تعد دراسة واقع مؤسسات المجتمع المدني مؤشرًا أساسيًا في تصنيف ديمقراطية أي بلد ومدى الحرية التي يتمتع بها. في لبنان وعند النظر للبيئة القانونية التي تحكم تلك المؤسسات يتضح التراجع المستمر في هذا القطاع، على وقع ازدياد العراقيل والقيود القانونية المفروضة على جمعيات المجتمع المدني.
أظهر تقرير استدامة منظمات المجتمع المدني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2021 الصادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والذي يدرس قوة قطاع منظمات المجتمع المدني في بلدان عربية عدّة منها لبنان، تراجعًا في البيئة القانونية الحاضنة لهذه المؤسسات. سجل لبنان الرقم 4.5 في المؤشر، علمًا أن الجمعيات ما زالت تعمل حتى اليوم وفق قانون الجمعيات الصادر عام 1909.
تتعدد أشكال العراقيل القانونية التي تعاني منها مؤسسات المجتمع المدني، أهمها التأخير في عملية التسجيل، خصوصًا في حال كان المؤسسون من الناشطين السياسيين، إذ من شأن ذلك تقليص حرية التعبير في لبنان وفق تقارير مؤسسات محلية ودولية.
وقد يكون التأخير لوجستيًا أيضًا، إذ استقال العديد من الموظفين في القطاع العام بسبب الأزمة الإقتصادية، فيما تعاني بعض الإدارات العامة من مشاكل انقطاع التيار الكهربائي والنقص في لوازم العمل الأساسية من ورق وحبر وغيره. وواجهت مؤسسات المجتمع المدني أيضًا منذ تشرين الأول 2019 صعوبات عديدة عند فتح الحسابات المصرفية، ما أعاق عملها بشكل مباشر.
وتشرح المديرة التنفيذية لـ "نواة للمبادرات القانونية" المحامية ليال صقر في حديث لموقع مهارات نيوز أن غالبية العراقيل ناتجة عن كون الحكومة حكومة تصريف أعمال، ولكي تتمكن أي جمعية من أخذ العلم والخبر، عليها أن تحصل على موافقة وزير الداخلية، ومن ثم تتحول حسب طبيعة عملها إلى الوزارة المختصة.
وتضيف: "قد تواجه بعض المنظمات عراقيل أكثر من غيرها بسبب طبيعة عملها الحساسة، فمثلا عند تأسيس جمعية حلم وهي تعنى صراحة بحقوق المثليين لم يعطَ لها علم وخبر لأنهم اعتبروا أن موضوعها يخالف النظام العام".
وتوضح أن البعض "قد يضطرون لتسهيل عملية التأسيس إلى الحديث عن مضمون نشاط الجمعية بشكل أكثر عمومية كنشر التوعية وثقافة حقوق الإنسان. وغالبًا كل مضمون له علاقة بالدين أو السياسة يكون صعب المرور".
وتعتبر صقر أنه من الأفضل الإبقاء على قانون 1909 إذا لم يتم تقديم أفضل منه، كونه يعطي هامشًا واسعًا للحرية ويحترم المبدأ الأساسي وهو حرية إنشاء الجمعيات، رغم أنه في الممارسة، يفرض العديد من الشروط لتأسيس الجمعيات، ما يسبب بعض التأخير.
ومن المعلوم، وفق صقر، أن هناك ثلاثة أعمدة للحريات في أي بلد ديمقراطي وهي حرية التجمع، حرية إنشاء الجمعيات وحرية التعبير.
شروط جديدة
نالت جمعية "اليد الكريمة الخيرية" نصيبها من تلك العراقيل، فِالجمعية التي تأسست عام 2020 وتهدف الى تربية وإعداد الناشئة نحو المواطنية الصالحة ومساعدة ورعاية العائلات المحتاجة وتقديم خدمات عينية ومالية للمعوزين وجدت نفسها في مواجهة إجراءات لوجستية وهيكلية أثرت على عملها الميداني.
وتقول مؤسسة الجمعية كريمة حجير في حديث لموقع مهارات نيوز: "كنا عند القيام بأي توزيع نتواصل فقط مع مخابرات الجيش ونعلمهم بزمان ومكان التوزيع وبالتالي نحصل على إذن لدخول المخيمات، لكن الوضع تغيّر كليًا في الوقت الراهن، فقد بتنا بحاجة لتقديم طلب إلى المحافظة التي تشترط بدورها توزيع نسبة معينة من المساعدات على اللبنانيين".
ويتعين على الجمعية انتظار رحلة هذه الورقة التي ستمر بوزارة الداخلية ومن ثم تعود للمحافظ لتوقيعها، وفق حجير التي توضح أنه "من دونها لا تسمح لنا مخابرات الجيش بإتمام توزيع المساعدات".
وتؤكد أن العديد من الجمعيات الإغاثية تعاني من إجراءات مماثلة، من شأنها تأخير حصول المستفيدين على المساعدات.
TAG : ,المجتمع المدني ,البيئة القانونية ,حرية التعبير ,الجمعيات ,المؤسسات غير الحكومية ,عراقيل ,ديمقراطية ,جمعية ,مؤشر الاستدامة