صحيح
منذ اقرار مجلس الوزراء لموازنة 2026 في 22 أيلول 2025، برزت العديد من الإشكاليات حول مشروع الموازنة وما تضمّنته من أرقام ووعود رسمية بتحقيق "صفر عجز" الأمر الذي أثار النقاش العام على الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن ضمن هذه الاشكاليات ما يتعلّق بفتح اعتمادات استثنائية من خارج إطار الموازنة العام وهو ما خلق جدلاً واسعًا بين الكتل النيابية، فقد علّقت عضوة لجنة المال والموازنة النائبة غادة أيوب بالقول: "إنّ الاعتمادات الإضافية سواء فُتحت بمرسوم أو قانون فإنها تشكّل زيادة على تقديرات الموازنة، متسائلة: ما هو مصدر أموال الاعتمادات الإضافية ومن أين يتم تأمين الأموال، وكيف يمنحون الحق لأنفسهم بمد اليد إلى حساب الخزينة الذي هو أصلًا جاري وليس فائضًا؟ هل سيفتح الباب في موازنة 2026 لاعتمادات إضافية ويخبرونا أننا صفر عجز؟ وهل سيستمرون بالسحب من الحساب 36 من دون قانون؟".
فهل اجازة فتح الإعتمادات الإستثنائية يُعتبر تحايلا على صفر عجز موازنة؟
يوضح الباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية زياد ناصرالدين لـ"مهارات نيوز" أنّ فتح الاعتمادات الاستثنائية في لبنان يعكس خللًا ماليًا مستمرًا، إذ استُخدمت كبديل عن الموازنة بدل أن تبقى أداة طارئة، وهذا نتيجة ضعف الإيرادات التي تبقى رهينة الواقعين السياسي والأمني، ما ينعكس على المالية العامة.
أي أنّ فتح الاعتمادات الاستثنائية لا يُحتسب من ضمن تقديرات الموازنة للنفقات والايرادات. وبالتالي، واذا استخدم الاعتماد الاستثنائي لغير ما هو محدّد في القوانين المرعية الإجراء (كالحالات الطارئة مثلا) يكون فعليًا مخالفا للقانون ويكرّس تحايلًا على قاعدة "صفر عجز".
وفي هذا السياق، يضيف ناصرالدين أنّ شعار "صفر عجز" يواجه عقبة النفقات الاجتماعية المرتفعة، فيما صندوق النقد الدولي لن يُقدّم أي دعم ما لم يُنجز قطع الحساب بدقة مع نهاية 2025 ليُبنى عليه إعداد موازنة 2026، وأشار إلى أنّ استمرار الإدارة المالية بالنهج نفسه منذ التسعينيات وغياب التحديث يؤخران الإصلاحات.
ومن جهة أخرى، أكّد ناصرالدين أنّ إعادة الإعمار ما زالت غائبة عن الموازنة، رغم الحديث عن هبة بقيمة 700 مليون دولار، في حين ظهرت فجأة التزامات على الدولة بقيمة 16 مليار دولار، ما كشف خللًا في الحسابات.
أي وفي حال تم تقديم هبات لإعادة الإعمار، في ظلّ عدم لحظ هذا الأمر في الموازنة، سيكون الإنفاق من خارج تقديراتها.
من جهتها أوضحت رئيسة ومديرة التعاون والشراكات في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي سابين حاتم لـ"مهارات نيوز" أنّه وفق قانون المحاسبة العمومية، يمكن فتح الاعتمادات الاستثنائية فقط عند بروز نفقات طارئة أو غير ملحوظة في الموازنة، على أن تُغطّى من الاحتياط الموازني أو من خلال قانون يقرّه مجلس النواب. وأشارت حاتم إلى أنّ فتح هذه الاعتمادات يجب أن يكون مرفقًا بموارد محدّدة، سواء من ضرائب أو هبات أو مصادر تمويل أخرى، وإلّا يُعدّ خللًا ماليًا".
وفي غير هذه الحالات الطارئة أو الحالات التي تسمح لرئيس الجمهورية بفتح اعتمادات استثنائية بموجب المادة 85 من الدستور، لا يمكن فتح أي اعتماد من خارج الموازنة إلا بموجب قانون بحسب ما نصّت عليه المادة 27 من قانون المحاسبة العمومية.
وأضافت حاتم أنّ "الموازنة هي أرقامًا تقديرية لكيفية الإنفاق، بينما حجم الصرف الفعلي يقاس بقطع الحساب وما إذا كان هناك عجز أم لا".
واكّدت حاتم أنّ "غياب قطع الحساب يحجب الصورة الحقيقية، ويحول دون معرفة ما إذا كانت هناك متأخرات غير مسددة أو عجز متراكم في مؤسسات عامة يصرف من خارج الموازنة وهذا يُعتبر خللًا في الممارسة، إذ لا يجوز لمجلس النواب إقرار موازنة جديدة قبل الاطلاع على الحسابات السابقة أي دون إجراء قطع حساب".
إذًا صحيح أن إجازة فتح الإعتمادات الإستثنائية في مشروع الموازنة قد يُعتبر تحايلًا على صفر عجز الموازنة، إذ إنّ فتح الاعتمادات الاستثنائية لا يُحتسب من ضمن تقديرات الموازنة للنفقات والايرادات، وبالتالي فاستخدام الاعتماد الاستثنائي لغير ما هو محدّد في القوانين المرعية الإجراء (كالحالات الطارئة مثلا)، يكون فعليًا مخالفا للقانون ويكرّس تحايلًا على قاعدة "صفر عجز".