صحيح جزئياً
نشرت جريدة الأخبار بتاريح 23 أيار 2024 تقريرا جاء فيه أنّ "... فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ومصرفيون وغيرهم من أصحاب الرساميل، يرون أن هناك حلّاً لنحو 50 مليار دولار من الودائع من خلال إصدار سندات دولية يشتريها لبنان بقيمة 8 مليارات دولار.
يطرح منصوري توزيع ثمن السندات مناصفة بين المصرف المركزي، والمصارف، مقابل ضمان كافة الخسائر التي لا حلّ لها في بنية القطاع المالي. أما المصارف فتقترح أن تكون قيمة الصفقة 3 مليارات دولار وأن تساهم المصارف بريعها فقط، أي 750 مليون دولار.
يأتي ذلك بالتزامن مع عودة وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان، وزيارته لعدد من المسؤولين، وعودة الحديث عن الإصلاحات المالية التي لم تحقّق منها السلطة السياسية شيئا، وأموال المودعين التي تبقى إلى اليوم ضحيّة تراشق المسؤوليات بين المصارف والدولة.
فهل تؤدي السندات الدولية ذات العوائد الصفرية إلى تغطية كامل قيمة الودائع؟
بحسب منظمة الإسكوا، وكتعريف للسندات الدولية ذات القسائم الصفريّة، هي أوراق ماليّة مكوّنة من دفعة واحدة لا تنطوي على مدفوعات فائدة خلال حياة السند. ويباع هذا السند بخصم من القيمة الاسمية، ويتم دفع العائد كاملا عند حلول موعد الاستحقاق. ويمثل الفرق بين سعر الإصدار المخصوم والقيمة الاسمية الأصلية أو قيمة الاسترداد سعر الفائدة السوقي وقت الإصدار والوقت المتبقي حتى حلول موعد الاستحقاق. وكلما كان أجل استحقاق السند أطول وسعر الفائدة أعلى، كان الخصم على القيمة الاسمية الأصلية أو قيمة الاسترداد أكبر.
أي، وكمثال على ذلك، تبلغ قيمة وديعة أحد المودعين مليون دولار، يتمّ إعطاؤه سندا بقيمة إسميّة تبلغ مليون دولار، لكن فعليا وإذا قرّر هذا المودع بيع السند قبل موعد الاستحقاق المحدّد، يتمّ خصم مبلغ معيّن من القيمة الإسميّة، أما إذا قرّر المودع الانتظار وقت الاستحقاق، فيتم دفع المبلغ كاملا بفعل تراكم الفوائد.
في السياق اللبناني، وبالعودة إلى الاقتراح المتداول به، سيتمّ حلّ أزمة 50 مليار دولار من الودائع بشراء سندات دولية ذات عوائد صفرية بقيمة 8 مليار دولار، أي بنسبة 16% من قيمة الودائع، أي أن كل مودع سيحصل على 16% من وديعته على شكل سند.
بعد شراء السندات، ستقوم الجهات الدوليّة المصدّرة لهذه السندات باستثمار الـ8 مليار دولار ومراكمة الفوائد للوصول إلى مبلغ الـ50 مليار دولار أي نسبة 100% من قيمة الودائع، وبذلك يحصل المودع على كامل وديعته الفعليّة بعد 30 إلى 40 عام بحسب المدّة الزمنية للإستحقاق التي يتمّ التداول بها.
ولكن إلى اليوم لا يوجد أي تقرير رسمي حول الجهات الدولية المقترحة لإصدار السندات ، لكن وبحسب جريدة "الأخبار"، فقد تردّد أن النقاشات تطرّقت إلى شركات أميركية مصنّفة من الدرجة الأولى، أو إلى البنك الفدرالي الأميركي، أو صناديق قطرية لديها تصنيف ممتاز، أو أي جهة دولية أخرى تقدّم هذا النوع من الخدمات المالية المركّبة بقيمة فعلية تبلغ 8 مليارات دولار «فريش».
إضافة إلى معضلة الجهات الدولية لناحية الموافقة على إصدار السندات، تطرح المدّة الزمنية الطويلة لاسترداد المودع وديعته العديد من التساؤلات، إذ يقول الخبير المصرفي محمود جباعي في حديث لـ"مهارات نيوز" إنّ "هذا الإقتراح غير مضمون خصوصا مع الفترة الزمنية الطويلة التي يحتاجها المودع لاسترداد كامل وديعته الفعلية، لذا فهو يحتاج إلى دراسة علميّة موضوعية".
وقد نشرت جريدة المدن تقريرا جاء فيه أنّه "بالنسبة للمودع، فهذا الاقتراح لا يختلف كثيرًا عن تنفيذ "هيركات" شامل على الودائع بنسبة 85% اليوم، مقابل أن يشتري المودع لاحقًا استثمارات بالـ15% المتبقية، لإعادة تكوين وديعته خلال العقود الأربعة المقبلة. الفكرة المطروحة عمليًا هي: هيركات اليوم، ثم تراكم فوائد، مع مخاطر الاستثمار في الخارج، على مرّ العقود الأربعة المقبلة".
وفي حال قرّر المودع أن يبيع السند قبل موعد الاستحقاق نظرا للمدة الزمنية الطويلة، سيكون قد تعرّض لهيركات على وديعته، بالإضافة إلى أنّ الخطة المقترحة لا تشكّل حلا لكل الودائع التي تبلغ 88 مليار دولار، بحسب ما يشير له جباعي.
شكّل هذا الملف، أحد محاور النقاش مع صندوق النقد الدولي، ونقطة خلاف كبيرة على خلفية من سيتحمّل كلفة هذه السندات، فبين الحديث عن اقتراح لمناصفة التكلفة بين المصرف المركزي والمصارف الخاصّة، واعتراض المصارف على قيمة الصفقة وعلى نسبة مساهمتها، وبين نقاشات نيابية تحمّل الدولة كامل أعباء هذه السندات لتغطية أموال المودعين والفجوة المصرفية بعد عدّة عقود، والإقتراح المضاد الذي يقضي بتخصيص 5 إلى 6 مليار دولار من أموال المصارف لتمويل صفقة السندات الدولية، يبقى مصير أموال المودعين ومصير الإصلاحات المالية المطلوبة دوليا مجهول.
إذًا ما تمّ ذكره صحيح جزئيا، إذ إنّ هذه السندات الدوليّة تؤدّي نظريا إلى ردّ كامل قيمة الوديعة، لكن بعد عشرات السنوات، ويبقى الأمر غير مضمون عمليا نظرا للظروف السياسية والاقتصادية ومخاطر الاستثمار الخارجي لاسيما أن لا وجود لخطّة علميّة تفصيليّة حتى اليوم.