صحيح جزئياً
على ضوء إعلان مجموعة العمل المالي (FATF)، عن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، بدأ الحديث عن تداعيات هذا التصنيف على الإستيراد والتصدير، الإستثمارات وعلى التحويلات المالية. حيث ورد في مقال على موقع "ليبانون ديبايت"، أن "بعض اللبنانيين الذين حاولوا في الساعات الـ48 الأخيرة تحويل أموال إلى بيروت، قد فوجئوا بإجراءت تحقيق معقدة تؤخر العملية، فيما اصطدم آخرون برفض شركات الأموال، إجراء التحويلات".
ولكن هل يؤدي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية إلى فرض إجراءات معقدة على التحويلات المالية؟
أعلنت مجموعة العمل المالي في جلستها العامة في باريس في الخامس والعشرين من تشرين الأول - أكتوبر، عن إدراج لبنان في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) على الرغم من طلبات المسؤولين اللبنانيين للتساهل ومحاولات حاكم البنك المركزي بالإنابة وسيم منصوري إبقاء لبنان خارج القائمة الرمادية. وجاء هذا الإدراج بالتزامن مع الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، وآخرها العدوان الإسرائيلي على البلاد.
وتعليقاً على هذه الخطوة، إعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بيان، أن "إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي "فاتف" خطوة كانت متوقعة بالنظر إلى الظروف المعروفة التي أعاقت إقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة، رغم ذلك أحرز لبنان تقدماً في العديد من الإجراءات الموصى بها في تقرير التقييم المتبادل وطبّق تدابير على قطاعه المالي عبر إصدار التعاميم المطلوبة للبنوك والمؤسسات المالية، الأمر الذي يعني أن علاقات لبنان مع المصارف المراسلة لن تتأثر نتيجة هذا التصنيف". وأضاف أن لبنان "سيواصل التعاون مع مجموعة العمل المالي".
ولفت ميقاتي النظر إلى أن "هذا الإجراء المتّخذ جرى تطبيقه سابقاً، ولا يزال، على العديد من الدول العربية والأجنبية البارزة، وستتم متابعته وفق الأنظمة والإجراءات المعروفة للعودة عنه".
وكان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قد نجح في تثبيت علاقات لبنان مع المصارف الدولية المراسلة الستة، التي ستُبقي تعاملها مع لبنان، نتيجة إلتزام المركزي والمصارف بمسار الشفافية والمعايير التي تضعها "فاتف" والمؤسسات المالية العالمية.
تجدر الإشارة إلى أن إدراج دولة ما في هذه اللائحة، يعني أن لديها نقاط ضعف استراتيجية في أنظمتها لضبط ومنع العمليات المالية غير المشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ما يؤدي إلى خفض تصنيف لبنان وبالتالي إلى تعقيد العلاقات والمعاملات بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة، والتشدد بالتدقيق بها، والتأثير بالتالي على تعاطي لبنان مع الأسواق المالية العالمية، وقد يؤثر على الاستيراد، وعلى التحويلات المالية إلى لبنان، وعلى جذب الإستثمارات الأجنبية، وارتفاع تكلفة الإقتراض.
وفي هذا الإطار يشرح الخبير الإقتصادي أنطوان فرح في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن إدراج أي دولة على اللائحة الرمادية بشكل عام، يؤثر على أمرين أساسيين، الأول أن الدولة ستعاني من إنخفاض بحجم الإستثمارات الأجنبية، والأمر الآخر يرتبط بالعلاقة مع المصارف المراسلة والتحويلات المالية إذ تصبح كلفتها أكبر وتحمل تعقيدات وتحقيقات إضافية لإتمام أي تحويل.
ويلفت إلى أننا "نعاني في لبنان من هذين الأمرين أساساً منذ الإنهيار والتوقف عن الدفع في 20 آذار 2020، فالإستثمارات الأجنبية شبه معدومة لدينا لنقول أنها قد تنخفض. وبالنسبة للتحويلات التعقيدات موجودة فمنذ العام 2020 بدأ التحويل يكون أصعب والتعاون مع المصارف المراسلة أشدّ تعقيداً والكلفة أكبر".
أما القول إن الأمور إزدادت تعقيداً الآن بعد تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لناحية التحويلات أو أنه يتم رفضها، فبإعتقاده "أن هذا الأمر غير دقيق، فمن المؤكد أن هناك تحويلات كانت تُرفض حتى قبل إدراج لبنان على اللائحة الرمادية والتحقيقات والتدقيق بالتحويلات كانت تحصل على إعتبار أن لبنان يُصنّف كدولة مفلسة وبالتالي من الطبيعي أن تتعرض التحويلات إلى هذه التعقيدات. قد تكون التعقيدات بالتحويلات قد إزدادت قليلاً ولكن لا أعتقد إلى الدرجة التي يُحكى عنها. نحن مصنفون كدولة مفلسة ومع تصنيف مجموعة العمل المالية أصبحنا دولة بالمنطقة الرمادية مشبوهة قد تصل إلى اللائحة السوداء إذا لم تُتخذ الإجراءات المناسبة".
في المقابل يرى الباحث في الشؤون الإقتصادية والمصرفية محمد فحيلي، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن اللائحة الرمادية تعني أن الدولة متعاونة أو ملتزمة جزئياً بالمعايير التي تضعها مجموعة العمل المالي وهي 40 معياراً. وكانت مجموعة العمل المالي قد قيّمت وضع لبنان وأصدرت تقريرها في العام 2023 على ثلاثة محاور، محاور القطاع الخاص التي لها علاقة بأداء القطاع المصرفي ومكونات القطاع الخاص لجهة الإمتثال لإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أداء مصرف لبنان والمحور الثالث هو أداء السلطة التنفيذية والتشريعية أي لناحية وجود قوانين كافية في لبنان ترعى مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وما إذا كانت السلطة التنفيذية تأخذ هذه القوانين على محمل الجدّ وتقوم بإصدار قوانين تنفيذية لجهة مساءلة ومحاسبة ومحاكمة من يرتكب الجريمة المالية.
ويضيف "بعد قرار حكومة حسان دياب بالتوقف عن خدمة الدين كلياً في آذار 2020، إضطربت العلاقة بين المصارف التجارية اللبنانية والمصارف المراسلة، هذه الإضطرابات إستدعت قواعد إشتباك جديدة بين المصارف المراسلة والمصارف التجارية اللبنانية. ومن أصل 54 مصرف تجاري ما يُقارب العشرة أو دون حافظوا على علاقة جيدة مع المصارف المراسلة من خلال الإلتزام بالإجراءات المتشددة التي وصلتهم من المصارف المراسلة لجهة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وبالنسبة للمخاطر الإئتمانية قاموا بتعزيز أرصدتهم لدى المصارف المراسلة وأصبحت علاقتهم جيدة".
أما قواعد الإشتباك فيجب أن تكون منطقية وفق فحيلي، لأن لبنان متعاون جزئياً في 6 من أصل 40 معياراً وكلياً في المعايير الأخرى، ولكن مجالس إدارة المصارف هي من تريد إتخاذ إجراءات مشددة. والمقصود بهذه الإجراءات الجديدة خلافاً للعادة إثبات مصدر المال بمستندات ووثائق سيطلبها المصرف المراسل وبالمقابل سيطلبها المصرف التجاري اللبناني عند حصول أي عملية تحويل، فيما كان التصريح عن مصدر المال كافياً في السابق.
ويخلص فحيلي إلى ثلاثة عناوين عريضة سيتم تطبيقها على الأكيد، "التحول من تصريح إلى إثبات مصدر المال على جهة المرسل وجهة المستفيد، سيحصل تأخير بمعالجة الخدمات المصرفية العابرة للحدود وكلفتها سترتفع. ولا يمكن القول أن كل المصارف المراسلة سوف تتصرف بنفس الطريقة، فمجلس إدارة المصرف المراسل هو الذي يحكم قواعد الإشتباك الجديدة وتاريخ وطبيعة العملاء الذين يتعامل معهم المصرف التجاري اللبناني هو الذي يحكم قواعد الإشتباك الجديدة، فلا توجد قاعدة محددة لكل مصرف قواعده".
شركات تحويل الأموال
وفي حديث مع أحد أصحاب مكاتب تحويل الأموال حول تأثير إدراج لبنان على اللائحة الرمادية على التحويلات، لفت إلى أن بعض البلدان مثل أميركا والسعودية والسويد مثلاً يتم التدقيق كثيراً بالتحويلات منها إلى لبنان ويتأخر وصولها، وبعض البلدان ترسل إشعارات بعدم التحويل إلى لبنان، هذا بالنسبة إلى التحويلات من الخارج إلى لبنان.
أما بالنسبة للتحويلات من لبنان إلى الخارج ومن لبنان إلى داخل لبنان فيقول "لا يمكن تحويل مبالغ كبيرة ولكن هذه الإجراءات موجودة وليست مستجدة، فمثلاً ليس مسموحاً تحويل مبلغ 6000$ من دون الحصول على توقيع العميل على الـ KYC وهي الوثيقة التي تتضمن مصدر الأموال وسبب تحويلها ومن المستفيد منها وطبيعة العمل، وهي إجراءات تتخذها الشركة للحماية من تبييض الأموال وعمليات الإحتيال. ولكن ما تغيّر في الوقت الحاضر أنه بات مطلوب توقيع وثيقة الـ KYC حتى بالنسبة للتحويلات بمبالغ صغيرة داخل لبنان بسبب الأوضاع".
وفي السياق يقول فرح بالنسبة للتحويلات عبر OMT و WHISH، "ما نسميه الإمتثال يختلف بين شركة وأخرى توجد شركات ملتزمة أكثر من غيرها وممتثلة أكثر لقواعد معرفة العميل ومصدر الأموال عند تحويلها، بعض الشركات تتجاوز هذا الأمر. وأعتقد أنه إذا ظهرت اليوم تعقيدات إضافية فتتعلق بإنذارات وصلت إلى كل الشركات بأن تتشدّد بتطبيق القوانين المعتمدة بالتحقيق بالتحويلات وإذا كان هناك شيء إضافي نشهده سيكون مرتبطا بالضغط على الشركات أكثر للإمتثال وتنفيذ المعايير المطلوبة منها بموضوع التحويلات".
أما فحيلي فيعتبر أن شركات تحويل الأموال، تخضع لقواعد إشتباك مختلفة عن تلك التي تخضع لها المصارف، فهذه الشركات لا تخضع لسيطرة مصرف لبنان والمبالغ التي يتم تحويلها عن طريقهم صغيرة نسبياً. كما ويستبعد ما يتمّ تداوله عن رفض بعض التحويلات لأن الرفض يحصل لأسباب موجبة مثل التحويل لأشخاص لأول مرة أو يقومون بعملية التحويل للمرة الأولى أو يقومون بتحويل مبالغ كبيرة لأول مرة.
إذاً، الفرضية المطروحة صحيحة جزئياً، فإن إجراءات التدقيق بالتحويلات موجودة منذ بداية الأزمة الإقتصادية، ولكن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية قد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات بالتحويلات مستقبلاً.