Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

صندوق النقد
هل يتعارض اقتراح قانون "الصندوق الائتماني" مع الاتفاق على مستوى الخبراء الذي أجراه لبنان مع صندوق النقد الدولي؟
16/07/2024

نشرت جريدة المدن مقالا حول اقتراح قانون الصندوق الائتماني الذي "يضمن خطة المصارف التي وضعتها عام 2020  عبر تحويل إلتزامات المصارف المترتّبة لمصلحة المودعين إلى ديون عامّة على الدولة أو أصولها أو إيراداتها". 

وقد ذكرت جريدة المدن أنّ "ربط الودائع بالدين العام، لن يرد الودائع، وسيُغرق الدولة والاقتصاد تحت وطأة ديون لن تُسدد، وسيحول دون الاتفاق مع صندوق النقد وحملة سندات اليوروبوند. لكنّه الخيار الوحيد الذي يتناسب مع مصالح النخبتين السياسيّة والمصرفيّة.

 

فهل يتعارض اقتراح قانون "الصندوق الائتماني" مع الاتفاق على مستوى الخبراء الذي أجراه لبنان مع صندوق النقد الدولي؟

 

اقتراح قانون "الصندوق الائتماني" أو "المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة"

قدّم تكتل "الجمهوريّة القوية" اقتراح قانون "المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة" بتاريخ 4 نيسان 2023، وتقدّم تكتل لبنان القوي باقتراح قانون مماثل تحت عنوان "الصندوق الائتماني" بتاريخ 21 آذار 2024.

يختلف المشروعان في بعض النقاط لناحية إدارة الصندوق ومسألة طريقة توزيع الأرباح ورد الودائع، لكن الأساس في الاقتراحين هو ربط ايرادات استثمار وخصخصة أصول الدولة بعملية ردّ الودائع، عبر تحميل التزامات المصارف المترتّبة للمودعين على شكل ديون عامّة على الدولة، وبالتالي تحميل الدولة هذه الخسائر.

 

وفي حالة الاقتراح المقدّم من تكتل "لبنان القوي"،وبحسب المادة 1 منه، يتمّ تغذية هذا الصندوق عن طريق تحويل ملكية الأصول للعديد من المؤسسات العامّة إلى هذا الصندوق الائتماني، ويمكن لهذا الصندوق بيع أسهم هذه الشركات أو إشراك القطاع الخاص في استثمارها وفقا لمندرجات القانون، بالإضافة إلى العديد من الصلاحيات التي نصّت عليها المادة 3 منها تعيين مجالس إدارة جديدة للشركات المملوكة منه، ووضع الخطط وتنفيذها لتحسين الاستثمار داخل هذه الشركات.

 

يذكر أنه من ضمن هذه المؤسسات التي ستتحول ملكيتها للصندوق، كهرباء لبنان،  المؤسسات العامة للمياه والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، شركات الإتصالات ومن ضمنها مؤسسة أوجيرو والهاتف الثابت والبريد، إدارة حصر التبغ والتنباك، كازينو لبنان والعديد من المؤسسات الأخرى.

 

وفي إطار هذين الاقتراحين، يقول الخبير الاقتصادي خليل جبارة في مقابلة لـ"مهارات نيوز"، أنّ الثغرة الاولى في الاقتراحين هو تقديمهما من قبل نواب في المجلس النيابي في الوقت الذي يجب فيه أن تأتي هذه الاقتراحات من قبل الحكومة، لأنّه لا يمكن نقاش هذا المقترح دون وضعه في إطار تنفيذ خطة تعافي إقتصادي وتحديد حجم توزيع الخسائر بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف الخاصة، بالإضافة إلى ضرورة إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

 

الصندوق الائتماني: يسبق شروط صندوق النقد

ينصّ الاتفاق على مستوى الخبراء الذي توصّل إليه صندوق النقد مع لبنان في العام 2022 على العديد من الشروط الأساسية للإستفادة من تقديمات الصندوق أبرزها  إعادة هيكلة القطاع المالي، تنفيذ إصلاحات مالية تضمن مع إعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، بقاء الدين في حدود مستدامة وخلق حيز للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية، بالإضافة إلى  الاعتراف بالخسائر المصرفية في والعمل على توزيعها، مع حماية صغار المودعين.

 

وفي سؤالنا حول ما إذا كان يتعارض اقتراح "الصندوق الائتماني" مع الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد، يشير جبارة إلى أنّه "يتمّ التداول على وسائل إعلامية أن الرقم المطروح، لحجم الودائع التي ستتحوّل إلى ديون عامّة، هو 40 مليار دولار أميركي، أي ما يقارب 44% من إجمالي الودائع المصرفيّة، وبالتالي ستصبح ديونا عامة على الدولة".

ويضيف جبارة أنّ الشرط الأساسي في النقاشات مع صندوق النقد حول فكرة "الصندوق الائتماني"، أن نجاح الفكرة يتطلّب تحقيق عدّة شروط هي:

  • أن تستطيع الحكومة أن تؤمّن الاستدامة للدين العام 

  • تأمين ايرادات تنفقها على الأمن الاجتماعي والبنية التحتية

  • أن تقوم الحكومة بإصلاحات اقتصادية وإعادة هيكلة للقطاع المصرفي.

 

وبالتالي، فإنّ طرح الصندوق الائتماني اليوم وتحميل الدولة 44% من الودائع كدين عام، ينسف استدامة الدين العام،  إذ إنّ حجم الدين الذي سيقع على الدولة كبير قياسا بالناتج المحلّي وبالتالي لن تستطيع الدولة خدمة دينها العام، بالإضافة إلى أن تحميل الدولة هذا الدين يجري دون مناقشة إعادة توزيع نسب الخسائر بشكل واقعي ومن دون مناقشة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقدرة الدولة على تأمين استدامة الدين العام".

أما في ما يخص تأمين الايرادات لتغطية الإنفاق الإجتماعي  والبنية التحتية، فلبنان بعيد كل البعد اليوم عن تحقيق هذا الشرط، وهو شرط أساسي لصندوق النقد، إذ إنّ أي تمويل للصندوق الائتماني، يجب أن يحصل بعد  تأمين الايرادات اللازمة للأمور الحياتية والمعيشية للمواطن اللبناني، وبالتالي يكون تمويل الصندوق الائتماني من فائض الإيرادات.

 

أي أنّه وبعد تطبيق شروط صندوق النقد من توزيع للخسائر المالية بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وتطبيق الخطة الإصلاحية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بالإضافة لتأمين كامل إيرادات الانفاق الاجتماعي والبنية التحتية، يتم تمويل الصندوق الائتماني من فائض الايرادات، وفي هذه الحالة يصبح الصندوق مقترحا منطقيا إلى حد ما، بحسب  ما أشار إليه جبارة.

 

ولكن في ظلّ ما سبق، تبرز إشكالية السبب وراء طرح مثل هكذا اقتراحات دون خطة مالية إصلاحية واضحة ضمن الشروط المتفق عليها مع صندوق النقد، وقد اختصر جبارة كل هذه النقاط بالقول إننا "نضع العجلة قبل الحصان، إذ لا يمكن البحث الجدي بفكرة انشاء صندوق الائتماني قبل بدء تنفيذ خطة الإصلاح والتعافي وتطبيق ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد، تحديد وتوزيع نسب الخسائر وضمان عدم تعارض هذا المشروع مع مبدأ إستدامة الدين العام للتخفيف من عبء الدين العام، أما النقطة الأخيرة هي أن يموّل الصندوق الائتماني من فائض الايرادات".

 

إذا، ما يتمّ تداوله صحيح جزئيا، ففكرة الصندوق الائتماني بحد ذاتها لا تتعارض مع الاتفاق المبدئي الموقّع بين صندوق النقد ولبنان، لكن بالمقابل اقرار الصندوق الائتماني في سياق منعزل أي قبل تحقيق شروط صندوق النقد بإعادة هيكلة القطاع المالي وتنفيذ إصلاحات مالية تضمن استدامة الدين العام بالإضافة لتوزيع الخسائر المصرفية وتأمين الاستثمارات للإنفاق الاجتماعي يتعارض مع الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد.