يعاني لبنان من ازمة كهرباء منذ عقود. وعلى مر السنين، وعِدَ اللبنانيون بأنهم سيحصلون على أبسط حقوقهم وهي الكهرباء 24/24. لكن في منتصف العام 2021 لبنان مهدد بالعتمة.
منذ العام 2010 وضعت الخطط والمشاريع لبناء معامل للكهرباء، منها على الطاقة الشمسية. مرّت السنين وتعرقلت كل المشاريع ولم ينفذ أي منها. حالياً، بعد أزمة لبنان المالية والاقتصادية، ما مصير محطات الكهرباء على الطاقة الشمسية التي كان القطاع الخاص سيبنيها؟
طرحت وزارة الطاقة والمياه عدة مشاريع في هذا المجال، لكن أبرزها كان بناء 12 محطة شمسية على كافة الأراضي اللبنانية في كل المحافظات بقدرة 15 ميغاواط لكل محطة، مما كان سينتج 180 ميغاواط. هذه المشاريع كان سيتم بناؤها من قبل القطاع الخاص، ويتم بيع الكهرباء المنتجة الى مؤسسة كهرباء لبنان، من خلال عقود شراء الطاقة power purchase agreement. وفي العام 2018، بدأ المركز اللبناني لحفظ الطاقة مع وزارة الطاقة العمل على المشاريع وتمت المناقصة بعد تعيين لجنة لتقييم العروض المطروحة. في المرحلة الأخيرة، بقيَ 17 عرضاً، وتمّ تصنيف 12 منها. وقد بدأت رحلة التفاوض التقني والمالي للبت بها، لكنها تأخرت بسبب الاتفاق على كيفية عقد المناقصات وفتحِ الأسعار. وفي العام 2019، فُتِحَت الأسعار وكان السعر الأقل كلفة في منطقة البقاع بـ 5.7 سنتاً لكل ميغاواط. ويعتبر هذا السعر مغرياً جداً، خصوصاً عندما نقارنه بالكلفة المعدلة لكهرباء لبنان حالياً التي توازي في المعامل 15 سنتاً، فكان التوفير سيوازي 10 سنتات لكل ميغاواط.
لكن مع تفاقم كل الأزمات الاقتصادية والمالية وأزمة كورونا وتضخم سعر صرف الليرة مقابل الدولار وعدم تسديد قروض اليورو بوند، علّق العمل بهذه المشاريع، علماً أن القيمين عليها يؤكدون أنها ما زالت مطروحة. لكن كيف السبيل الى إعادة العمل بها في ظل التعثر المالي؟ ومن هي الجهة "الانتحارية" التي ستقوم بهكذا مشاريع؟
مشاريع متوقفة
هذه المشاريع أو المحطات هي عبارة عن عقود مشتركة بين القطاعين العام والخاص، وهي عقود طويلة الأجل وتمتد ما بين 20 و 25 عاماً، وخصوصاً أن المستثمرين كانوا سيوظفون أموالهم على مدى طويل بالدولار الأميركي. ويؤكد المدير العام لـ"المركز اللبناني لحفظ الطاقة" بيار خوري انه لم يكن على الدولة أي تكلفة، اذ ان القطاع الخاص هو من كان سيتكفّل بكل شيء ويبيع الكهرباء الى موسسة كهرباء لبنان، التي بدورها تدفع تكلفة الكيلوواط/ساعة فقط لا غير.
هذا القطاع الخاص الذي كان سيساهم في بناء هذه المحطات ما هو الا القطاع المصرفي، وتقول مسؤولة الطاقة في بنك عودة كارول عياط (المساهم الأكبر في هذه المشاريع)، "انه قبل الأزمة لم يكن لدى القطاع المصرفي في لبنان التمويل الكافي لمشاريع طويلة المدى كهذه، كما انه لم يكن بيوم من الأيام الممول، انما كان سيساعد الدولة اللبنانية في جذب الممولين والمستثمرين الذين سيبنون هذه المحطات ويبيعون طاقة (كيلوواط/ساعة) لمؤسسة كهرباء لبنان بموجب عقد شراء الطاقة بين القطاعين العام والخاص". أما الممولين الأساسيين فهم مؤسسات دولية كالبنك الدولي، البنك الأوروبي الاستثمار، وكالة التنمية الفرنسية، الوكالة الألمانية للتنمية، والبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتثمير، وفي رأي عياط أن هذه المؤسسات على اهتمام كامل بالمشاريع، وهي على جهوزية كاملة لمساعدة الدول النامية بمشاريع كهذه والتي تعاني أزمات مالية شرط ان تطرح هذه الدول خططاً إصلاحية للوصول الى طريق مستدامة".
ورغم ان المناقصات كانت شفافة وواضحة والشروط البيئية كانت متوافرة لبناء المعامل والأسعار كانت ملائمة، على ما يقول خوري، "إلا أنه كان يفترض على الدولة اللبنانية، منذ بدء تدهور الوضع الإجمالي في لبنان ان تبدأ بالإصلاحات فوراً خصوصاً مع صندوق النقد الدولي، وأن تحصل على مصادر تمويل، لكن بسبب عدم انجاز أي إصلاح، فقدنا ثقة المجتمع الدولي والمدني".
علماً أن أي دولة في العالم لن تكون فاعلة وسليمة اذا كان قطاعها المصرفي منهاراً، وهذه حالة لبنان اليوم. فهو بلا حكومة، اذ ان حكومة تصريف الاعمال بالكاد تقوم بأدنى واجباتها، والمعنيون بتشكيل حكومة جديدة تنفذ الاصلاحات المطلوبة دولياً وخصوصاً في قطاع الطاقة، غير متفقين والبلد ينهار أمامهم. إذاً في الوقت الراهن الوضع كارثي، وكل هذه المشاريع متوقفة في انتظار تشكيل حكومة جديدة.
خلق فرص عمل
اذا كانت هذه المعامل ستحلّ مكان المولدات غير القانونية وبالتالي ستقلّص التلوث الهوائي التي تسبّبها المولدات، الا انها تشكّل استثماراً جيداً وجديداً ومربحاً للبنان، إذ ان كلفتها أقل من كلفة إنتاج الكهرباء أو المولدات. كما ان معظم المحطات كانت ستبنى في المناطق الريفية مما يخلق فرص عمل جديدة في مجالات عدة وتنشط الحركة السياحية في تلك المناطق.
ففي منطقة عكار مثلاً، وهي إحدى المناطق التي كان سيبنى بها معمل، كانت ستخلق 600 وظيفة لأهالي المنطقة، كما أن أبعاد هذه المشاريع لا تقتصر فقط على البيئة والكهرباء انما كان على الجهات المموّلة ان تساهم في بناء مهارات أبناء المناطق للعمل في المشاريع، وفي تعزيز البنى التحتية بحسب حاجة كل منطقة.
... للأسف، في وقت تكثر التوقعات أننا سنصل الى العتمة الشاملة في ظل اسوأ أزمة اقتصادية يمرّ بها لبنان، ونتيجة المناكفات والعرقلات السياسية التي تضرب كل المشاريع، كان من الممكن الاستثمار في هكذا مشاريع بدلاً من هدر الأموال على النفط والمازوت والفيول، وكان مشروع الطاقة الشمسية سيقتصد على خزينة الدولة الكثير من المال، والأهم، انه من المستحيل ان نكمل السير بعكس التيار، لأن العالم بأسره يتجه الى المعامل الصديقة للبيئة بسبب التغيرات المناخية التي نشهدها حالياً.
TAG : ,مؤسسة كهرباء لبنان ,الطاقة الشمسية ,وزارة الطاقة والمياه