صحيح جزئياً
أقر مجلس النواب في جلسة 28 تشرين الثاني 2024 قانون تعديل المادة 45 من المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل) والإجازة للمكلفين بضريبة الدخل إعادة تقييم استثنائية لمخزونهم ولأصولهم الثابتة والى اعتماد معالجة استثنائية لفروقات الصرف الإيجابية والسلبية الناتجة عن الذمم المدينة والدائنة بالعملة الاجنبية وعن الحسابات المالية بالعملة الاجنبية. ويُجنّب هذا التعديل المكلفين من تحمّل ضريبة دخل على أرباح يَظهر أنهم حققوها بينما عمليًا هي ناتجة عن إنهيار سعر الصرف.
وكان هذا الإجراء والقانون مطلبًا للعديد من الشركات والقطاعات الخاصة والهيئات الاقتصادية والتي جاهدت وضغطت نحو إقراره. وكانت الهيئات الاقتصادية اللبنانية أصدرت بيانًا في حزيران الماضي أكدت فيه "إن إقرار القانون الرامي الى تعديل ضريبة الدخل والإجازة للمكلفين إعادة تقييم إستثنائية لمخزونهم ولأصولهم الثابتة، يُعتبر ذا أهمية كبيرة وإستراتيجية بالنسبة للمؤسسات الخاصة"، مشيرةً إلى "أن إبقاء الأمور على حالها سيؤدي الى تكليفها زورًا وبهتانا أموالا طائلة غير متوجبة أصلا بسبب التضخم".
فهل يؤمن قانون إعادة تخمين المخزون والأصول العدالة الضريبية؟
تنطلق مطالبات اعادة تخمين الأصول والمخزون من نقطة واضحة ومفهومة وهي تدهور سعر صرف العملة، وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض لبنان لهذه الحالة، فقد تم بعد انتهاء الحرب الأهلية اعادة تقييم استثنائية لاستدراك النتائج السلبية التي ترتبت بسبب الحرب، وتحديدًا في العام 1993 عندما أُقر القانون 282/93 وسمح للمرة الأولى بإجراء تقييم استثنائي للأصول.
يشرح الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة المحامي كريم ضاهر لـ "مهارات نيوز" أن مبرر القانون منطقي وطبيعي وهو ناتج عن انهيار العملة الوطنية، فمن كان يملك عقار بقيمة 100 ألف دولار قبل الأزمة وكان يٌقيّم وقتها ب 150 مليون ليرة على سعر الصرف 1500 ليرة للدولار، ارتفعت قيمته الدفترية اليوم إلى 8 مليار و950 مليون ليرة بعد اعتماد سعر 89500، ما يُظهر أن الشركات حققت أرباحًا محاسبية باهظة بينما فعليًا هذا الشيء لم يحصل، بل على العكس فإن قيمة العقار قد تكون اليوم أقل من قيمته الأساسية ما يعني تكليف الشركات بضريبة على ربح غير محقق في الأصل؛ مما يتنافى مع أبسط المبادئ والأعراف الضريبية. ويضيف ضاهر أن الجديد في التعديل أنه يسمح لمن ليس مجازًا عادةً بموجب القانون أن يقوم باعادة تخمين أو تقييم للمخزون، حيث أن المادة 45 من قانون ضريبة الدخل تتحدث عن عناصر الأصول الثابتة وليس عن المخزون، لأن المخزون يسمى بـ "أصل متداول يُباع ويُشترى ولا يبقى ويُخزّن".
في الظروف العادية بحسب ضاهر فإن المادة 45 من قانون ضريبة الدخل تفتح المجال لبعض المكلفين الخاضعين للتكليف على أساس الربح الحقيقي حصرًا باعادة تخمين ما لديها من عناصر أصول ثابتة مثل شركات الأشخاص وشركات الأموال أو سائر الأشخاص الطبيعيين الخاضعين حكمًا وإختياريًا لنظام الربح الحقيقي، وتستثني الأفراد والشركات الخاضعين لنظامي الربح المقطوع والربح المقدر مثل المهن الحرة وشركات التأمين وشركات الملاحة الجوية والبحرية ومتعهدي الأشغال العامة بالنسبة للمبالغ التي يقبضونها من الصناديق العامة، والتي ستستفيد اليوم من هذا التوسيع في نطاق المستفيدين من هذا الإجراء. كما سمح القانون وبعد أن كان التخمين يتم كل 5 سنين أن يتم إعادة التقييم على أساس سنوي حتى نهاية العام 2026.
وضع القانون في ما يتعلق بإعادة تقييم المخزون الأطر التي يمكن استعمال فروقات اعادة التقييم فيها وهي:
لتغطية خسائر ما تزال ظاهرة ومحددة في الميزانية
لزيادة رأس المال في شركات الأموال دون أن تتوجب الضريبة على التوزيعات
توزيعها على المساهمين وأصحاب الحصص في شركات الأموال، وفي هذه الحالة تخضع للضريبة على التوزيعات اذا تم توزيعها قبل انقضاء خمس سنوات على عملية إعادة التقييم، وتُعفى من تلك الضريبة اذا تم توزيعها بعد انقضاء تلك المدة
بالرغم من منطقية القرار وضرورته يقول ضاهر أن الخوف يكمن في عملية التطبيق والتنفيذ وفي أن يتم التلاعب على القانون ويكون فرصة لبعض الشركات والمؤسسات لاسيما التي استفادت من الدعم لتغطية تجاوزات سابقة وتعزيز التهرب الضريبي. وعليه فالتعويل اليوم على دور الجهات الرقابية وخاصة ديوان المحاسبة، كما على دور وزارة المالية بعملية اعادة التقييم وتشديد الرقابة. والتعويل الأساسي يبقى على قرار مجلس الوزراء الصادر مؤخرًا المتعلق بالتدقيق الجنائي للمستفيدين من الدعم.
وفي جلسة 04 كانون الأول 2024 أقر مجلس الوزراء القرار 11 ووافق على الآلية المشتركة المقترحة من وزارة المالية ووزارة العدل لوضع القانون رقم ٢٤٠ تاريخ ۲۰۲١/٧/١٦ والمُتعلّق بإخضاع كل المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الأميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية للتدقيق الجنائي الخارجي موضع التنفيذ. ويبقى هذا الإجراء أساسي جدًا في التقييم والحكم على مدى نجاح قانون إعادة تخمين المخزون والأصول كونه يضبط العملية ويمنع الجهات غير المحقة من الاستفادة منه.
بدوره يقول النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان أمين صالح لموقع "مهارات نيوز" انه لا يمكن الحديث عن عدالة ضريبية كاملة إذا لم تُطبق القوانين والإعفاءات الضريبية بالتساوي على جميع المواطنين، فعلى أي أساس يُسمح للتجار والشركات اعادة تقييم على السعر الحالي دون تحصيل ضريبة منهم، بينما يجب على المواطن العادي عند شراء أي سلعة أن يدفع 11% ضريبة على القيمة المضافة على سعر 89500 مع العلم ان قيمة راتبه تراجعت بفعل الأزمة الاقتصادية. فأين العدالة ؟ وهذا يخالف الدستور الذي ينص في المادة 7 منه على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين. وإذا أرادوا الحديث عن أرباح وهمية بسبب فروقات سعر الصرف، فالمواطن يدفع أيضًا ضريبة على سعر وهمي.
ويضيف صالح، السؤال هو كيف سيتم مراجعة واحصاء المخزون عن السنوات الماضية بعد انتهائها؟ وهل من الطبيعي أن يتم تكليف أجهزة وزارة المالية ومراقبي الضرائب بالتأكد من المستندات، ومن أن التقييم صحيح، وفي المقابل يكون المردود الضريبي لصالح الخزينة صفر!. كما ان هناك اشكالية فيما يخص السعر الفعلي للصرف، "يقولون انه 89500 رغم عدم وجود قرار عن حاكم المصرف او وزير المالية باعتباره سعرًا رسميًا".
إذًا وبناء على ما سبق، فإنه صحيح جزئيًا أن قانون إعادة تخمين المخزون والأصول يؤمن العدالة الضريبية، فهو بالرغم من أهميته لناحية حماية المكلفين من تحمّل ضريبة دخل على "أرباح لم تُحقق"، إلا أن التحدي يبقى في فكرة انسحاب هكذا قوانين على عموم المواطنين، والخوف دائمًا يكمن في التطبيق ومن أن يتم التلاعب على القانون ويكون فرصة لبعض الشركات لتغطية تجاوزات سابقة وتعزيز التهرب الضريبي.