Loading...

الزجاج والألمنيوم في مرمى الإحتكار: كيف تراقب وزارة الإقتصاد الأسعار في ظلّ الأزمة؟

 

مع إعلان وقف إطلاق النار في لبنان وعودة السكان إلى الضاحية والبقاع والجنوب، إنطلقت ورش تركيب وصيانة الزجاج والألمنيوم. وبنتيجة إزدياد الطلب على هذين المكونين الأساسيين في صناعة البناء، نتيجة لتقلبات السوق، وإرتفاع تكلفة المواد الأولية، وكذلك تداعيات الأزمة السياسية والإقتصادية التي عصفت بالبلاد، عمد التجّار إلى رفع الأسعار لإستغلال المسألة وتحقيق المزيد من الأرباح. 

 

غلاء فاحش 

في ظلّ إرتفاع الأسعار الذي يشهده السوق اللبناني، تتزايد إتهامات المواطنين المتضررين تجاه تجار الزجاج والألمنيوم بفرض غلاءٍ فاحش على الأسعار، فيما يعتبر البعض من أصحاب المصالح هذا الإتهام ليس إلا افتراءً يفتقر إلى الدقة، ويؤكدون أنهم يمارسون عملهم وفق المعايير المعتادة، لكن العقبات الحقيقية تكمن في حلقات التوريد والسياسات الجمركية.

 

وفي هذا الإطار يقول حسين نحّاس، وهو صاحب أحد مصالح الزجاج والألمنيوم في بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت، في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، "يتم تحديد أسعار الزجاج والألمنيوم بناءً على التكاليف الفعلية للإنتاج، التي تشمل أسعار المواد الخام، تكاليف الطاقة، وأجور العمال، إلا أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في رفع الأسعار، مثل الطلب المرتفع، تكاليف النقل، والتقلبات في أسعار الصرف".

 

كما وتعاني الأسواق بحسب نحّاس من إضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة في تكاليف الشحن بسبب الأوضاع الجيوسياسية، مما يضيف عبئًا إضافيًا على المنتجين والمستوردين. كما أن التغيير المتكرر في أسعار العملات المحلية مقابل العملات الأجنبية أدى إلى إرتفاع تكلفة إستيراد المواد الخام.

 

ويبرّر بعض أصحاب ورش ومعامل تركيب الزجاج الإرتفاع الكبير في الأسعار بزيادة تكاليف المواد الخام والشحن والنقل، إلى جانب نقص المعروض الذي يؤدي بدوره إلى إرتفاع الأسعار نتيجة تزايد الطلب. ويعتبرون أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي إمتداد لسياسات إقتصادية معتمدة في لبنان منذ أكثر من عشرين عامًا. وعلى الرغم من تفهمم لمعاناة المواطن إلا أنهم يعتبرون أنفسهم أيضاً ضحايا لإحتكار المستوردين وللتكاليف الباهظة الناتجة عن الجمارك والضرائب.

 

وعلى حدّ تعبير أحد القاطنين في الضاحية الجنوبية "كنّا نشتري الزجاج سابقاً بـ 7$ وكنا نعتبره غالي، والآن أصبح المتر بـ 65$ ويرتفع مع الوقت ونحن مجبرين على شرائه. تجاوزت الأسعار الضعف، وفي بعض الحالات تجاوزت الضعفين والثلاث. حاولنا التواصل مع البلديات ولكنها لم تتحرك لأن قراراتها قائمة على المحسوبيات، وقدمنا شكاوى إلى وزارة الإقتصاد عبر الخط الساخن، التي وعدتنا بالعمل على معالجة القضية سريعاً، ولكن لا تقدم ملموس حتى الآن.

 

كما ولوحظ إرتفاع كبير بأسعار الألمنيوم بشكل مشابه لأسعار الزجاج، وسط مؤشرات واضحة على وجود تنسيق بين التجّار في بعض المناطق لتوحيد الأسعار، مما أثار الشكوك بشأن إستغلال الوضع الإستثنائي لإحتكار السوق بعد فترة ركود طويلة".

 

آلية مواجهة الإحتكار 

وسط هذا الواقع الصعب، تبرز تساؤلات عديدة حول آلية الرقابة وضبط الأسعار من قبل الجهات الرسمية، خاصة وزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك، ودورها في فرض الرقابة على الأسواق ومدى قدرتها على حماية المستهلكين من الإستغلال من قبل التجار. فالسوق يشهد ظاهرة إحتكار واضحة، حيث تتزايد الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يثير القلق لدى المواطنين الذين يعانون أصلاً من نقص القدرة الشرائية. 

 

وفي هذا الإطار، يشرح مدير عام وزارة الإقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، أن وزارة الإقتصاد عبر مديرية حماية المستهلك بدأت منذ اليوم الأول بمراقبة الزجاج والألمنيوم وسوف تتبعها بجولات تتعلق بالمفروشات والأدوات الكهربائية، وهي اليوم تلاحق كل سلسلة الإمداد بدءاً من المستورد وصولاً إلى التاجر إلى الموزعين وحتى متعهدي الفرش. 

 

ويضيف "بحسب ما تبين لنا فهناك ثلاثة شركات تستحوذ على ما يزيد عن ٩٠٪؜ من الزجاج المستورد داخل مخازنها، إثنان منها في الجنوب وواحدة في البقاع وقد تمّ تسطير محاضر ضبط بهم".  ويأسف أبو حيدر لعدم وجود معامل زجاج محلية، وأنهم من موقعهم كوزارة، يتابعون عن كثب باقي المؤسسات التي تأخذ البضاعة من الوكلاء أو من المستورد وتبيعها في الأسواق، مشدداً على أن كل مخالف سيتم ضبطه وتسطير محضر بحقه وإحالته إلى القضاء المختص.

 

ويلفت أبو حيدر إلى أن معالي وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي كان قد أصدر تعميماً في هذا الإطار لكافة المحافظات والبلديات لمتابعة هذا الملف وإرسال دوريات ضمن المهام الموكلة إليهم داخل نطاق هذه القرى. وكشف أنهم بصدد إرسال كتاب إلى جانب النيابة العامة التمييزية كي يجعلوا الرادع أقوى، وضبط السوق بالسرعة القصوى ولمنع بعض التجار من إستغلال الوضع وتحصيل أرباحاً غير مشروعة في وقت إستثنائي في تاريخ البلد. 

 

وفيما يتعلق بالتشريعات الجديدة، يؤكد دكتور أبو حيدر، "أنهم أجروا بعض التعديلات على قانون حماية المستهلك (ستحدّد لاحقاً) كنوع من الإجراءات الحازمة، على أمل أن يأخذ مجراه القانوني بعد مروره من لجنة الاقتصاد النيابية، ومن ثم الهيئة العامة لنكون قادرين على حماية المستهلك بكل ما للكلمة من معنى". 

 

في المقابل تلفت نائبة رئيس حماية المستهلك الدكتورة ندى نعمة في حديثٍ لـ "مهارات نيوز"، إلى تكامل دور وزارة الإقتصاد مع دور حماية المستهلك لضمان مراقبة فعّالة للأسواق، ومكافحة الإحتكار، وضبط الأسعار بما يحمي حقوق المستهلكين في هذه الظروف الصعبة.

 

وتشرح أنهم كجمعية، يتابعون جميع الشكاوى التي تردهم بالتنسيق مع فريق العمل، ولكن ليس لديهم سلطة تنفيذية لمعالجتها. إذ يتمثل دورهم في تلقي الشكاوى من المستهلكين عبر الخط الساخن ونقلها إلى الوزارة المختصة فقط، والتي تتولى بدورها معالجتها بطرق قانونية. 

 

وتضيف "تلقينا العديد من الشكاوى في الفترة الماضية، أبرزها تتعلق بإنقطاع بعض المواد الأساسية، ونحن بدورنا نؤكد للمستهلكين أن عليهم التحلي بالصبر، حيث لا يمكن تلبية جميع الإحتياجات في الوقت نفسه بسبب الحجم الكبير للطلب. أما فيما يتعلق بإرتفاع الأسعار، فالمشكلة معقدة جداً، لأن التجار الكبار وأصحاب المصانع رفعوا الأسعار، كما ويتحكم أصحاب المحال الصغيرة بالأسعار أيضاً بشكل مباشر، وإضطر المستهلك نتيجة للحاجة الملحة لتقبّل هذا الغلاء". 

 

 

الحلّ الجذري والوحيد بحسب دكتورة نعمة، حتى في ظلّ الاقتصاد الحرّ، هو تثبيت الأسعار، كما حدث بعد إنفجار مرفأ بيروت، عندما تمّ تحديد أسعار الألمنيوم والزجاج. واليوم، يجب إتخاذ خطوة مشابهة من خلال تثبيت أسعار تجار الجملة مع تحديد هامش الربح وتوزيعه لفترة شهر قابلة للتمديد. هذا الإجراء هو الأنسب في ظلّ الظروف الحالية، ويتطلب تدخل الدولة في حالات الطوارئ أو عند حدوث أزمات. فنحن في حالة حرب إقتصادية، وعلى الدولة إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لكبح جماح الأسعار.