Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

Tablets G7a396c63b 1920
هل تحمي أقراص "اليود" من الإشعاعات النووية التي قد تسببها الحروب؟
20/06/2025

مع انطلاقة الحرب بين إسرائيل وإيران يوم الجمعة 13 حزيران 2025، وتبادل الضربات الجوية بين الطرفين، ينشغل العالم منذ أيام بما ستؤول إليه الأمور من تطورات عسكرية وسياسية قد تغيّر وجه المنطقة.

 

هذه التطورات والخوف من توسّع الاشتباكات لتشمل دولا أخرى وعلى أهميتها، ليست كُل ما يشغل بال الناس، فالخوف الأكبر يكمن من تسرب الإشعاعات النووية خاصة مع استهداف إسرائيل لمنشات نووية ايرانية، وإمكانية أن ترد إيران بالمثل.

 

يؤكد الخبراء على ضرورة تجنب هذا النوع من الاستهدافات لما تحمله من مخاطر عالية ليس فقط على أطراف النزاع بل أيضًا على دول الجوار لاسيما في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط (ومنها لبنان).

 

تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومجموعات ال "WhatsApp" في لبنان منذ أيام رسائل تُقدم نصائح وتوصيات يجب اتباعها في حالة انتشار إشعاعات نووية. 

                         


  

هذه التوصيات "التي تُنشر طبعًا دون مصادر معتمدة رسمية داخلية أو دولية" تتحدث أيضًا عن أهمية تناول أقراص اليود كوسيلة حماية لمواجهة الإشاعات التي قد تنتشر في الهواء.

 

فهل تحمي أقراص "اليود" من الإشعاعات النووية التي قد تسببها الحروب ؟

يشرح استاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الدكتور اسماعيل عباس لـ "مهارات نيوز" أنه ورغم ازدياد المخاوف من تسربات إشعاعية قد يكون لها تأثير خطير على الصحة العامة والبيئة، ليس فقط في الدولتين المتحاربتين، بل في المنطقة بأكملها، بما في ذلك لبنان. إلا أن درجة التأثير تعتمد على نوع المواد المشعة المنبعثة، وخصائصها الفيزيائية، وطريقة تفاعلها مع البيئة ومع جسم الإنسان.

وبحسب عباس فإن من أبرز النظائر المشعة والتي يُحتمل أن تصل إلى لبنان هي اليود-131 (I-131)، السيزيوم-137 (Cs-137)، السترونتيوم-90 (Sr-90)، البلوتونيوم-239 (Pu-239)، التريتيوم (H-3). 

 

ومن الأخطار الرئيسية للتسرب النووي على صحة الإنسان، فان التعرض للإشعاع النووي يمكن أن يكون حادًا أو مزمنًا. في الحالات الحادة، تظهر أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، الإسهال، الحروق الجلدية، ضعف في الجهاز المناعي، نزيف داخلي، وقد يؤدي إلى الوفاة خلال أيام أو أسابيع حسب جرعة الإشعاع. أما في حالات التعرض المزمن، فتتزايد احتمالية الإصابة بالسرطان، خصوصًا سرطان الغدة الدرقية والدم والرئة، إضافة إلى تشوهات خلقية في الأجنة، واضطرابات نفسية وعصبية. كما توجد أضرار بيئية كبيرة حيث تؤثر الجسيمات المشعة المنتشرة في الهواء على نوعية الهواء وتنتقل لمسافات بعيدة بفعل الرياح. كما يؤدي التلوث الإشعاعي للتربة والمياه إلى جعل الأراضي غير صالحة للزراعة لعقود، ويهدد الأنهار والبحار والتنوع البيولوجي فيها. وتشهد النظم البيئية الطبيعية اختلالًا طويل الأمد بفعل موت الكائنات الحية النباتية والحيوانية.

 

وعليه يوصي عباس بضرورة تفعيل خطة الطوارئ الإشعاعية الوطنية بإشراف الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية ووزارة البيئة، مع وضع سيناريوهات استجابة مختلفة، تعزيز أنظمة الرصد والإنذار المبكر لمتابعة مستويات الإشعاع في البلاد، وتحديث البيانات بشكل مستمر، وإبلاغ المواطنين عند الحاجة، والتنسيق مع المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) لتبادل المعلومات الفنية وطلب المساعدة إذا لزم الأمر. بالاضافة إلى تجهيز المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.

 

أما فيما يخص اليود، يؤكد عباس أن تناول اليود غير المشع (Potassium Iodide - KI) يُعتبر وسيلة فعّالة لحماية الغدة الدرقية من نوع معيّن من الإشعاعات النووية، وتحديدًا من اليود المشع (Iodine-131) الذي قد يُطلق في الجو أثناء الحوادث النووية أو تسربات الإشعاع. يعمل اليود غير المشع على تشبع الغدة الدرقية باليود المستقر، مما يمنع امتصاص اليود المشع ويقلل بالتالي من خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية. لكن يجب أن يُؤخذ هذا الدواء في الوقت المناسب، أي قبل 24 ساعة أو خلال أول أربع ساعات من التعرض للإشعاع، حتى يكون فعالًا.

 

مع ذلك، فإن تناول اليود غير المشع لا يحمي من جميع أنواع الإشعاعات النووية، فهو غير فعال ضد نظائر مشعة أخرى مثل السيزيوم-137 أو البلوتونيوم، لذا لا يُعتبر علاجًا شاملاً لأي تسرب نووي. بالإضافة إلى ذلك، يجب تناول اليود تحت إشراف طبي وبتوصية رسمية من الجهات المختصة، لأن الجرعات تختلف حسب عمر الشخص وحالته الصحية، كما أن الأشخاص المصابين بأمراض في الغدة الدرقية أو الحوامل يحتاجون لمتابعة طبية دقيقة بعد تناوله.

 

أما بالنسبة للأعراض الجانبية، يضيف عباس أن تناول اليود دون حاجة أو بدون إشراف طبي قد يسبب مشاكل صحية مثل اضطرابات في وظيفة الغدة الدرقية، كفرط نشاطها أو خمولها، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون سابقًا من مشاكل في الغدة. كما قد تظهر ردود فعل تحسسية نادرة لكنها قد تكون خطيرة، مثل الطفح الجلدي، الحكة، أو ضيق التنفس. كما قد يعاني البعض من أعراض هضمية مثل الغثيان وآلام المعدة. ومن المهم التنويه إلى أن الأطفال وكبار السن هم أكثر عرضة لهذه الأعراض الجانبية.

 

لذلك، لا يُنصح بتناول أقراص اليود كإجراء وقائي أو تلقائي، ويجب التزام التعليمات الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة فقط. الاستخدام الخاطئ أو غير الضروري قد يؤدي إلى مضاعفات صحية لا حاجة لها، وعليه يجب أن يكون تناول اليود في حالات الطوارئ النووية فقط وتحت إشراف طبي.

 

بدوره رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية الدكتور بلال نصولي يقول بأن أغلب ما يُشاع من معلومات على وسائل التواصل هو كلام غير علمي، ويجب أن نؤكد أنه لا يمكن اتخاذ أي إجراء قبل القيام بالكشوفات اللازمة على مستوى الإشعاعات الموجودة في الهواء.

 

ويضيف نصولي لـ "مهارات نيوز" مطمئنا أن المستوى الإشعاعي في هواء لبنان هو في المستوى الطبيعي، وأن "لدينا 20 محطة لرصد الإشعاع المُبكر تصدر عنها تقارير ساعية تصل للهيئة. كما أن في إيران قد أخبروا الوكالة الدولية أن في المناطق التي قُصفت لا يوجد أيّ تلوث. كما أننا نتعاون مع  الهيئة العربية للطاقة الذرية التابعة لجامعة الدول العربية ولدينا ما يسمى الشبكة العربية للإنذار المبكر واجتمعنا افتراضيًا والجميع أكد عدم رصد أيّ شيء خطير".

 

بحسب نصولي وفي حالة حدوث أي اشعاعات خطيرة يوجد معايير دولية معتمدة وواضحة مقسمة على عدة مستويات، وكل مستوى من الإشعاعات له طريقة تعامل معينّة. كما أنه في لبنان "وهو ما لا يعلمه كثيرون" تم القيام بعديد المناورات والتدريبات حول هذه المواضيع والمخاطر. ووقع لبنان على معاهدات مثل معاهدة تقديم المساعدة في حالات الطوارئ الإشعاعية، ومعاهدة التبليغ المبكر عن وقوع حادث نووي.

 

أما بالعودة لليود فيؤكد أنه يُعطى للأشخاص القريبين جدًا من المفاعلات النووية وضمن هواء يحتوي بالحد الأدنى على 20 ألف بيكيريل (وحدة قياس النشاط الإشعاعي) بالمتر المكعب من اليود 131، وهذه نسبة كبيرة جدًا، فمثلا في لبنان وعند وقوع حادثة فوكوشيما تبين أن نسبة  اليود 131 في بيروت كانت فقط 0.8 بيكريل بالمتر المكعب.

 

إذًا فالسؤال حول هل تحمي أقراص "اليود" من الإشعاعات النووية التي قد تسببها الحروب هو صحيح جزئيا، فالبرغم من كون تناول اليود غير المشع (Potassium Iodide - KI) يُعتبر وسيلة فعّالة لحماية الغدة الدرقية من نوع معيّن من الإشعاعات النووية، إلا أنه في المقابل لا يحمي من جميع أنواع الإشعاعات النووية، وهو يُعطى فقط للأشخاص القريبين جدًا من المفاعلات النووية، وبالتالي لا يجب تناوله كإجراء وقائي أو تلقائي.