تواجه المدارس اللبنانية اليوم تحديات معقّدة تهدّد إستقرار العملية التعليمية، مع إستمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان التي تسببت في نزوح واسع، إذ ما زالت بعض المدارس تُستخدم كمراكز إيواء، إلى جانب نقص الكوادر التعليمية. وكحلٍ بديل سيتم اللجوء إلى التعليم عن بُعد بناءً على الخطة التي وضعتها وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الإتصالات لتحسين جودة الإنترنت.
تُعدّ خطة الإنترنت القائمة بين وزارتي التربية والتعليم والإتصالات خطوة إستراتيجية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية في القطاع التعليمي. تسعى هذه الخطة إلى تحقيق أهداف متعددة، من أبرزها توفير إتصال إنترنت مستقر وسريع للمدارس والمؤسسات التعليمية، مما يسهم في دعم العملية التعليمية وتطوير أساليب التعلم، ولكن بفعل الغارات التي حصلت على مختلف الأراضي اللبنانية تضررت شبكات الإنترنت بشكلٍ بليغ ونظراً لضعف إمكانية وزارة الاتصالات، لم تعالج ليومنا هذا ممّا شكل عبئاً على الأهالي لعدم قدرتهم الحصول على إنترنت بشكل كلّي .
تطبيق الخطة
مع إنطلاق العام الدراسي الجديد في بداية الشهر الحالي في الرابع من تشرين الثاني 2024، في خضّم الظروف القاسية التي يمرّ بها لبنان، باشرت شركتي الإتصالات "تاتش" و"ألفا" ضمن إطار خطة التعليم عن بعد قبل أيام، تزويد باقة مجانية من 20GB للطلاب والمعلّمين الواردة أسماؤهم في لوائح وزارة التربية وذلك إما عبر مراكزها المعتمدة في كلّ المناطق اللبنانية أو حتى عبر موقعيّ الشركتين الإلكتروني وتطبيقاتهما.
وكانت وزارة الإتصالات قد إستلمت لائحة مطبوعة ومختومة من وزارة التربية بـ 130 ألف و255 معلماً وطالباً في المدارس الرسمية يستفيدون من الباقة المجانية من الإثنين إلى الجمعة من كل أسبوع بين الـ 7:30 صباحاً والـ 1:30 بعد الظهر، ويتم العمل على تأمين خدمة شبيهة لأساتذة وطلاب الجامعة اللبنانية.
وفي هذا الإطار تقول مصادر في وزارة الإتصالات في حديث لـ"مهارات نيوز"، إنها تسعى إلى إنجاح خطة التعليم عن بعد من خلال ثلاث خطوات رئيسية أولها، مشروع "Microsoft Teams" و"Whitelisting" بالتعاون مع شركتي الإتصالات الخلوية "تاتش" و"ألفا"، لتمكين الأساتذة والتلاميذ في القطاع الرسمي والجامعة اللبنانية من الدخول إلى "Teams"، من أجل الإستفادة من خدمات التعليم عن بُعد من دون تكاليف إضافية. وقد أتمت الوزارة هذه الدراسة، وستُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته المقبلة.
ثانيها، مشروع مضاعفة سرعة الإنترنت وسِعَته، وقد أحال وزير الإتصالات المرسوم إلى مجلس شورى الدولة، وفور صدور الرّد سيحمله مباشرة إلى مجلس الوزراء لإطلاعه على مضمونه، وليس خافياً حاجة القطاع الخاص القصوى إلى خدمة إنترنت موثوقة وسريعة بسعات عالية.
ثالثها، تأمين خدمة الـ"واي فاي" WiFi مجاناً في مراكز الإيواء. لكن هذا المشروع يحتاج الى تمويل، سواء من الحكومة أو من جهات خارجية. وهناك عدة دول صديقة أبدت إستعدادها للمساعدة في التمويل. أما بالنسبة للمشروعان الأوّلان، فتمويلهما ذاتي، لأن كلفتهما بسيطة كوننا نستعمل الشبكة الموجودة.
كما وتميّز الوزارة بين المناطق الآمنة التي شهدت نزوحاً كبيراً وبين المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، لناحية التدابير المتخذة لضمان أفضل إستمرارية في الإتصالات والبيانات الخلوية بأفضل جودة. إذ تعمل الوزارة على تأمين بديل للإنترنت في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، بفعل تدمير الكوابل والشبكات تحت الأرض عبر نشر محطات وأجهزة LTE.
وقد بادرت شركتا الخلوي "تاتش" و"ألفا" إلى تطبيق خطة وقائية تقوم على زيادة السعة الإستيعابية للشبكات لتحمّل العدد الضخم للمستخدمين في المناطق الآمنة التي شهدت نزوحاً كبيراً، وبالتالي لتحسين جودة الإنترنت عبر محطات الـ LTE، بالإضافة إلى سلسلة تدابير تقنية أخرى نفّذتهاعلى مستوى عدد من المحطات الأساسية التي تواجه ضغطاً كبيراً.
وبالنسبة للبلدات النائية في المناطق الخطرة لاسيما في الجنوب مثل رميش، حاصبيا ومرجعيون فهناك دمار هائل لخطوط الفايبر ولشبكات الإتصالات الخلوية، إلا أن "تاتش" و"ألفا" تواكبان تأمين خدمة الإتصالات والبيانات الخلوية لأهالي هذه البلدات من خلال التجوال المحلي "National Roaming".
في المقابل، كان وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي عرض للمرحلة التي بلغها إطلاق باقات الإنترنت المجانية المخصصة للتلاميذ والمعلمين من طريق وزارة الإتصالات وبموافقة من مجلس الوزراء .
وتمّ أيضاً عرض خطة التدريب التي ستشمل نحو 13000 معلم من بينهم نحو ألفي معلم تم تدريبهم على طرائق التعليم عن بعد بالتعاون بين المركز التربوي للبحوث والإنماء ومكتب اليونسكو الإقليمي عند تأسيس مدارس الإستجابة في العام الدراسي المنصرم في منطقة الجنوب.
وأشار الوزير إلى الحاجة لتمويل جديد للخطة، وأنه يتم التحضير لإجتماع اليونسكو في باريس لهذه الغاية. كما وتحدث عن دعم اليونسكو لتجهيز ثلاث غرف رقمية للتعليم عن بعد في الجامعة اللبنانية.
تحديات تواجه التطبيق
أبعد من كلفة التجهيزات، وفتح شبكة الإنترنت في المدارس، فإن تطبيق الخطة قد لا يكون متاحاً بالسرعة المتوقعة، وعلى الوزارات تجاوز التحديات التي ظهرت عند تطبيق التعليم أونلاين خلال فترة كورونا كمدخل لنجاح الخطة الحالية.
وهذا ما يؤكده مدير برنامج الإعلام في منظمة سمكس، عبد قطايا في حديث لـ"مهارات نيوز"، إذ أن هذه الطريقة سبق وأن استخدمت لفترة وجيزة خلال أزمة كورونا، لكنها لم تحقق النجاح المرجو، حيث إشتكى العديد من الطلاب حينها من إستهلاك رصيدهم الشخصي للإنترنت، ما أدى إلى زيادة المصاريف عليهم.
ويتساءل قطايا حول الأسباب وراء إختيار الوزارة لإستخدام "Microsoft Teams" دون غيره من التطبيقات، مشيراً إلى أن هذه المنصة قد لا تكون الأنسب، خاصة فيما يتعلق بكفاءة الوقت اللازم لإحصاء أعداد الطلاب والأساتذة، وهي عملية قد تستهلك الكثير من الجهد والوقت.
وبحسب قطايا، فإن الوزارة كان بإمكانها تحسين الأداء عبر إستخدام حلول مثل "Cash Servers" لتخفيف الضغط على الشبكات. وأنها على الرغم من أن الوقت كان متاحاً لها للإستعداد بخطة طوارئ أكثر فعالية، لكن ما يتم تطبيقه الآن يبدو خطوات إستجابة غير مخطط لها مسبقاً.
أما بخصوص سرعة الإنترنت، فيرى أنها شهدت بعض التحسينات خلال أزمة كورونا، إلا أن الطلاب لم يتمكنوا من الإستفادة منها بالشكل المطلوب. ومع الأوضاع الحالية التي تتجاوز الحجر الصحي لتشمل النزوح، الغالبية تعتمد الآن على الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، مع تسجيل زيادة كبيرة في الإستهلاك، وهو ما أكده مدير أوجيرو "عماد كريدية".