Loading...

إلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية: بين الواقع و شعبوية وزير الطاقة الإسرائيلي

 

ترتفع وتيرة العدوان الاسرائيلي على لبنان يوما بعد يوم عبر ضربات عسكريّة جويّة طالت الكثير من المناطق اللبنانية ولم تعد تقتصر على مناطق معيّنة، وقد أدّى هذا العدوان إلى نزوح كثيف وعدد ضحايا فاق الـ1974، بالإضافة إلى أكثر من 9384 جريح بحسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة بتاريخ 3 تشرين الأول 2024.

 

ولا شكّ أنّ اغتيال اسرائيل لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بتاريخ 27 أيلول 2024، شكّل نقطة مفصليّة في مسار الحرب على لبنان، فبعد عملية الاغتيال بيوم واحد، تناقلت وسائل إعلام عبرية تصريحات لوزير الطاقة الاسرائيلي إيلي كوهين  وصف فيها اتفاق الغاز الموقّع مع لبنان قبل نحو عامين بـ "الفاضح"، مؤكداً أنه يبحث عن ثغرة لإلغائه. 

 

والمقصود بـ"اتفاق الغاز" هو اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تم توقيعها بين الجانب اللبناني والاسرائيلي في 27 تشرين الأول 2022.

 ووقّع حينها كل من رئيس جمهورية لبنان السابق ميشال عون ورئيس الحكومة الإسرائيلي يائير لابيد على رسالتين منفصلتين للموافقة على نص الاتفاق.

 

لمحة عن ملف ترسيم الحدود البحرية:

 

بدأت مسيرة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل في العام 2012، بعد اقتراح الولايات المتحدة تقسيم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، تحت ما يسمّى خط هوف، ليتبيّن لاحقا أن الخط 23 المعطى للبنان غير دقيق ويحق للبنان حصّة أكبر.

 

وبعد إعطاء أول رخصتين في لبنان للتنقيب عن الغاز في البلوك رقم 4 و 9 في العام 2018، استفزّ الإسرائيلي ما أدّى إلى عودة المفاوضات غير المباشرة في العام 2020 ليتمّ الترسيم برعاية الولايات المتحّدة عبر مبعوثها آموس هوكشتاين في 27 تشرين الأول 2022، وقد تخلّلت هذه الفترة الكثير من المواقف والقرارات السياسية أهمّها التنازل عن الخط 29 لصالح اسرائيل الأمر الذي اعترض عليه الخبراء التقنيين كون الخط 29 هو حق للبنان بناء على المعطيات التقنية والدراسات. 

 

وقد نشرت مؤسسة مهارات تقريرين (تقرير1، تقرير2) عن التفاصيل التقنيّة لملف ترسيم الحدود البحرية ومراحل إقراره مع ما ترافق من مواقف سياسية للأحزاب السياسية في لبنان والخبراء التقنيين.

 

تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي: شعبوي سياسي

 

وبعد ما يقارب السنتين على الاتفاق، أطلّ وزير الطاقة الإسرائيلي كوهين ليلوّح بإنهاء ما أسماه "اتفاق الغاز"، هنا تشير الخبيرة في مجال النفط لـ"مهارات نيوز لوري هايتيان أنّ "اتفاق ترسيم الحدود ليس اتفاق غاز بل هو اتفاق لترسيم الحدود وفق القوانين، وهو اتفاق "تجزئة" بين دولتين لمعرفة الآليات التي يجب اتباعها في حال وجود مكامن غاز".

 

أما بالنسبة لإلغاء الاتفاق، تضيف هايتيان أنّ "هناك نص واضح أن اتفاق ترسيم الحدود لا يمكن تعديله أو إلغاءه إلا بالتواصل مع الطرف الآخر، بالاتفاق لا يوجد فيه خطوة أحادية، ولكن وبغوغائية إسرائيل، من الممكن أن يتوجه للأمم المتحدة للضغط لإلغاءه وهنا تصبح مسؤولية الحكومة والدولة بالتخطيط لكيفية التصرّف في هذه الحالة".

 

ولفهم أبعاد هذا التصريح، لا بد من قياس بعض العوامل في ميزان الربح والخسارة بالنسبة لإسرائيل ولبنان، فإلى اليوم لم يستفد لبنان مباشرة من ترسيم الحدود البحرية لناحية التنقيب عن الغاز خصوصا أن البلوك رقم 9 في حقل قانا أتت نتيجته سلبيّة، ولم تسلّم تقريرها النهائي حتى اليوم على الرغم من انتهاء مهلة تسليم التقرير في 15 نيسان 2023. 

 

أما إسرائيل، فقد بدأت عبر شركة "إنرجان" باستخراج الغاز من حقل "شمال كاريش" في 22 شباط 2024.

 

انطلاقا من هذا الواقع، تقول هايتيان إنّ "الخاسر الأكبر من إلغاء الاتفاق هو اسرائيل، ففي حال أنهى الاسرائيلي الاتفاق ستعود المناطق المتنازع عليها ما يعطي شرعية أكبر لحزب الله بالمدافعة عن حقوق لبنان الأمر الذي يشكّل خطرا تجاريا على حقل كاريش وعلى المستثمرين ومن الممكن توقّف النشاط في الحقل ما سينعكس سلبا على المردود المالي لاسرائيل بالاضافة إلى تأثر الأمن الطاقوي في اسرائيل". 

 

وتضيف أنّ "لبنان لا يتأثر بشكل مباشر، خصوصا أن البلوك 9 كانت نتيجته سلبية، ولكن بشكل غير مباشر هناك نسبة ضئيلة أن يتأثر لبنان لناحية استقطاب المستثمرين في البلوك 10 و 8 خصوصا أن جولة التراخيص الثالثة لا زالت مفتوحة حتى مارس 2025 ولكن لا أعتقد أن يأتي مستثمرون إلى لبنان في ظل هذه الأوضاع".

 

وبالتالي، فإن إلغاء ترسيم الحدود البحرية ليس له تأثير مباشر على لبنان لكن يؤثّر مباشرة على مصالح إسرائيل ما يضع تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي  في خانة التصريح السياسي الشعبوي، بحسب ما خلصت له هايتيان. 

 

آخر تطورات التنقيب عن الغاز في لبنان

 

انتهت عملية التنقيب في البلوك رقم 9 داخل حقل قانا في تشرين الأول 2023 من قبل شركة "توتال انرجيز"، وتم الانتهاء من جمع البيانات التي أظهرت بحسب تقرير لهيئة إدارة قطاع البترول التابعة لوزارة الطاقة أنّه بالرغم من عدم التواصل لاكتشاف مواد هيدروكربونية إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملا جديدا ومعطيات إيجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني.

 

وتقول هايتيان: "لا حديث يقول أن لا وجود كلّيا للغاز، إنما ما نقوله هو أن توتال قامت بمحاولتين للاستكشاف وكانت النتيجة سلبية وهذا من الممكن أن يعود لعدة عوامل تقنية لكن هذا لا يعني عدم وجود الغاز".

 

وتضيف أنّ "المهم اليوم هو ضمان السياق والاستمرارية لعملية التنقيب للبحث عن مكامن الغاز، فلا يمكنك أن تجري عملية تنقيب كل ثلاث او اربع سنوات، فالعمل البطيء هو أحد العوامل لعدم استكشاف الغاز بالإضافة إلى الظروف السياسية المالية الأمنية الصعبة في لبنان التي تشكّل عائقا، فهذه شركات خاصة تريد تحقيق شروطها وضماناتها".


 

وفي 1 تموز 2024، تم تمديد الموعد النهائي للشركات ضمن جولة التراخيص الثالثة للتنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، ليصبح الموعد النهائي 17 آذار 2025، نظرا للتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة.

TAG : ,اسرائيل ,لبنان ,عدوان ,حرب ,نفط ,غاز ,ترسيم الحدود البحرية ,كاريش ,قانا