تسارعت وتيرة الحرب في لبنان في الأسابيع الأخيرة مخلفةً دمارًا هائلًا بعد سنة كاملة من "العمليات المحدودة" بدأت منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وكانت الحكومة اللبنانية قد سارعت لإطلاق خطة الطوارئ الوطنية في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وتهدف الى حماية اللبنانيين واللبنانيات من تداعيات عدوان اسرائيلي واسع، والى تأمين مستلزماتهم واغاثتهم في حالة حصول تهجير قسري واسع من ديارهم إلى أماكن أكثر أمانًا في لبنان.
وعليه فُعّلت "اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة والكوارث والأزمات الوطنية لدى رئاسة مجلس الوزراء" بموجب القرار 43 /2023، وهي لجنة برئاسة أمين عام المجلس الأعلى للدفاع وبعضوية ممثلين من الوزارات والإدارات والهيئات المعنية بهدف تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية. كما تم تفعيل لجنة تسمى لجنة الطوارئ الوزارية يرأسها رئيس الحكومة ومنسقها وزير البيئة ناصر ياسين.
يبرز هنا السؤال عن أدوار هيئات موجودة وأنشأت لغاية إدارة الكوارث في الظروف القاهرة، لا سيما "وحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء" بالإضافة إلى "الهيئة العليا للإغاثة". ومن الأهمية بمكان الاضاءة على أدوار هذه الهيئات ضمن خطة الطوارئ ومدى رصد الأموال اللازمة لها لتسير العمل والتحديات التي تواجهها.
وحدة إدارة مخاطر الكوارث
لطالما تعرض لبنان للكوارث الأمنية والطبيعية خاصة في الحروب الخارجية أو الداخلية، وقد أثبتت الحكومات المتعاقبة معاناتها من تحديات كبيرة في ادارة هذه الكوارث أو التخطيط لها، وهذا ما شهدناه في السنوات القريبة الأخيرة بعد تفشي فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت، فضلًا عن الزلازل والهزات الطبيعية التي ضربت لبنان والشرق الأوسط تحديدًا العام الماضي.
يملك لبنان وحدة لإدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء والتي تم إنشاؤها من خلال مشروع تعزيز قدرات الحكومة اللبنانية في الحد من مخاطر الكوارث في العام 2010 وذلك بالشراكة ما بين الحكومة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP. نشأت فكرة المشروع بعد ظهور مشكلة واضحة في حرب تموز 2006 تمثلت بعدم وجود وحدة على المستوى الوطني تُنسق الاستجابة خلال الكوارث والأزمات. وفي العام 2019 أخذ هذا المشروع شكل وحدة بناءً على تعميم من رئيس الحكومة وأصبحت تُسمى وحدة إدارة مخاطر الكوارث وتتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء.
يشرح مدير مشروع الحدّ من مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء زاهي شاهين لـ"مهارات نيوز" أن الوحدة عملت منذ العام 2010 على عدة مستويات منها إنشاء غرفة العمليات المركزية في السراي الحكومي، تشكيل لجنتين وطنيتين لادارة الكوارث والازمات واحدة كانت تسمى "لجنة متخذي القرار" يتمثل بها الوزراء والمدراء العامين، وواحدة كانت عبارة عن التقنيين من الإدارات، وفي 2023 تم جمع اللجنتين في لجنة واحدة وهي اللجنة الوطنية لادارة الكوارث والازمات التي يرأسها حكمًا أمين عام المجلس الأعلى للدفاع ويتمثل فيها أكثر من 46 ادارة وجهاز أمني، وتُفعّل هذه اللجنة في ثلاثة احتمالات، إما بطلب مباشر من رئيس الحكومة، أو بطلب من رئيسها وهو الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع، أو بطلب من وحدة ادارة الكوارث، وتُفعّل اللجنة عند الحاجة وهي الآن مفعلة بسبب الحرب.
كما تم إنشاء غرف عمليات "بكل ما تتطلبه من إمكانيات" في 8 محافظات وفي 10 وزارات، وتم تدريب هذه اللجان على مستوى المحافظات والوزارات على آلية إدارة الكوارث والأزمات والتنسيق والتواصل.
أي دور لوحدة إدارة مخاطر الكوارث في ظل الحرب؟
يشرح شاهين أن وحدة إدارة الكوارث هي وحدة فاعلة طيلة العام ومن مهامها المتابعة مع الإدارات والوزارات والاجهزة الامنية لنقل الصورة إلى رئيس الحكومة في حال كان هناك ضرورة لتدخل رئاسة مجلس الوزراء بالموضوع.
ويضيف شاهين: "منذ بداية المعارك في الجنوب كانت الوحدة هي من تتابع من السراي الحكومي، وفي لحظة عندما رأينا أن الموضوع امتد من الجنوب الى النبطية اعتبرنا انه صار لزامًا تفعيل اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث فطلبت وحدة الكوارث تفعيلها ووافق رئيس الحكومة وطلب مباشرة تفعيل اللجنة وتفعيل غرفة العمليات المركزية".
تُعتبر وحدة ادارة الكوارث أمانة سر اللجنة الوطنية لادارة الكوارث والازمات وهي الفريق العملي التشغيلي لغرفة العمليات الوطنية، وتشمل المهام جدول الأعمال، متابعة نتائج الاجتماعات والتوصيات، وفي نفس الوقت تلعب الوحدة الدور الكبير في التنسيق المباشر مع المحافظات ومع وزارة الداخلية لمعرفة ماذا يحصل على مستوى المحافظات وما هي الحاجات والتحديات للتمكّن من الاستجابة لهذه المواضيع عبر جميع الجهات الفاعلة. كما "وهناك تنسيق مع الشركاء الأساسيين مثل وكالات الأمم المتحدة وبعض السفارات (فيما يخص المساعدات) مثل سفارات الإمارات والسعودية وروسيا وغيرها، وتنسيق مباشر مع الصليب الاحمر والدفاع المدني على الارض".
تُصدر الوحدة أيضًا وبشكل يومي "التقرير الوطني للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان" باللغتين العربية والانكليزية ويشمل تحديثات عن الوضع الحالي ويتضمن كافة الأدوار التي تقوم به الادارات والاجهزة، وتفاصيل عن المساعدات التي تصل إلى لبنان. وحول المساعدات يشرح شاهين أنه تم إنشاء منصة إلكترونية لتعرض بشفافية كل ما يصل.
وهي المنصة نفسها التي تحدث عنها الوزير ناصر ياسين في إطلالاته الإعلامية (يدير تحديث المعلومات عليها فريق الوزير) ويؤكد ياسين انها منصة في رئاسة مجلس الوزراء لنشر تفاصيل المساعدات التي تصل مباشرة إلى لجنة الطوارئ والتي يتولاها المحافظون، والى اين وصلت، مؤكدا أن المساعدات ستخضع للتتبع وإلى أي قطاع قُدمت ومن يدير هذا القطاع وكيفية تنفيذها في شكل شفاف. وستكون هناك عملية تدقيق دائمة من مدققين مستقلين كما أن هناك لجانًا تشاركية بطلب من بعض الهيئات المانحة لتقوم دائما بالمتابعة والتقييم.
وتُفصّل المنصة المساعدات وما تم توزيعه وما بقي منها، وتوضح أنواع المساعدات من طعام ومستلزمات نظافة وغيره، فضلًا عن الجهات المُرسلة، ويمكن لأي شخص الولوج إليها ومعرفة التفاصيل. وبحسب المنصة وحتى كتابة هذا التقرير تم استلام حوالي 113 ألف مادة، وُزّعت منها 84 ألفًا والمتبقي 29 ألفًا.
وحول موازنة وحدة إدارة الكوارث يؤكد شاهين ان ليس للوحدة ايّة موازنة أو اعتمادات من الدولة ونفقاتها مغطاة بشكلٍ كامل من الـ UNDP.
وفي مقارنة مع التجارب السابقة، يقول شاهين أن أكبر استجابتين في السنوات الماضية كانتا أزمة كورونا والحرب الحالية، مضيفًا أن التنسيق والاستجابة على المستوى الوطني وقت كورونا كان مميزًا، ولبنان في الأشهر الأولى من الجائحة كان من الدول المتقدمة في التنسيق، وكذلك في الحرب الحالية "بدأنا التنسيق باكرًا ولكن المشكلة تكمن أولاً في التحديات التي يتم مواجهتها وتتمثل في القدرات المتوفرة، فأحيانا تعلم ما يجب فعله لكنك لا تملك القدرة والإمكانيات لذلك، وثانيًا يوجد تحدي يتمثل في المنافسة السلبية بين الجهات المعنية".
الهيئة العليا للإغاثة
أُنشئت الهيئة العليا للإغاثة عام 1976 وهي هيئة قديمة ومتأصلة في لبنان وتتولى عدّة مهام منها قبول الهبات (مواد غذائية وحياتية) المقدمة الى الدولة اللبنانية لإغاثة المتضررين، وما يحيله اليها مجلس الوزراء من مواد أخرى، وقبول الهبات على اختلاف أنواعها المقدمة الى الدولة اللبنانية من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية والجهات المحلية والأشخاص المعنويين والطبيعيين لإغاثة المتضررين.
كما تتولى الهيئة وضع الانظمة اللازمة لاستلام وتوزيع الهبات، الأعمال الادارية والمالية، الأعمال الاعدادية - اللوجستية - كاستلام الهبات وتأمين نقلها ووضعها في المستودعات، توزيع الهبات، الاحصاءات والمعلومات، وغيرها من الأمور.
وفي العام 1993 تم تعديل تأليف الهيئة العليا للإغاثة بحيث يصبح رئيس مجلس الوزراء رئيسًا لها و نائب رئيس مجلس الوزراء نائبا للرئيس، وتضم عدة وزراء كأعضاء مثل وزير الدفاع الوطني، وزير الصحة العامة وزير الشؤون الاجتماعية، وزير الداخلية، ووزير الاشغال العامة (المادة 1).
تلعب الهيئة العليا للإغاثة اليوم دورًا أساسيًا في تقييم الأضرار ومتابعة مراكز الإيواء في المناطق ودعم النازحين، وأيضًا لناحية استلام المساعدات والهبات التي تصل إلى لبنان من دول العالم والاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات الدولية وتسليمها إلى الجهات المعنية.
وأكدّ الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد الخير في تصريح له أثناء تفقده مراكز إيواء النازحين في الشمال أن "المساعدات تصلنا بشكل فوري بعد تبلغنا بها مباشرة"،مؤكدًا على أنه وبالنسبة للمساعدات هناك نظام متبع بإشراف معالي وزير البيئة ناصر ياسين حيث تتم عملية متابعة التوزيع على أن تصل المساعدات إلى أصحابها وإلى المستحقين على التوالي.
فيما يخص موازنة الهيئة والاعتمادات المرصودة لها في الموازنة العامة يتضح بحسب أرقام معهد باسل فليحان المالي أن موازنة الهيئة العليا للإغاثة ارتفعت من 47,641,000,000 ليرة لبنانية في موازنة العام 2024، الى 62,151,152,000 في مشروع موازنة العام 2025(لم يصوّت عليه بعد).
كما اُعطيت الهيئة مؤخرًا بناء على مرسوم من مجلس الوزراء رقم 14056 سلفة خزينة بقيمة 200 مليار ليرة لبنانية لغاية استكمال تغطية التدابير والإجراءات المتعلقة بخطة الطوارئ الوطنية
اقتراح قانون إنشاء هيئة لإدارة الكوارث
تنشط حاليًا وفي ظل الحرب الدائرة عدّة جهات وهيئات ولجان لتلعب دورها ولو بمستويات متفاوتة، منها اللجنة الوطنية لادارة الكوارث والازمات، لجنة الطوارئ الوزارية،وحدة إدارة الكوارث،الهيئة العليا للإغاثة،مجلس الجنوب،والمجلس الوطني للبحوث العلمية الذي يعتبر شريك لوحدة إدارة الكوارث وهو بقانون إنشاؤه يُعتبر الذراع العلمي للدولة.
من المهم التذكير أن محاولات إنشاء "هيئة لإدارة الكوارث" قديمة جدًا من خلال اقتراح قانون من النائب الراحل بيار الجميل الذي طوره لاحقًا رئيس لجنة الأشغال محمد قباني، ووصل للجان النيابية لكنه لم يبصر النور إلى اليوم.
ومن ما أسقط اقتراح القانون، المادة الثامنة منه، التي تجعل من هيئة إدارة الكوارث الهيئة الرسمية الوحيدة المعتمدة لكل أعمال الكوارث والإنقاذ، وتُلغى سائر اللجان والهيئات والمديريات التي أنشئت في السابق لهذا الهدف، ولا سيما الهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني، وتنتقل إلى الهيئة جميع مهماتهما وأعمالهما وموجوداتهما العينية والمالية والبشرية. وتعتبر هذه الهيئات والمديريات ملغاة فور صدور المراسيم التنظيمية لأحكام هذا القانون.
كانت آخر المحاولات النيابية لدراسة وإقرار إقتراح قانون إنشاء هيئة إدارة الكوارث جلسة اللجان المشتركة في 11 حزيران 2024 التي احالته للّجان الفرعية. وخلص الاجتماع أن هذا الاقتراح كان موضوع نقاش طويل في لجنة الصحة، وهناك عدد من الكتل قدموا قوانين مشابهة. وخلال دراسة هذه الاقتراحات في اللجان الفرعية تبين انه يوجد في الماضي سنة 2001 إقتراح قانون قدمه النائب الشهيد بيار الجميل وتمت مناقشته، ومن ثم ترأس لجنة فرعية لتطوير القانون النائب السابق محمد قباني وأصدر توصية في اللجان المشتركة. وارتأى رئيس المجلس، بما أن هناك في اللجان المشتركة تقريرًا منجزًا ونهائيًا، أن "نعود وندرس كل هذه القوانين وكذلك تقرير اللجنة الفرعية الذي مر عليه الزمن". فتم تشكيل لجنة فرعية برئاسة رئيس لجنة الأشغال العامة لدراسة كل هذه القوانين وإصدار توصية جديدة. وأعطيت هذه اللجنة مهلة ثلاثة أشهر".
وفي جلسة 11 تموز 2024 عقدت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، المكلفة درس اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء هيئة لادارة الكوارث، جلستها الأولى برئاسة رئيسها النائب سجيع عطيه، وحضور النواب إبراهيم منيمنة، حسين جشي وعدنان طرابلسي وشخصيات أخرى، إستمعت اللجنة الفرعية إلى السادة النواب والوزارات والإدارات المعنية، وبعد النقاش أمهلت اللجنة ممثلي الوزارات والإدارات أسبوعين لإرسال ملاحظاتهم الخطية على إقتراح القانون تمهيدًا لمتابعة درسه في جلسة لاحقة.
بالرغم من التعاون بين الجهات الفاعلة التي سبق ذكرها انطلاقًا من الدور المركزي للّجنة الوطنية لادارة الكوارث والازمات التي يرأسها أمين عام المجلس الأعلى للدفاع والتي تتولى هي مهمة تنسيق الأعمال بين الجميع لتأمين فعالية أكبر لتنفيذ المهام. إلا أنه بات واضحًا واستنادًا للتجارب السابقة ضرورة إنشاء هيئة وطنية واضحة ووحيدة تُناط بها كافة مهام الإغاثة حتى لا تتضارب المهام وتتداخل الصلاحيات ونكون بالتالي في بلد تتعدد فيه الهيئات وتقل فيه الإنجازات.