Loading...
false

غير صحيح

Freedom Of Speech
هل التجديف فعل مجرّم وفق المواثيق الدولية التي التزم بها لبنان؟
13/05/2024

على إثر مقطع مسرّب لأحد عروض الكوميدية شادن فقيه،  نشر الشيخ حسن مرعب عبر حسابه على "x" بتاريخ 8 أيار 2024، هذا المقطع وكتب عليه: "...أطالب الجهات الأمنية والقضائية بالتحرك فوراً للقبض على المدعوة شادن فقيه وتحويلها للمحاكمة وإنزال أشد العقوبات بها بجرم شتم الذات الالهية وتحقير الأديان واثارة النعرات الطائفية".

ليعود ويعلن مرعب أنّه و"بتوجيه من مفتي الجمهورية اللبنانية، سماحة الشيخ عبداللطيف دريان سيقدّم أمين الفتوى في الجمهوريّة اللبنانيّة سماحة الشيخ أمين الكردي غدا إخباراً لدى النيابة العامة التميزيّة بحقّ المدعوّة".

استند أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين كردي في الإخبار على المواد 317، 473 و474 من قانون العقوبات. 

بالمقابل، يلتزم لبنان بالعديد من المواثيق الدولية، منها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

فهل التجديف فعل مجرّم وفق المواثيق الدولية التي التزم بها لبنان؟

يعتبر لبنان بحسب مقدّمة دستوره، جمهوریة دیمقراطیة برلمانیة، تقوم على احترام الحریات العامة وفي طلیعتها حریة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعیة والمساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنین دون تمایز أو تفضیل.

وتنصّ المادة 13 منه على أنّ حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحریة الطباعة وحریة الاجتماع وحریة تألیف الجمعیات مكفولة ضمن دائرة القانون".

دوليا، كفلت المواثيق التي التزم بها لبنان حرية الرأي والتعبير، إذ  ينصّ الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 19 منه على أنّ "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". 

وتعتبر حرية الرأي والتعبير ركن أساسي لبناء المجتمعات الديمقراطية، إذ كانت قد أكّدت الهيئة العامة للأمم المتحدة في بيان  مشترك حول "حرية الرأي والتعبير كمحرّك لجميع حقوق الإنسان الأخرى"، أنّ الحق في حرية الرأي والتعبير هو حق من حقوق الإنسان مكفول للجميع مشيرة إلى أهمية ضمان الحريات من أجل بناء مجتمعات ديمقراطية شاملة. 

يذكر أن البيان ضمّ رؤساء الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمؤتمر العام لليونسكو، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان.

أي وبالنظر إلى كون لبنان جمهورية ديمقراطية، لا بدّ من تماشي السياق القانوني اللبناني مع المعايير والتوصيات الدولية التي تضمن مبدأ حرية الرأي والتعبير.

لكن وبالمقابل، استثنى قانون العقوبات اللبناني "التجديف" من مبدأ "حرية الرأي والتعبير، إذ نصّت المادة 473 على أنّ من "من جدف على اسم الله علانية عوقب بالحبس من شهر إلى سنة". وتعريف كلمة "جدف على اسم الله"، هو من "كفر على الله"

أما المادة 474، فتنصّ على أنّ "من أقدم بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 209 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. 

من هنا، لا بد من النظر إلى السياق الدولي في التعامل مع مسألة "التجديف" في لبنان، إذ أعربت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان ضمن ملاحظاتها الختامّية حول المراجعة الدوريّة الثالثة للبنان في 9 أيار من العام  2018، عن قلقها بشأن "تجريم التشهير والإهانة والانتقاد بحقّ المسؤولين العموميين إضافة إلى التجديف، التي يمكن أن يعاقب عليها بالسجن".

وضمن الدورة 37 من الاستعراض الدوري الشامل (UPR) لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة (29 -18 كانون الثاني/يناير)، وكما صدر في  تقرير تجميع عن لبنان (compilation of UN information) حول تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان مع مراعاة القانون الدولي الانساني الساري وفي الجزء المتعلق بالحريات الاساسية، فقد أوصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لبنان بإلغاء تجريم التجديف، النظر في إلغاء تجريم التشهير بشكل كامل، التأكّد من تفسير الجرائم الإلكترونية بما يتوافق مع حرية الرأي والتعبير والامتناع عن قمع التعبير عن الآراء المعارضة أو فرض رقابة على التعبير الفني.

وخلال تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل الصادر في 7 نيسان 2021،(report of the working group)،  أوصى الفريق لبنان نزع صفة الجرم عن "التجديف"  وإلغاء تجريم التشهير بالكامل  بما في ذلك إهانة المسؤولين الحكوميين وانتقادهم. وحملت التوصية رقم 150-154، لكن لبنان رفض هذه التوصية بحسب ما بيّنه التقرير المخصّص لرد لبنان على التوصيات (decision of the outcome).

يذكر أن الاستعراض الدوري الشامل هو مراجعة دورية لسجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. ويقوم الاستعراض على المساواة بين جميع البلدان عبر إتاحة الفرصة لجميع الدول لإعلان الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وللتغلّب على التحديات.

أي أنّه واستنادا إلى ما سبق، ضمنت التوصيات مبدأ الحريات كأولوية، وإلغاء تجريم "التجديف" بالإضافة إلى ذكرها منع الرقابة على التعبير الفني الذي يندرج تحته الكوميديا التي تقدّمها شادن فقيه، لكن لبنان رفض نزع صفة الجرم عن "التجديف".

 

الدين: لا يمكن استخدامه لتبرير الانتهاكات

بالإضافة إلى حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ضمنت المادة 18 الحقّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدى.

بالمقابل، لم يتمّ ضمان هذا الحق في حادثة الكوميدية شادن فقيه، إذ وعلى إثر انتشار الفيديو على صفحة "وينية الدولة" بالإضافة إلى ما كتبه الشيخ حسن مرعب، واجهت فقيه حملة عنف وتهديد واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع دعوات للتظاهر للمطالبة بمحاسبتها.

وقد ذكر الاتحاد الأوروبي خلال تقرير بتاريخ 21 آب 2022 ،أنّه يجب على الدول التمسّك بحرية الدين والمعتقد بما يتماشى مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والغاء القوانين التي تجرّم الردّة (التخلّي عن مبدأ أو معتقد ديني) والتجديف، كما يجب إنهاء التحريض على العنف أو الكراهية وحملات التشهير عبر الانترنت وخارجها.

وقد ذكر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  في المادة 19  على أن "لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان الحق في حرية التعبير،  ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".

بالإضافة إلى ذلك، يحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف، بحسب ما نصّت عليه المادة 20.

يذكر أن لبنان كان قد صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 1972.

 

إذًا، غير صحيح أن "التجديف" فعل مجرّم في المواثيق الدولية الملتزم بها لبنان، بل على العكس، تعتبر الجهات الدولية أنّ حرية الرأي والتعبير هي ضرورة لبناء مجتمعات ديمقراطية، وقد أوصت لبنان بإلغاء تجريم "التجديف"، واستنادا على اعتبار أن لبنان دولة ديمقراطية، لا بدّ من تعديل القوانين وفقا للتوصيات والمعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير.