهج المعتمد طوال العقود السابقة، والذي انتهى إلى إفلاس الدولة وتفقير المجتمع، في إحدى أكبر عمليات النهب المسجّلة عالميا".

 

وعليه طالب الائتلاف وزارة العدل بالتنسيق التام مع مجلس القضاء الأعلى بإرساء آلية للترشّح على منصب النيابة العامة المالية دون أي تمييز على أساس طائفي أو جندري واختيار المرشّح الأكفأ، واعتماد نفس المعايير في الترشح للمناصب القضائية الأخرى.


 

وفي هذا الاتجاه شرح المحامي طوني مخايل في حديث لـ"مهارات نيوز" أنّ "التعيينات في الوظائف العليا في لبنان، كمنصب المدعي العام المالي، تحمل دائما بعدين الأول سياسي-طائفي، والثاني قانوني-إداري. ويجب ان تأتي هذه التعيينات ضمن آليات واضحة تحدد دور الوزير المختص، مثل وزير العدل، في اقتراح الأسماء المرشحة، على أن يُصادق عليها مجلس الوزراء كونه صاحب السلطة النهائية في التعيين وبالتالي أي تجاوز للآليات القانونية، سواء بتخطي دور الوزير المختص أو بإقصائه من عملية الاقتراح، لا يُعتبر فقط خروجًا عن الأصول، بل يُعدّ ضربًا لمفهوم دولة القانون ودولة المؤسسات. هذا التجاوز يهدد مبدأ التضامن الوزاري الذي يُفترض أن الحكومة تعمل بموجبه كوحدة متكاملة، ويُضعف الثقة الممنوحة من البرلمان للحكومة ككل." 

 

وهنا يشير الأستاذ المساعد في القانون العام علي مراد في حديث لـ"مهارات نيوز" إلى أنّ "الطائفية في التعيينات هي إشكالية جديّة أمام العهد الجديد والحكومة الجديدة وهي كيف سيتعاملون مع اصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يختزل التعيينات بما يوافق عليه".

 

إذا، فان اشكالية تخصيص منصب قضائي لطائفة معيّنة غير صحيحة، إذ وبالعودة إلى الدستور وإلى التوصيات الدولية التي رافقت مناقشات مشروع قانون استقلالية القضاء العدلي من قبل الحكومة، لا يمكن تخصيص منصب قضائي لطائفة معيّنة لما يشكّله من خرق للدستور وخرق لمبدأ استقلالية القضاء ودولة المؤسسات.