تنتظر رنا سيدة لبنانية متزوجة من اجنبي سنويا "لوائح الانتظار" لتسجيل ابنائها في المدارس الرسمية. تبدأ المعاناة في تسجيل الطلبة من أم لبنانية وأب أجنبي مع افتتاح كل عام دراسي . هذا العام لم يكن مختلفا. بدء العام الدراسي حدده وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال طارق المجذوب ابتداء من الاسبوع الاخير من ايلول. قرارات بدء العام الدراسي وتسجيل الطلاب صدرت حتى بالنسبة للطلاب الجدد. الا ان هذه القرارات تنطبق فقط على التلامذة اللبنانيين. اولاد اللبنانيات المتزوجات من اجنبي مستثنون اذا.
تقول رنا، الام لاربعة اولاد، انها بحثت هذا العام في ٦ مدارس عن مقعد لتسجيل ابنها المتفوق في المدرسة، لكن إدارات المدارس ترد بان لا مقعد له من دون قرار وزاري لمعاملة اولاد اللبنانيات اسوة بالتلامذة اللبنانيين وتسجيلهم فورا.
صدر القرار فعلا في ٧ ايلول بقبول تسجيل التلامذة من ام لبنانية متزوجة من اجنبي. قرار الوزير المستقيل المجذوب استند الى طلب الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وانطلاقا من حق التعلم ووجوب القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، وايمانا بوجوب احترام حقوق المرأة اللبنانية واولادها، كما ورد فيه.
"تجزئة الحقوق“ هي المعادلة الثابتة في تعامل السلطات اللبنانية مع قضايا المرأة اللبنانية. ابناؤها يعاملون معاملة الاجانب. تعطى لهم بعض الحقوق منّةً. فلهم الحق بإقامة "المجاملة" تجدد كل ثلاث سنوات. ولهم الحق في التسجيل في المدارس الرسمية بعد معاناة لاصدار قرارات استثنائية بمعاملتهم اسوة بالتلامذة اللبنانيين. حق منح الجنسية لابنائها يبقى مسلوبا لتبقى المرأة اللبنانية مرتهنة لـ "المنظومة الذكورية"، التي تمنّنها ببعض الحقوق بين الحين والآخر.
اكثر من ٣٧٠ شكوى من أمهات لبنانيات لم يستطعن تسجيل اولادهن، وصلت الى حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي“ التي اطلقت حملة للضغط على وزارة التربية ووزير التربية في حكومة تصريف الاعمال طارق المجذوب لاصدار قرار بمعاملة اولاد اللبنانيات التلامذة اللبنانيين.
بدأت النساء اللبنانيات تعانين من مشكلة سنوية في تسجيل ابنائهن منذ قرار وزير التربية الأسبق إلياس أبو صعب في العام ٢٠١٤ حيث اعطى اولوية التسجيل في المدارس الرسمية فقط للتلامذة اللبنانيين. تكررت هذه المشكلة في حقبة وزير التربية الأسبق مروان حمادة في عام ٢٠١٦، والوزير أكرم شهيب في عام ٢٠١٩ على الرغم من إصداره لقرار وزاري مستقل ونافذ بتسجيل أبناء اللبنانيات المتزوجات من أجنبي، وليس كاجراء استثنائي كما جرت العادة من الوزراء السابقين، واليوم تتكرر في فترة وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال طارق المجذوب.
تجزئة الحقوق
ان مقاربة السلطات اللبنانية لحقوق المرأة بعيدة عن المقاربة الشاملة للمساواة الجندرية، بل هي مقاربة تقوم على تجزئة الحقوق. العديد من القوانين ما زالت تميّز ضد المرأة واهمها قوانين الاحوال الشخصية، فضلا عن قانون العقوبات، وقانون العمل والضمان الاجتماعي.
"تجزئة حقوق المرأة، لاسيما الأم اللبنانية إستراتيجية تقوم بها السلطة خلال الفترة الماضية"، بحسب منسقة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبو التي اعتبرت في حديث لـ "مهارات نيوز" ان "أي حق مكتسب يتم الحصول عليه من هذه السلطة، مثل حق المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي تسجيل ابنائها في المدارس الرسمية، هو ليس إنجازا لكنه إصلاح لخطأ السلطة بعدم منح المرأة اللبنانية حق إعطاء الجنسية لأبنائها".
تضيف شبو الى انه لو أرادت الحملة تجزئة الحقوق لكانت وافقت على مقترح البطاقة الخضراء وهي مقترح من السلطات لمنح ابناء اللبنانية بعض الحقوق ما عدا حق الجنسية، لكن اعطاء الحقوق بالتجزئة هو ضرب للحقوق بشموليتها وأهمها حق المواطنة.
مقاربة التجزئة هذه المعتمدة من السلطات اللبنانية تشعر المرأة اللبنانية انها مرهونة لهذه "المنظومة الذكورية" بحسب ما تراه الناشطة النسوية مايا عمار في حديث لـ "مهارات نيوز"، وان بعض حقوقها تأتي احيانا بمرتبة ثانوية. يمكن اعطاء مثال قانون العنف الأسري، الذي يجرم العنف الأسري ولكنه لا يجرم الإغتصاب.
وترى الاستاذة المساعدة في الجامعة الاميركية والعضوة السابقة في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كارمن جحا في حديث لـ "مهارات نيوز" ن غياب الإرادة الحالية لرفع التمييز ضد المرأة، لدى المنظومة السياسية والدينية في لبنان، هو السبب الأساسي في إستمرار انتهاك حقوقها. واعتبرت جحا ان تحرير المرأة من القيود القانونية والبنيوية التي فرضتها السلطة صعب، بوجود هذا النظام السياسي والطائفي، الذي يتقاذف المسؤوليات ويمنع أي وصول الى الحقوق، الا عبره. وبالتالي، فبرامج تمكين المرأة، التي يقوم بها المجتمع المدني غير قادرة على تغيير بنيوية "الدولة الذكورية" في لبنان. وهو ما أكدته الناشطة النسوية جمانة مرعي التي اكدت ان تجزئة الحقوق، يدل على غياب الإرادة السياسية لاحترام حقوق الانسان، ويشكل تهّربا من الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المرأة والطفل. لا سيما في موضوع تسجيل تلامذة الامهات اللبنانيات مثلا، اذ ان التعليم حق للجميع على أراضي الدولة اللبنانية، بحسب الشرعة الدولية لحقوق الانسان واتفاقية "حقوق الطفل"، المصادق عليهما من قبل لبنان.
إستمرار إهدار الحقوق
لا يشكل التسجيل في المدارس العقبة الوحيدة امام الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي بل ان التمييز يكاد يكون ممنهجا خلال السنوات الماضية على عدة اصعدة.
فتخفيف القيود على ابناء اللبنانيات في الإقامة وحق العمل في العام 2011، لم يستمر مع إلغاء وزير العمل الأسبق محمد كبارة الاستثناءات الواردة في القرار الذي يحمل الرقم 1/41 المُتعلّق بـ"الأعمال والمهن والحرف والوظائف الواجب حصرها باللبنانيين فقط"، أواخر كانون الثاني عام 2018. القرار كان يستثني أبناء اللبنانيات من أحكامه، وذلك من خلال المادة الثالثة التي تشير الى أنه "يعود لوزير العمل استثناء بعض الأجانب من أحكام هذا القرار إذا توافر فيهم أحد الشروط الواردة في المرسوم 8 رقم 17561 (من ضمنه أن يكون العامل من أصل لبناني أو مولود من أم لبنانية).
كما، ان إقرار مجلس النواب اللبناني قانون إعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة بأجنبي والحائزين إقامات مجاملة، من الاستحصال على إجازة عمل في 26 حزيران 2019، رده رئيس الجمهورية ميشال عون الى مجلس النواب بسبب "ثغرات تعرقل العمل بالقانون". ولم يعاد التصويت عليه في مجلس النواب حتى اليوم.
هذه الممارسات إعتبرتها المديرة التنفيذية لمجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي لينا أبو حبيب تسويف في إعطاء المرأة اللبنانية حقوقها كاملة. وأكدت أبو حبيب لـ "مهارات نيوز" ان هذا النظام ليس لديه النية بإعطاء أي حق، حتى لو كان حقا مجتزأ، والدليل ما حدث في قضية رد رئيس الجمهورية قانون حق العمل لأبناء اللبنانيات.
ولفتت أبو حبيب ان اللبنانيين في مواجهة معركتين الاولى قمع النظام السياسي والاخرى قمع النظام الطائفي، ومن دون الإنتصار في هذه المعارك ستظل منظومة الحقوق في لبنان تعيش أزمة حقيقية.
TAG : ,ابناء اللبنانيات ,الام اللبنانية ,منح الجنسية ,العام الدراسي