غير صحيح
شكل إخلاء سبيل الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أواخر أيلول الماضي مادة جدل واسعة إعلاميًا وسياسيًا، فالحاكم الذي تم توقيفه في أيلول من العام 2024 على خلفية اتهامه بشُبه فساد واختلاس أموال من المصرف المركزي، ها هو يخرج بكفالة مالية اعتُبرت الأعلى في تاريخ لبنان وتقدر ب 14 مليون دولار أميركي (بعد أن تم تخفيضها من 20 مليون دولار).
من الاشكاليات التي رافقت اخلاء سبيل سلامة هي كيفية تأمينه لهذا المبلغ الكبير من الأموال نقدا، وهو الصادر بحقه دوليًا مذكرات توقيف وحجز أموال، كما أن حساباته قد جُمّدت في لبنان بموجب قرار قضائي.
بالإضافة الى ذلك برزت إشكالية أخرى في عملية دفع الكفالة تتمثل في إيداع المبلغ لدى صندوق تعاضد القضاة، ما دفع بالنائب ملحم خلف لتوجيه سؤالا برلمانيًا إلى الحكومة عن مخالفة جسيمة للقانون تمثلت في إيداع كفالات جزائية في صندوق تعاضد القضاة، بدل صندوق قصر العدل، وهو خرق صريح لقانون أصول المحاكمات الجزائية، معتبرًا أن إيداع كفالة بقيمة 14 مليون دولار أميركي في صندوق لا يملك أي صلاحية قانونية لاحتضان أموال ذات طبيعة جزائية عامة، يشكل سابقة خطيرة تمس بالمال العام.
فهل إيداع مبلغ كفالة إخلاء سبيل رياض سلامة في صندوق تعاضد القضاة قانوني؟
تنص المادة 117 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تتحدث عن كفالات إخلاء السبيل، أن الكفالات يمكن أن تكون نقدية أو أسنادا على الدولة أو مصرفية أو تجارية أو عقارية. وإذا كانت نقدية أو أسنادا على الدولة فتودع في صندوق قصر العدل لقاء إيصال. ويستند إلى هذه المادة كُل من يقول ببطلان هذا الإجراء.
وفي السياق يؤكد المحامي نجيب فرحات أنه ومن الناحية القانونية الأمر واضح ، فأي مبلغ مالي على شكل كفالة يجب أن يُودع في صندوق الخزينة اللبنانية والحالات التي تُجيز وضع أموال في صندوق تعاضد القضاة محددة بقانون الصندوق وليس من ضمنها الكفالات. مضيفًا أن صندوق قصر العدل هو صندوق الخزينة كون قصر العدل هو جزء من الدولة أما صندوق تعاضد القضاة فهو وإن كان صندوق عام لكنه يتمتع باستقلالية مالية وإدارية وله موازنة ومالية خاصة به.
ويقول فرحات في حديث لـ "مهارات نيوز"، "هذه الإجراءات ليست بجديدة، وكانت تحصل منذ أيام رئيس الصندوق السابق النائب العام المالي السابق علي ابراهيم، حيث كانت تُودع الأموال في صندوق تعاضد القضاة بداعي تسهيل الإجراءات وتحقيق موارد للصندوق، حتى أن أموال الكفالات والمبالغ المضبوطة في حالات أو جرائم معينة كانت عند استردادها (يمكن استردادها في حالة براءة المُدعى عليه) يُحسم منها نسبة معينة ويقال أنها لمصلحة الصندوق دون أي سند قانوني لذلك، إذًا باختصار هذا الإجراء غير قانوني ولكنه يتم بحكم الأمر الواقع ويجب تصحيح المسار وارسال الأموال الى خزينة الدولة".
وبعد أيام من طرح هذه القضية في الإعلام والرأي العام، جاء كتاب وزير المالية ياسين جابر مؤكدًا على هذه المخالفة، حيث طلب الأخير من وزارة العدل إيداع المبالغ العائدة للكفالات والأمانات والتأمينات المدفوعة لدى صندوق تعاضد القضاة حتى تاريخه، صناديق وزارة المالية، كما طلب منها التعميم على القضاة ضرورة التشدد في إستيفاء الكفالات لهذه الصناديق، وذلك حفاظًا على الأموال العمومية.
واستند الوزير في كتابه هذا إلى المادة 171 من قانون المحاسبة العمومية، والى المادة 117 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وأشار في الكتاب الى أن الكفالات التي تدفع في صندوق تعاضد القضاة تشكل مخالفة واضحة وصريحة للقانون.
بدورها النائبة حليمة قعقور في حديث لـ "مهارات نيوز" أكدت على ما سبق بأن إيداع الكفالة في صندوق تعاضد القضاة يُعد مخالفة للمادة 117 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وفي العادة الكفالات تُدفع لصندوق الخزينة المركزي (وزارة المالية).
وتُسجل قعقور عدّة ملاحظات تتعلق بقضية سلامة أهمها حصر الاتهامات بملف واحد فقط وهو قضية الاختلاس بقيمة 44 مليون دولار من حساب الاستشارات في مصرف لبنان، متسائلة " لماذا حُصِر التحقيق بهذا المبلغ فقط في حين أنّ مليارات الدولارات قد نُهبت، سواءً من قبل سلامة وعائلته أو من المقرّبين منه والمصرفيين والسياسيين وغيرهم". وتضيف حول الكفالة التي خرج بها، لماذا جرى تخفيض قيمة الكفالة، والأهم من أين أتى بهذه الأموال وكيف تمّ دفعها نقدًا؟ أليس في ذلك شبهات بتبييض الأموال؟ ولماذا لم تتحرك هيئة القضايا التي يجب أن تدافع عن مصالح الدولة ؟
وتعتبر قعقور أن المشكلة أكبر من قضية إخلاء السبيل، فالاتهامات الحالية التي وجهت لسلامة هي الأخف مقارنة بعدة قضايا وملفات لا تزال مُعلقة ولم تُفتح منها: هندسات ماليّة كلّفت الدولة مليارات الدولارات، عمولات مشبوهة تفوق 8 مليارات (فوري/أوبتيموم)، تزوير ميزانيات مصرف لبنان وإخفاء خسائر تقارب 73 مليارًا، تبييض أموال واختلاس و إثراء غير مشروع.
إذًا وبناءً على ما سبق فالجواب على سؤال هل إيداع مبلغ كفالة إخلاء سبيل رياض سلامة في صندوق تعاضد القضاة قانوني هو غير صحيح، فهذا الإجراء يخالف القانون لاسيما المادة 117 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ويتخطى الحالات التي تُجيز وضع أموال في صندوق تعاضد القضاة والتي ينظمها نظام صندوق تعاضد القضاة.