شهدت الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان تطوراً في المشاركة النسائية بين عامي 2016 2025، حيث ارتفع عدد المرشحات من 528 مرشحة أي 7.7% من إجمالي 6,775 مرشحاً، إلى حوالي 14% من إجمالي المرشحين بترشّح حوالي 783 مرشّحة هذا العام. كما تحسنت نسبة النساء على مستوى الفوز أيضا، حيث ارتفعت نسبة المقاعد التي حصلن عليها من 6.7% في 2016 بحصاد 246 مقعداً من أصل 3,777 حينها، إلى حجز 13% هذا العام ب 488 مقعداً من أصل 3,777، مع تسجيل 14 حالة تزكية للنساء.
وبحسب الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE)، فعلى صعيد الانتخابات الاختيارية، فقد ترشح 6% من النساء من أصل 1,674 مرشحاً وهي نسبة مماثلة لعام 2016، لكن نسبة الفائزات ارتفعت من 2% إلى 3% أي 28 امرأة من أصل 850 مختاراً، في حين شهدت عضوية مجالس المخاتير حضوراً نسائياً أقوى بنسبة 18%.
هذه الأرقام تعكس تحسناً في فرص وصول المرأة إلى المناصب المحلية، وإن كان التقدم متفاوتاً بين المستويات المختلفة (أعضاء المجالس البلدية، المختارين، ومجالس المخاتير)، فبينما تُظهر نتائج جبل لبنان تقدماً واضحاً، بالرغم من تراجع الإقبال على التصويت في المحافظة لأسباب عدة، لا تزال الانتخابات البلدية مستمرة في محافظات لبنانية أخرى هذا الشهر، حيث يُترقب ما إذا كان هذا المنحى التصاعدي في تمثيل المرأة سيشمل باقي المناطق أيضاً.
قراءة نسويّة وقانونيّة للأرقام
في تحليل للأرقام المذكورة أعلاه، تقول مؤسِّسة "مدنيّات" الأستاذة ندى عنيد في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية أن هذه الزيادة في الأرقام تعكس إقبالا عند الناخب في انتخاب النساء وإصالهنّ إلى مراكز القيادة، ولكن لا يزال هناك حالة من التردد وعدم الإقبال من قبل العائلات خصوصا في تقبّل فكرة تمثيلهم من قبل سيدة في المجالس البلدية، ومن قبل الأحزاب على المقلب الٱخر أيضا في تقبل فكرة إفساح المجال أكثر أمام النساء للمشاركة في الحياة السياسية ووضع ثقتهم بطاقاتهنّ أكثر.
إذ من الواضح أن زيادة ترشح النساء يشكل خطوة إيجابية، لكنه غير كافٍ بذاته، فمن الضروري أن يرافق ذلك تعزيز للثقافة المجتمعية التي تشجع النساء على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، لا سيما في المجالس البلدية التي تؤثر مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين. كما ينبغي للمرشحات ألا يقتصر دورهن على الشكليات، بل يجب أن يطرحن قضايا جوهرية خاصة في حال لم يترشّحن أو ينجحن في الوصول إلى المجالس البلدية، عليهنّ الإقدام والمشاركة في اللجان البلدية ليس الثقافية فقط بل في اللجان الإدارية مثل الشفافية والخدمات العامة، التي كانت تاريخياً ولا تزال حكراً على الرجال.
وفي مقارنة بالمحافظات الأخرى، تقول عنيد أنه عادة ما تكون نسب محافظة جبل لبنان هي الأعلى من حيث حظوظ النساء في الفوز وأيضا، إذ في الأغلب تغيب المنافسة السياسية الفعلية وتطغى العوامل العائلية والاجتماعية في هذا الموضوع، لذلك يصعب توقع عدد المرشحات أو الفائزات في المحافظات الأخرى، مما قد يخفض المعدل الوطني.
قانونيًّا، تقول المحامية جودي فتفت مسؤولة قسم المراقبة طويلة الأمد في LADE، القانون المعمول به حالياً في الإنتخابات البلدية لا يعتمد نظام الكوتا النسائية، لا في الترشيحات ولا في توزيع المقاعد، مما يعني عدم وجود ضمانات قانونية لتمثيل المرأة. بالتالي، يعتمد وصول النساء إلى المجالس البلدية على قبول الأحزاب السياسية لترشيحهن، أو على العادات الاجتماعية والتقبّل العائلي في كل منطقة، إذ إن بعض العائلات أو المناطق قد تمانع ترشيح النساء، بينما في مناطق أخرى قد يتم دعمهن.
أيضا، على صعيد الإدارة الإنتخابية، فالقانون لا يضمن تمثيلاً جندرياً في الهيئات المشرفة على العملية الانتخابية، مثل رؤساء مراكز الاقتراع واللجان القائمة عليها، كما أنه لا توجد هيئة إشراف مستقلة على الانتخابات البلدية، مما يضعف الرقابة ويزيد من تأثير الإنفاق الانتخابي، الذي غالباً ما يكون عائقاً أمام النساء، خصوصاً مع محدودية إمكانياتهن الاقتصادية مقارنة بالرجال. بالرغم من أننا شهدنا هذا العام على حضور نسائي لافت في الإنتخابات البلدية كوجود عدد كبير من رؤساء الأقلام والكتاب والمندوبات السيدات، حتّى أن النساء تتواجدن أيضا كرؤساء لجنة القيد العليا كما في طرابلس وهذا أمر جيد جدا.
من الحلول المقترحة لتعزيز مشاركة المرأة بحسب فتفت، "فرض كوتا نسائية في الترشيحات والمقاعد البلدية، وضمان تمثيل النساء في الهيئات الإدارية المشرفة على الانتخابات، مثل تعيين نساء في مناصب رؤساء مراكز الاقتراع واللجان، كما وأنه من الضروري أيضا متابعة ملف ضمان تمثيل النساء في اللجان داخل المجالس البلديّة إذ أن هذا الأمر لا يزال عالقا بانتظار اتمام ملف التعديلات القانونية للتمثيل النسائي، هذه الإجراءات وغيرها الكثير بإمكانها المساعدة في تحقيق توازن أفضل وتمثيل عادل للمرأة في الحياة السياسية المحلية.
تجارب حيّة من جبل لبنان
شاركت ربى مكارم، الفائزة في الانتخابات البلدية برأس المتن، تجربتها مع "الأنباء"، موضحةً أن "أبرز التحديات التي واجهتها كانت النظرة النمطية لدور المرأة في العمل البلدي، بالإضافة إلى تحفظ بعض الجهات الدينية على تولي النساء مناصب قيادية مثل رئاسة البلدية". وأكدت أن ترشحها جاء نتيجة قناعة راسخة بحق المرأة في المشاركة السياسية، مدعومة بخبرتها في العمل البلدي والاجتماعي، مما دفعها للتغلب على الاعتراضات والاستمرار في تحقيق هدفها، مؤكدةً أن وجود النساء في مواقع القرار ضروري لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة.
شكلت مكارم لائحة "صوت نبض" المكونة من ٥ شباب و٤ سيدات، جميعهم معروفون بنشاطهم التطوعي والاجتماعي. نجحت اللائحة في كسب ثقة الناخبين عبر التواصل المباشر وبرنامج تنموي حديث، مما أدى إلى فوزها بـ٦ مقاعد (٣ للشباب و٣ للنساء)، محققةً تمثيلاً نسائياً بنسبة ٢٠%. وفي رسالة للمرشحات اللواتي لم يحالفهن الحظ، شددت مكارم على أن مجرد التفكير في الترشح خطوة جريئة، وحثتهن على المثابرة وبناء التحالفات استعداداً للانتخابات القادمة، معتبرةً أن التجربة غنية بحد ذاتها وليست خسارة.
في المقابل، دكتورة كلود ايلي مرجي المرشحة لعضوية المجلس البلدي لبلدية جبيل 2025، والتي خسرت المعركة الانتخابية أن التحدي الأكبر كان إقناع النساء بالترشح بسبب الخوف والضغوط السياسية، لكن لائحتها نجحت في كسر هذه الحواجز وحصدت نحو 40% من الأصوات رغم محدودية الإمكانيات، بمواجهة ماكينات انتخابية كبيرة، وامكانيات هائلة ولكن محاولتنا رغم الخسارة لا تُعتبر هزيمة بل رسالة بأن السياسة المتبعة يجب تغييرها واتباع سياسة أكثر استدامة للمشاريع والخطط وهذا ما نريده من المجلس البلدي".
وفي رسالة للمرشحات، حثّت على عدم الانسحاب أمام الضغوط غير الأخلاقية أو العراقيل المجتمعية، مؤكدةً أن دور المرأة أساسي في الإدارة البلدية، ودعت إلى تقبُّل مشاركتها سياسياً لتحقيق مصلحة البلاد، معتبرة أن دور النساء مهم جدا في البلديات فكما هي قادرة على إدارة المنزل بشكل منظّم، قادرة أيضا بشكل كبير أن تدير البلديات بطريقة منظّمة لذلك عليها أولا الاعتراف بقدرتها الكبيرة، وعلى الرجل والأحزاب والمجتمع تقبل وجودها في الحياة السياسية ذلك من أجل صحة الحياة السياسية والمحلية ومصلحة البلدات.
خطوة إيجابية تتطلب تعزيزًا
رغم التحسن العددي، لا تزال مشاركة المرأة في المجالس البلدية بحاجة إلى دعم أكبر، سواء عبر تعديلات قانونية أو برامج تمكين. النتائج النهائية لباقي المحافظات ستكون مؤشراً إضافياً على اتجاهات التغيير في المشهد السياسي المحلي اللبناني. على أمل أن تكون الإيجابية ذاتها ظاهرة، بما فيه من فائدة على الحياة الإنمائية المحلية في البلدات بأسرها.
تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرّيّة التعبير في لبنان”، موّل الاتّحاد الأوروبّيّ هذا التقرير. وتقع المسؤوليّة عن محتواه حصرًا على عاتق ”مؤسّسة مهارات“ وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتّحاد الأوروبّيّ. نشر هذا التقرير بالتزامن مع موقع الأنباء.