Loading...
true

صحيح

قطاع الكهرباء
هل يمكن منح امتياز يتعلق بكهرباء خاصة بمدينة بيروت وضواحيها؟
12/06/2024

يأخذ ملف الطاقة والكهرباء حيّزا واسعا من النقاش، كملف العرض القطري لبناء 3 معامل طاقة بديلة في لبنان، بالإضافة إلى العديد من الملفات المتداولة في إطار قطاع الطاقة، من هذه الملفات ما ذكرته جريدة النهار ضمن فقرة "أسرار الآلهة" في 11 حزيران 2024، أنّه "تم اعداد قانون يرمي الى منح امتياز يتعلق بكهرباء خاصة بمدينة بيروت وضواحيها، وذلك في اطار اللامركزية الادارية التي أقرها اتفاق الطائف ولمنع العتمة عن العاصمة".

 

فهل يمكن منح امتياز  يتعلق بكهرباء خاصة بمدينة بيروت  وضواحيها؟

 

دستورية الإمتياز

في الإطار التشريعي، لا يوجد أي معلومات حتى اليوم عن تفاصيل هذا القانون ومضمونه وطبيعة الامتياز، ولكن وبالعودة إلى الدستور اللبناني، تنصّ المادة 89 على أنّه "لا یجوز منح أي التزام أو امتیاز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبیعیة أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون والى زمن محدود.

أي أنّ أي امتياز يحتاج إلى قانون، لكن بالمقابل تنصّ المادة 4 من قانون انشاء مصلحة كهرباء لبنان الصادر في 10/7/2024، أنّه " لا يجوز بعد صدور هذا القانون اعطاء اي كان اي امتياز او رخصة او اذن لانتاج او نقل او توزيع الطاقة الكهربائية، او تجديد ذلك او تمديده لاي سبب من الاسباب"، مع استثناء انتاج الكهرباء للاستعمال الشخصي.

في هذا الإطار، تقول الخبيرة القانونية في مجال الطاقة كريستينا أبي حيدر في مقابلة لـ"مهارات نيوز"، إنّ "الدستور هو أعلى إطار قانوني، والقوانين تأتي بوظيفة تنظيمية، وهو ما هدف إليه قانون إنشاء مصلحة كهرباء لبنان الذي منع الامتيازات، من ثم أتى القانون 462 في العام 2002 لتنظيم قطاع الكهرباء وكسر الاحتكار الذي تتمتع به كهرباء لبنان،لذا الأجدر هو تطبيق القانون 462، ولكن قانونيا يمكن إقرار الامتياز لكن هناك العديد من الأسئلة القانونية والتقنية التي يجب طرحها".

أي أنّه ومع كسر القانون 462 لاحتكار انتاج وتوزيع الطاقة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، من الممكن أن يتمّ إقرار قانون الامتياز لمنطقة بيروت.

ولكن، لا تزال معالم القانون غير واضحة، لناحية طبيعة الامتياز وطبيعة الطاقة التي سيتم انتاجها، أي أنها طاقة حرارية أم طاقة بديلة بالإضافة إلى من سيتولّى عملية التوزيع وما اذا كانت عبر شبكة كهرباء لبنان أم عبر شبكة رديف، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات التقنيّة والقانونية.

 

القانون 462: تطبيقه هو الحلّ

انطلاقا مما سبق، تجدر الإشارة إلى أنّ إحدى الأسباب الموجبة لصدور القانون 462 هو لرفع العبء عن الدولة اللبنانية في تحمّل عجز مصلحة كهرباء لبنان بالإضافة إلى اتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمساهمة في مشاريع الطاقة وفتح باب المنافسة الحرة في القطاع الخاص لتأمين الكهرباء بأقل كلفة وأفضل مردود. 

أي أنّ القانون 462 أتى لتعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص وانهاء احتكار كهرباء لبنان، الامر الذي يطرح إشكالية السبب وراء إعطاء الامتيازات لكل منطقة على حدة في ظلّ وجود القانون 462 الذي ينظّم القطاع بشكل شامل.

 للإجابة على هذه النقطة، تشير أبي حيدر إلى أنّ "الحل اليوم ليس باعطاء امتيازات بالـ"قطعة" تكون معقّدة للناحية التقنيّة والقانونية، بل الحل هو بتطبيق القانون 462، إذ وفي ظل الأزمة، لا حلّ سوى  بالشراكة مع القطاع الخاص برؤية شاملة للكهرباء في كل المناطق اللبنانية عبر تقسيم لبنان على محافظات أو تقسيم تقني وهو وظيفة الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي لا نيّة سياسية لتشكيلها".

وفي تفاصيل هذه الشراكة، تعود أصول كهرباء لبنان للدولة، ويتم عرض الأصول لإدخال شريك من القطاع العام وتتحوّل لشركة عامّة تستحوذ على 51% من القطاع، ويتم إدخال القطاع الخاص بنسبة 49% بعد إقرار خطة الانتاج والتوزيع(بيع الكهرباء)، لتبقى عملية النقل(الشبكات التي تربط معامل الانتاج بمخارج خلايا التوتر المتوسط في محطات التحويل الرئيسية) بيد الشركة العامّة".

أي أنّ الحل اليوم وفق أبي حيدر، "لا يقع بإدخال القطاع الخاص بامتياز طويل الأمد، انما الأجدر الذهاب إلى شراكة ديناميكية بين القطاعين العام والخاص لفترة من الزمن وعند ثبوت نجاح التجربة يتمّ التوجّه إما للخصخصة الكاملة، أو للبقاء على الشراكة بين القطاعين".

أما لناحية التحديات التقنيّة والقانونية لقانون الامتياز، فإحدى هذه التحديات هو عملية التوزيع، فتوزيع الكهرباء محتكر من قبل كهرباء لبنان بمخالفة للقانون 462، ففي حال إعطاء الامتياز لشركة خاصة تريد الاستفادة من شبكة توزيع كهرباء لبنان، يجب أن يتمّ تضمين هذه النقطة في قانون الامتياز، أما في حال يراد خلق شبكة توزيع رديفة كشبكة مولّدات كهربائية فهذا الأمر يحتاج إلى أموال طائلة وفترة زمنية طويلة، بحسب ما أشارت له أبي حيدر.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن  الحلول المنفصلة تتنافى مع مبدأ المساواة الدستوري بتوفير الكهرباء لمواطنين على حساب غيرهم، إذ تنص المادة 7 من الدستور على أن "كل اللبنانیین سواء لدى القانون وهم یتمتعون بالسواء بالحقوق المدنیة والسیاسیة ویتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بینهم".

 

تجربة زحلة

على الرغم من نجاح تجربة كهرباء زحلة لأعوام طويلة، إلا أن الملف شهد العديد من المخالفات القانونية، فبعد أنّ تمتّعت منطقة زحلة منذ العام 1923 بامتياز حصلت عليه شركة كهرباء زحلة لإدارة قطاع الكهرباء، انتهت صلاحية الامتياز في العام 2018 ولكن تمّ التمديد لهذا الامتياز لعامين إضافيين، وفي العام 2020 تمّ تمديد العقد التشغيلي مرة أخرى لمدة سنتين في لجنة الأشغال النيابية، وقد كتبت مهارات تقريرا مفصّلا حول الخروقات القانونية في هذا الإطار.

بالإضافة إلى ذلك، ومع بداية الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان،  أنتجت كهرباء زحلة الطاقة عبر مولّدات خاصة الأمر الذي يشكّل مخالفة قانونية، إذ أنّ الامتياز يجيز لها استمداد الكهرباء من كهرباء لبنان وانتاج الطاقة الكهرمائيّة من نهر البردوني.

في هذا الإطار تقول الخبيرة القانونية في مجال الطاقة كريستينا أبي حيدر إنّ "خطورة تكرار تجربة زحلة أن الملف شابه الكثير من المخالفات القانونية والتقنيّة، بدءا من عدم حقّها بالانتاج عكس ما قامت به بانتاج الكهرباء من المولّدات وصولا إلى التمديد لكهرباء زحلة، لذا الحل اليوم هو الخروج من منطق الإقطاعيات والمناطق، فالكهرباء تحتاج إلى حل شامل وعادل لكل اللبنانيين". 

 

إذا صحيح أنّه من الممكن منح إمتياز يتعلق بكهرباء خاصة بمدينة بيروت وضواحيها إذ إنّ الدستور اللبناني يجيز إنشاء الامتيازات بموجب قانون، لكن الأجدر اليوم هو تطبيق القانون رقم 462 وتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء، لوضع حلّ شامل لملف الكهرباء في لبنان وعدم الغرق بحلول منفردة تعطي الأفضلية لمواطنين على حساب غيرهم بمخالفة واضحة لمبدأ المساواة.