Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

Gold (1)
هل يُعتَبر لبنان الأوّل عالميّاً في احتياطي الذهب؟
24/03/2025

انتشرت في الآونة الأخيرة معلومات كثيرة تشير أن لبنان احتل المرتبة الأوّلى عالمياً في احتياطي الذهب، في ظل عودة الحديث عن أهمية الذهب الاقتصادية والمطالبة الملحّة في استثماره منذ فترة طويلة، ولكن أثارت هذه الأخبار تساؤلات عديدة حول حقيقة هذه المعلومة.

 

فهل فعلاً يُعتَبر لبنان الأوّل عالمياً في احتياطي الذهب؟

 

تعتمد عملية تصنيف الدول في مؤشر احتياطي الذهب "World Gold Council" على حجم احتياطي الذهب الذي تمتلكه البلاد، وفق بيانات احتياطي الذهب التي تم تجميعها باستخدام إحصاءات صندوق النقد الدولي، التي تتعقب مشتريات ومبيعات البنوك المركزية وغيرها من المؤسسات الرسمية، إلى جانب الذهب كنسبة مئوية من احتياطياتها الدولية.

 

وفي هذا الإطار، أشار الرئيس السابق لغرفة عمليات القطع في مصرف لبنان، الخبير الاقتصادي والمصرفي بهيج الخطيب إلى أنّ "الولايات المتحدة هي التي تمتلك أكبر احتياطي من الذهب في العالم، حيث يبلغ احتياطها 8133 طنًا وفقًا لإحصائيات أواخر عام 2023، تليها ألمانيا باحتياطي قدره 3358 طنًا، وتحتل إيطاليا المرتبة الثالثة باحتياطي يصل إلى 2451 طنًا، وبالتالي، لبنان  ليس ضمن الأوائل عالمياً.

 

في حين أنّه بالنسبة للدول العربية بحسب المؤشر المذكور، تتصدر المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في احتياطي الذهب بامتلاكها 323 طنًا، ويأتي لبنان في المرتبة الثانية بـ 287 طنًا، مما يجعله الثاني عربيًا والتاسع عشر عالميًا".

 

ولكن، من جهة أخرى، احتل لبنان المرتبة الأولى عالميا في احتياطي الذهب استناداً إلى دراسة أجراها جاربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي – وهي الجمعية العالمية للصناعة المالية، التي تعمل على تقديم تحليلات وأبحاثًا للبيانات المالية –، والذي شغل سابقاً منصب كبير الاقتصاديين وممثل مقيم في صندوق النقد الدولي.

 

 

وفي هذا السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي أنطوان فرح على أنّ "لبنان ليس الأول عالمياً نسبةً لحجم الاحتياطي بالمطلق، ولكن وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي الذي اعتمدته الدراسة التي قام بها معهد التمويل الدولي لتصنيف احتياطي الذهب لدى الدول، تبيّن أن لبنان احتل المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي الذهب نسبةً إلى حجم ناتجه المحلي الإجمالي".

 

إدارة احتياطي الذهب في لبنان

وبحسب الخطيب "تتواجد حوالي 60% من احتياطي الذهب في مصرف لبنان في بيروت، بينما يتوزع الباقي بين قلعة فورت نوكس في الولايات المتحدة الأمريكية والبنك المركزي السويسري، ولكن لا توجد معلومات دقيقة حول هذا التوزيع.

 

وبموجب القوانين، يملك البنك المركزي اللبناني الذهب، وقد اشتراه من احتياطاته الحرة في عام 1971 في عهد الرئيس إلياس سركيس، بعدما استغلّ فائضًا من الأموال واشترى هذه الكمية".

 

أمّا عن إدارته، يشير فرح إلى أنّ "الذهب حالياً هو بعهدة مصرف لبنان وهو الجهة المسؤولة عن الحفاظ على هذه الثروة، أما إدارتها فهي مسحوبة من يده بموجب قانون صادر عن مجلس النواب اللبناني ألا وهو القانون رقم 42/1986 الذي يجمّد ويمنع استخدام الذهب إلّا بقانون آخر يعدّل القانون الأول".

 

تأثير احتياطي الذهب على العملة الوطنية واقتصاد لبنان

يرتبط احتياطي الذهب بقيمة العملة الوطنية ويُعتبَر عنصرًا من عناصر تغطيتها، فكلّما زادت قيمة أو حجم احتياطي الذهب كلّما توفّر المزيد من الحماية للعملة المحلية. ومع ذلك، إن العملة الوطنية تعتمد على عوامل أخرى أيضًا، مثل عجز الموازنة، وعجز ميزان المدفوعات، والعجز في الميزان التجاري، بالإضافة إلى الأداء السياسي والاستقرار السياسي والأمني، وفق الخطيب.

 

ومن جهة أخرى، يشدّد كلّ من الخطيب وفرح على أن الذهب لا يدلّ على اقتصاد قوي، إنما احتياطي الذهب كاحتياطي الدولار أو أي عملة أخرى في المصرف المركزي وهذا يدلّ على سيولة وقدرة في مواجهة الأزمات. وحجم احتياطي مصرف لبنان سواء بالدولار أو بالذهب يساعد في إمكانية إيجاد حلول اقتصادية مستقبلية.

 

ولكن، برأي الخطيب، "في حال تمّت إعادة بيع الذهب أو تعديل القانون، فمن المتوقع أن تتدهور قيمة الليرة في ظل غياب الإصلاح الاقتصادي والاقتصاد السليم وارتفاع الدين العام بشكل كبير مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مما قد يؤدي إلى انهيار الليرة وارتفاع التضخم بشكل كبير".

 

وأضاف أن الدول المتقدمة تلتزم بمبادئ الحوكمة، مما يسمح لها باستخدام الذهب في مشاريع عديدة، مثل مشاريع البنية التحتية الضخمة أو سداد جزء من الدين العام، وهذا يعتمد على سياسات الدول. ومع ذلك، إن المبدأ الأساسي هو عدم استخدام الذهب لأي غرض لأنه جزء من تغطية العملة ويعزز الثقة فيها.

 

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، يعكس حجم الذهب الكبير (8133 طنًا) قوة العملة الوطنية. فتبلغ قيمة هذا الاحتياطي حاليًا أكثر من 800 تريليون دولار، أي أكثر من 22 ضعف حجم الدين العام الذي يبلغ حوالي 36 تريليون دولار.

 

لذلك، تستطيع أمريكا استخدام عملتها من دون التأثير سلبًا عليها. بينما في لبنان، إن استخدام الذهب لسداد الديون الخارجية، كما يُقال في بعض الأوساط، سيؤدي إلى مخاطر عالية لأن الذهب هو خط الحماية الاستراتيجي الأول للعملة الوطنية، واستخدامه لتغطية الديون لن يخدم الاقتصاد بشيء. فتحسين الاقتصاد يأتي من خلال خطط إصلاحية اقتصادية تسمح بتحقيق فائض في الموازنات السنوية وتؤدي إلى سداد الدين الخارجي من هذا الفائض، وليس من الاحتياطي المتوفر في البنك المركزي، يشرح الخطيب.

 

لكن، لفرح رأي آخر، إذ اعتبر أن "استخدام الذهب بمثابة وسيلة إنقاذ للاقتصاد عبر خطة إنقاذية لدفع جزء من الديون لتعافي الاقتصاد، ووجود هذا الاحتياطي يعطي حماية إضافية للعملة الوطنية، موضحاً أنّ تحريك هذا الموضوع، أي استخدام الاحتياطي لمساعدة الأجيال المقبلة، أمر ضروري، وليس بشرط بيعها إنما عبر استثمارات قد تساعد البلد في الفترة الحالية، طالما هناك تعلّق لبناني بالذهب الاحتياطي، فتجميده لا ينفع كما سينفع استثماره بالطريقة الصحيحة". 

 

إذاً، اعتبار لبنان أنه يملك الاحتياطي الأوّل العالميًا صحيح جزئياً، إذ إن تصنيف احتياطي الذهب للدول لا يرتكز على معيار موحّد، فمقارنةً بالناتج المحلّي للدوّل لبنان يحتل المركز الأوّل عالميًا، أما من جهة كمية الذهب فهو التاسع عشر عالميًا والثاني عربيًا، ولكن تصنيف احتياطي لبنان في مراكز متقدّمة لا يدلّ على اقتصاد قوي، إنما احتياطي الذهب كاحتياطي الدولار أو أي عملة أخرى في المصرف المركزي، يدلّ على امتلاك سيولة وقدرة في مواجهة الأزمات. وعلى الرغم من ارتباط احتياطي الذهب بقيمة العملة الوطنية واعتباره عنصرًا من عناصر تغطيتها، إلا أن هناك عوامل أخرى قادرة أن تؤثر على قيمتها مثل عجز الموازنة، وعجز ميزان المدفوعات، والعجز في الميزان التجاري، بالإضافة إلى الأداء السياسي والاستقرار السياسي والأمني.