صحيح جزئياً
أثارت جريدة الأخبار في عددها الصادر في 21 تموز 2025 قضية تغيير المُلتزم بتقديم الخدمات الكهربائية في منطقة البقاع المقدّم من شركة «KVA» إلى ملتزم آخر.
ووفق الأخبار طلبت شركة «KVA» في تشرين الثاني 2023 التنازل بشكل جزئي عن عقدها. واقترحت تحويل عقدها في مناطق البقاع المعروفة باسم «منطقة الخدمة 2» وفقاً لتصنيف كهرباء لبنان، لمصلحة شركة «NEUC» في كانون الثاني 2024 بناءً على مذكرة تفاهم بينهما. وبرّرت الأمر بأنّها لم تعد تحتمل استنزاف مواردها أكثر نتيجة التعدّيات والسرقات على الشبكة من جهة، وغياب الدولة عن أداء دورها في مؤازرة عمال الشركة عند نزع التعديات من جهة أخرى.
فهل يمكن للشركات المتعاقدة مع الدولة لتنفيذ خدمات نقل جزء من التزاماتها إلى شركات أخرى؟
يُحدّد قانون الشراء العام المُقرّ في العام 2021 قواعد إجراء الشراء العام وتنفيذه ومراقبته، ويشرف على أن تكون عمليات الشراء خاضعة لقواعد الحوكمة الرشيدة وأن تأخذ بالاعتبار مقتضيات التنمية المستدامة.
من حيث المبدأ العام يفرض القانون على الملتزم الأساسي وهو المورِّد أو المقاول أو مقدِّم الخدمات أو الاستشاري الذي أُبرِم معه عقد الشراء أن يتولّى بنفسه تنفيذ العقد ويبقى مسؤولاً تجاه سلطة التعاقد عن تنفيذ جميع بنوده وشروطه، ويُمنع عليه تلزيم كامل موجباته التعاقدية لغيره.
لكن في عقود الأشغال والخدمات وبحسب المادة 30، يسمح القانون في حال أَجاز دفتر الشروط الخاص ذلك للملتزم الأساسي أن يعهد لمتعاقد ثانوي تنفيذ جزءٍ من العقد ضمن النسبة المسموح بها والمنصوص عليها في دفتر الشروط الخاص والتي يجب ألّا تتخطّى %50 من قيمة العقد.
وينص القانون أن على الملتزم أَخذ الموافقة المُسبقة على التعاقد الثانوي من سلطة التعاقد التي يجب عليها اتّخاذ قرارها بالموافقة أو الرفض المعلَّل خلال مهلة زمنية تُحدَّد في شروط العقد، ويُعَدّ سكوتها عند انقضاء هذه المهلة قرارًا ضمنيًا بالقبول.
تشرح الخبيرة في الشراء العام رنا رزق الله أن التعاقد الثانوي أو ما يعرف ب ال Sub-contracting يسمح به القانون ضمن شروط واُطر محددة، فهو محصور في عمليات الأشغال والخدمات وضمن سقف محدد لا يمكن تجاوزه. كما يجب أن يكون هذا الأمر مدوّن في دفتر الشروط مسبقًا بحيث ينص على أن الجهة الشارية تسمح للمتعهد الفائز أن يُتِّم التعاقد الثانوي بنسبة معينة، ويتم تحديد هذه النسبة للإلتزام بها لاحقًا على أن لا تزيد عن 50%.
ومن الأسباب التي جعلت القانون يضع حدًا أقصى للتعاقد الثانوي هو عدم زيادة التكلفة بحسب رزق الله، فإذا أرادت وزارة الأشغال شق طريق أو تنفيذ مشروع على سبيل المثال ثم سُمح للمتعهد أو الشركة تلزيمها بنسبة 100% لمتعهد آخر عندها ستحاول الشركة تحقيق أرباحًا من هذه العملية وبالتالي تزيد التكلفة على الدولة وهو ما يُعتبر خطأً في عمليات الشراء العام، والأمر الطبيعي أن تكون الشركة الفائزة بالتلزيم قادرة على تنفيذ الشروط المطلوبة.
وتضيف رزق الله أن المتعاقد الثانوي يتم اختياره من قبل الملتزم الأساسي بشرط موافقة الجهة الشارية عليه، ولكن المسؤوليات كلها تجاه الجهة الشارية تبقى على عاتق الملتزم الأساسي، فهو المسؤول عن حُسن تنفيذ العقد وهو من يُحاسب عند أي إخلال ببنوده. لذلك قد يكون من مصلحته أن يكون المتعاقد الثانوي ذو خبرة ويعمل على تنفيذ متطلبات العقد بطريقة صحيحة. وبالنهاية يتم تقييم حُسن تطبيق شروط العقد عبر جهات متخصصة قد تكون أشخاصًا مشرفين أو شركات.
التعاقد الثانوي بحسب رزق الله موجود بكثرة والعديد من العقود تُطبقه، كما أنه يمكن أن يكون مرحّبا به إذا أردنا الربط مع المعايير العالمية، فهو يسمح للشركات الصغيرة غير القادرة على الحصول على العقود الكبيرة مع الدولة أن تشارك ثانويًا مع الملتزمين الأساسيين، كما أن الأمر محبّذ أيضًا لناحية التخصصية، فبعض الشركات الكبيرة قد يصعب عليها الإلمام بكافة الاختصاصات المطلوبة في تنفيذ العقود فيُمكن عندها التعاقد ثانويًا مع شركات أخرى متخصصة لتؤمّن تنفيذ هذه الخدمات. وتؤكد رزق الله أن كل ما سبق يجب أن ينضبط أولاً وأخيرًا بالضوابط التي حددها القانون وأن لا يؤثر على الجودة المطلوبة للخدمة المتفق عليها.
اذًا فالسؤال حول هل يمكن للشركات المُتعاقدة مع الدولة لتنفيذ خدمات نقل جزء من التزاماتها إلى شركات أخرى صحيح جزئيا، فرغم سماح قانون الشراء العام للملتزم الأساسي أن يعهد لمتعاقد ثانوي آخر تنفيذ جزءٍ من العقد، إلا أن الأمر مقيّد بشروط محددة، فهو محصور في عمليات الأشغال والخدمات مع ضرورة موافقة الجهة الشارية، ويجب تضمينه في دفتر الشروط وضمن نسبة لا تتجاوز الـ 50% من قيمة العقد.