تطلّب الأمر 20 عامًا من الانتظار، ليُقرّ مجلس النواب مشروع قانون "تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية" في 14 كانون الأول 2023، وسط أزمة اقتصادية تعصف بالعمال اللبنانيين، وعجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن لعب دوره كما السابق.
فبعد أن كان العامل يحصل على تعويض تقاعدي مادي دُفعةً واحدة، أصبح بإمكانه تقسيط حصوله على المبلغ المستحقّ، وتحويله إلى راتب شهري تقاعدي، وفق شروط محددة، فما أبرز ما ورد في هذا القانون؟ وهل فعلاً يُحقق العدالة للعمال أم أنه "مش حرزان"؟.
الإنتساب وقيمة التعويض
حدّد القانون الحديث الفئات التي تخضع الزاميًا لهذا النظام الجديد للاستفادة من الراتب التقاعدي الشهري، وهم الأُجراء اللبنانيين العاملين بعقد عمل والمتعاقدين، ومن ليس لهم تقاعد خاص من العاملين لحساب الدولة والبلديات وأفراد الهيئة التعليمية في مؤسسات التعليم العالي، والأُجراء الأجانب ضمن شروط، وفئات أخرى يتم إخضاعها بمراسيم.
أما الشروط التي يجب توافرها للانتساب الإلزامي فهي:
الأشخاص الذين يدخلون العمل لأول مرة بعد تاريخ وضع النظام موضع التنفيذ.
سائر المضمونين سابقًا الذين لم يبلغوا سن الـ 49 بتاريخ وضع النظام موضع التنفيذ.
سائر المضمونين سابقًا الذين بلغوا سن الـ 49 ولم يبلغوا سن الـ 58، شرط أن تكون مدة انتسابهم إلى نظام نهاية الخدمة إضافة إلى المدة المتبقية لبلوغ سن التقاعد 15 سنة على الأقل.
ويبقى للأُجراء الآخرين حق الإختيار في البقاء ضمن نظام نهاية الخدمة أو الإنتساب إلى نظام التقاعد، في حين يُمكن للأشخاص العاملين لحسابهم الخاص أن يشتركوا إختياريًا في النظام وفق سُلّم مداخيل وإشتراكات.
يُذكر أن المعاش التقاعدي يستحقّ عند توافر شرطين مجتمعين، وهما، بلوغ المضمون السن القانونية للتقاعد المحددة بـ 64 سنة مكتملة، وبلوغه مدة اشتراك 15 سنة على الأقل. يُلفت الى أنه يجوز طلب المعاش باكرًا في حالات حصرية.
قانون التقاعد والحماية الاجتماعية الجديد
أما بالنسبة لتوزيع الاشتراكات ومصادر التمويل، وبعد أن كان الخوف من إعفاء أصحاب العمل من مبالغ التسوية، توزعت النسبة، بين اشتراكات مفروضة على صاحب العمل من جهة، والأجير من جهة أخرى، إضافة إلى مشاركة الدولة، ويشير القانون إلى زيادة سنوية تتماشى مع زيادة متوسط مداخيل المشتركين.
ضمانتا الحد الأدنى للمعاش التقاعد:
ولاحتساب قيمة الرواتب التقاعدية، يضمن النظام، أن لا يقل المعاش التقاعدي عن أفضل احدى الضمانتين:
- للمضمون الذي اشترك لمدة 15 سنة كاملة، نسبة 55% من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المعتمد بتاريخ التقاعد، وتزداد هذه النسبة 1.75% عن كل سنة إشتراك إضافية، لتبلغ في حَّدها الأقصى 80%من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المعتمد في تاريخ التقاعد.
أو
أ- نسبة 33.1% من متوسط أجور المشترك المصرح عنها طيلة فترة إشتراكه في هذا النظام، والمعاد تقييمها حتى تاريخ التقاعد، وذلك عن كل سنة إشتراك للمضمون ولغاية 30 سنة كحد أقصى.
ب- خلال الفترة الانتقالية، يمكن ربط الضمانة الأولى، بمتوسط مداخيل المشتركين عوضًا عن الربط بالحد الأدنى للأجور وبطريقة تحافظ على القيمة نفسها للضمانة.
ومن هنا، قمنا بعملية حسابية لقيمة الراتب التقاعدي الشهري لهذين الخيارين، اضافة الى القيمة في حال سحبه دفعة واحدة بحسب النظام الجديد، والمقارنة مع قيمة التعويض على النظام القديم، وأخذنا مثالاً على أساس راتب 9 ملايين ليرة لبنانية، حيث تبيّن أن القيمة الشهرية ليست كبيرة، إلاّ أنه مع السنوات تبقى أفضل بقليل من القانون القديم.
جدلية القانون!
في تقييم مختصر لهذا القانون على أرض الواقع، تبيّن أنه ورغم ايجابياته، هناك إنتقادات له من قبل بعض الخبراء خاصة فيما يخص قيمة التعويض. ويشرح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لموقع "مهارات نيوز"، أن في الفترة الأخيرة ارتفع متوسط التعويضات من 70 - 80 مليون ليرة لبنانية، الى 100 أو 200 مليون ليرة لبنانية، إلاّ أن القيمة لا تزال نفسها رغم ارتفاع الرواتب، لأن هذه الزيادات في معظمها لا يدخل في أساس الراتب بل تُدفع كمساعدات من خارجه، أي في حال يتقاضى الموظف اليوم 30 مليون ل.ل. يتم احتساب النظام التقاعدي على أساس 3 ملايين ل.ل، لا على الزيادات التي أتت عليه، وبالتالي بحسب شمس الدين "بيطلع التعويض مش محرز".
ومن هنا أهمية القانون الجديد الذي هو نفسه لم يأتِ على قدر التوقعات كما قال، كون الراتب الشهري التقاعدي هزيل، إذ يتراوح تقريبًا بين 4 ملايين ل.ل و11 مليون ل.ل، وفي حال احتسابه على سعر صرف دولار 89000 ل.ل. تكون نسبته قليلة، لذلك فإن القانون لا يُحقق الغاية التي كان يطمح لها المتقاعدين، بعد انتظار 20 سنة.
ويشدد شمس الدين على أن القانون الحديث لا يزال أفضل من القديم، حيث أنه أصبح لموظف الدولة المتقاعد خيارات، إما أن يحصل على تعويض نهاية الخدمة دفعة واحدة، أو على شكل راتب تقاعدي شهري، وهو المرجح، لعدم صرف المتقاعد المبلغ دفعة واحدة، وحتى انه مفيد بطبيعة الحال لموظف القطاع الخاص، خصوصًا وأن النظام التقاعدي اليوم لا قيمة له ولا يمكن الاستفادة من الطبابة، إلا أن الخوف يبقى من موجودات الضمان ومدى توفرها.
من جهته، يوضح النائب السابق عاصم عراجي، والذي شارك ضمن لجنة صياغة مشروع القانون، أن إقراره اليوم، يُعتبر خطوة على الطريق الصحيح، ليشكل نقطة تحوّل في مسار العامل اللبناني. وشدّد على أن هذا القانون هو نتيجة عمل لسنوات في لجنة فرعية برئاسة النائب نقولا نحاس، كانت تجتمع قبل انفجار الرابع من آب مرتين في الأسبوع، وعادت للعمل بعد شهرين من الانفجار، ولم تتوقف عن المحاربة لإقراره رغم مضيّ السنوات، وأضاف: "صحيح أنها أخذت وقتا طويلاً بسبب التوازنات في مجلس النواب وكل واحد كان عم يشدّ اللحاف الى ناحيته، إلا أنه بالنهاية أقرّ بعد جهد جهيد".
وحول الرواتب، يشرح عراجي لـ "مهارات نيوز" أن ما من قانون جديد يصدر كاملاً 100% ، فمع الممارسة، تُكتشف النواقص والثغرات وتُصحّح. ويقول: "بشكل عام، في حال نريد احتساب الرواتب بحسب قيمة الليرة اللبنانية اليوم، ومع دولار 89 الف ل.ل، مهما أعطينا المتقاعد لن يمكّنه من العيش بكرامة ، إلا أن الوضع الاقتصادي لن يبقى على هذا النحو، وفي حال تحسن وضع الليرة سيتحسن كل شيء معها، وضمنها المعاشات التقاعدية، حيث بطبيعة الحال ستُدرس بشكل مستمر لمواكبة التغيرات، وتجرى تعديلات على المشروع للزيادات". لذلك، من المهم إقرار مشروع القانون الذي غّير اتجاه البوصلة من تعويض يتمثّل بكمية من الأموال تُصرف في أشهر، إلى مكان افضل يعرف فيه المتقاعد أن لديه مدخولاً شهرياً.
يوافق رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، النائب عراجي بأن هذا المشروع يشكّل نقلة نوعية بحياة العمال الخاضعين لشروط صندوق الضمان الاجتماعي، ويقول لـ "مهارات نيوز": "لا شك أن ما من قانون يحقق عدالة اجتماعية في المطلق، إنما يضع القطار على السكة، خصوصًا وأنه يشمل فئات كبيرة، من عمال وأصحاب مؤسسات، ومهن حرفية حرة، والعُجّز، والعاملين في الخارج وغيرها، وبالتالي هو بداية لتحقيق التضامن والتكافل والعدالة الاجتماعية".
وأشار الأسمر الى أن الرواتب التقاعدية تُدفع بحسب شرطين، أولهما للرواتب الصغيرة والثاني للرواتب الكبرى (يمكن الاطلاع على الفقرة السابقة في هذا المقال بشأن ضمانتا الحد الإدنى للمعاش التقاعد). وشدّد على أن هذا المشروع خاضع لدراسات سنوية لإعادة تقييمه وتحسينه.
ويرى الأسمر أنه وسط فقدان التعويضات لقيمتها، لا بد من المباشرة بمعاش تقاعدي ولو بحدود مقبولة بانتظار وضع المراسيم التطبيقية (عددها قد يصل الى حدود الـ 10)، قائلاً: "الأهم أن نضع القانون موضع التنفيذ اولاً، ومواكبته بالتقييم المستمر. وهذا القانون يخضع لحوكمة نظيفة ورشيدة، وكل مشروع يخضع لحوكمة وقيادة رشيدة يصل إلى برّ الأمان، خصوصًا وأن هناك لجنة استثمار للأموال ويجب أن تكون من الأكفاء نظيفي الكف للوصول الى الهدف المنشود".
اذاً، في انتظار تنفيذ القانون والمراسيم التطبيقية العديدة، والخوف من عدم توفّر التمويل اللازم، عدم التزام الدولة بموجباتها، عدم توفّر موجودات الضمان، واستمرار عدم استقرار العملة النقدية، سيبقى العامل اللبناني بانتظار عودة قيمة تعويضاته لتساوي قيمة تعبه المحفورة على وجهه.