Loading...
true

صحيح

مصرف لبنان 1
هل إنفاق الحكومة من حساب الخزينة رقم 36 في مصرف لبنان يستلزم قانونًا؟
30/09/2025

في خضمّ السجال الدائر حول مشروع موازنة العام 2026، الذي أحاله رئيس الحكومة اللبنانية في 30 أيلول 2025 إلى مجلس النواب، طرحت الصحافية عزة الحاج حسن، مسؤولة قسم الاقتصاد في جريدة المدن، في مقالها تساؤلاً لافتاً حول ممارسات مالية اعتمدتها الحكومة خلال عام 2025.

 

فقد لجأت وزارة المالية إلى الإنفاق من "حساب الخزينة رقم 36" في مصرف لبنان، وهو حساب جاري يضمّ الأموال المحصّلة لصالح الدولة، مستخدمةً اعتمادات استثنائية اعتُبرت بمثابة فائض. ومن أبرز أوجه هذا الإنفاق صرف نحو 25 ألف مليار ليرة لتغطية رواتب المتقاعدين بموجب مرسوم، في حين أن هذا النوع من الإنفاق، بحسب الأصول الدستورية والمالية، يستلزم صدور قانون عن السلطة التشريعية لا الاكتفاء بمرسوم حكومي.

 

فهل إنفاق الحكومة من حساب الخزينة رقم 36 في مصرف لبنان يستلزم قانوناً؟

 

على الرغم من أن الرقم "36" نفسه قد لا يُذكر مباشرة في قانون النقد والتسليف كرقم حساب صريح، إلا أن هذا الحساب، يُحدده مصرف لبنان بتعميم تنظيمي، استنادًا إلى صلاحياته المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف (خصوصاً المواد بين 70 و 174). ويُشار إليه في تعاميم مصرف لبنان، مثل التعميم الأساسي رقم 158 وغيره، كحساب مرجعي للمصارف لتجميد أو إدارة أموال معينة.

 

ينص قانون النقد والتسليف اللبناني (مرسوم رقم 13513 بتاريخ 1/8/1963) على أن الخزينة العامة للدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بفتح الحسابات لدى مصرف لبنان. وهذا يعني أن كل الإيرادات الحكومية يجب أن تصل إلى الحساب الرسمي رقم 36، المعروف بحساب الخزينة العامة. لكن القانون رقم 49/87 (تعديل 1987) أجاز لبعض الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات فتح حسابات مستقلة خاصة بها في مصرف لبنان، بالرغم من أن ذلك يتعارض مع أحكام قانون النقد والتسليف الأصلي.

 

وبالتالي، فإن الحساب 36 هو الحساب المركزي للدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، وتُودَع فيه جميع الإيرادات العامة من رسوم وضرائب، وحتى الأرباح التي يحققها مصرف لبنان من المفترض أن يحوّل حصّة الدولة منها إلى هذا الحساب.

 

الإنفاق بحاجة لقانون

وحول ما إذا كان إنفاق الحكومة من الحساب 36 يحتاج إلى قانون، تقول مسؤولة قسم الاقتصاد في المدن، الصحافية عزة الحاج حسن، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، إن الدولة تُنفق عادة على أساس الموازنة المقرّة، وبالتالي فإن أي إنفاق خارج الموازنة لا يمكن أن يتم بمرسوم بل يحتاج إلى قانون، تماماً كما هو الحال مع الموازنة نفسها. من هنا، فإن الصرف بموجب مرسوم لا يُعتبر قانونياً.

 

وتضيف الحاج حسن، أن الحكومة لجأت فعلياً إلى هذا الأسلوب، وهو ليس جديداً إذ اعتادت السلطات على القيام به، إلا أن الأمر برز بشكل أوضح مع الحكومة الحالية التي صرفت عبر مراسيم. وبعد اعتراضات من عدد من النواب، جرى فتح مساءلة بحق وزير المالية حول قانونية هذا الإجراء.

 

ووفق الحاج حسن، فإن مدير عام المالية صرّح في إحدى المقابلات بأن الصرف يتم من "الفائض"، لكن في الواقع لبنان لا يملك فائضاً مالياً، وهو ما كشف الإشكالية ودفع إلى وقف هذه الممارسة والتوجّه لتقديم اقتراحات قوانين.

 

وتشدّد على أن المشكلة لا تكمن في السحب بحد ذاته، بل في الآلية المعتمدة. إذ يُطرح السؤال: بأي مستند قانوني يتم الإنفاق؟ خصوصاً أن غياب قطع الحساب يمنع معرفة الحجم الإجمالي للاعتمادات المفتوحة، حيث يجري فتح اعتماد جديد مع كل عملية صرف من دون إدراجها في كشف موحّد يوضح مجموع النفقات الاستثنائية.

 

في السياق، يوضح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن المواد القانونية تنصّ على أن أي فائض يتحقق بين الإيرادات والنفقات في الموازنة يُحوَّل إلى حساب الاحتياط. وأي إنفاق من هذا الحساب يستوجب حكماً صدور قانون، خصوصاً في حال عدم وجود اعتمادات مرصودة مسبقاً. وأنه من ضمن حساب الاحتياط يمكن أن تُصرف مبالغ إضافية مثل المعاشات أو السلفات وفق مواد خاصة، لكن ذلك يبقى محكوماً بالقانون.

 

واستند ضاهر إلى المادة 200 من قانون المحاسبة العمومية الصادر عام 1963 التي تنصّ صراحة على أنه: "لا يجوز أخذ أي مبلغ من مال الاحتياط إلا بقانون".

 

إذاً، فإن الإشكالية المطروحة صحيحة، حيث يستلزم إنفاق الحكومة من حساب الخزينة رقم 36 في مصرف لبنان قانوناً، وفق المادة 200 من قانون المحاسبة العمومية التي تنصّ صراحة على أنه: "لا يجوز أخذ أي مبلغ من مال الاحتياط إلا بقانون".