صحيح جزئياً
غرّد المستشار المالي ميشال قزح عبر حسابه على منصّة "x" أنّه "يجب ان يسحب مصرف لبنان سبائك الذهب الموجودة في بنك نيويورك قبل ٩ آذار تجنباً لأي حجز من حاملي سندات اليوروبوندز".
وقد أتى حديث قزح في ظلّ الحديث المتجدّد عن مستحقات الدولة اللبنانية وديونها الخارجية لا سيما سندات اليوروبوندز، خصوصا في ظل الانهيار المالي الاقتصادي المستمر منذ العام 2019 حتى اليوم.
فهل يمكن لحاملي سندات اليوروبوندز رفع دعاوى لحجز الذهب الموجود في بنك نيويورك؟
قرّرت الحكومة اللبنانية السابقة في آذار 2020 والتي كان يترأسّها حسّان دياب، التوقف عن سداد سندات "اليوروبوندز" والتي تبلغ قيمتها 31 مليارًا و314 مليون دولار، وتوزيعها على 29 استحقاقًا تمتد آجالها على مدار 18 عامًا، اعتباراً من 9 آذار 2020 حتى 23 آذار 2037، وقد أتى هذا التوقف بالتزامن مع إطلاق الحكومة خطتها الهادفة إلى إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد الوطني وإنعاشه في ظل الاضطراب الذي كان سائدًا عالميًا بسبب جائحة كورونا.
بعد خمس سنوات من تخلّف لبنان من سداد السندات، طرحت التساؤلات حول إمكانية مطالبة الدائنين بحقوقهم من الذهب اللبناني المملوك لمصرف لبنان والمخزن جزئيًا في نيويورك.
احتياطي الذهب: غير محمي بالكامل
في بداية السبعينات، فكّ الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، وبالتالي تم فك ارتباط كل العملات بالذهب بما فيها الليرة اللبنانية، ورغم ذلك بقي الذهب ذو أهمية عالية في المصارف المركزية نظرا لثباته وقيمته العالية.
وبناء على ذلك، أصدر مجلس النواب اللبناني في العام 1986 القانون رقم 42 والذي نصّ حرفيا على أنّه "بصورة استثنائية وخلافا لاي نص يمنع منعا مطلقا التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان او لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء اكان ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة الا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب".
أي أنّ هذا القانون كان مخصّصا للموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان، ولكن ليس كل الذهب موجود في مصرف لبنان إذ يحتفظ لبنان بثلث احتياطي الذهب في قلعة "فورت نوكس" الخاضعة لحراسة أميركية، فيما أبقى على الثلثين في خزائن المصرف المركزي في بيروت.
وفي العام 1996، أقرّ مجلس النواب اتفاقية عقود إصدار سندات الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز)، والتي ينص أحد بنودها على قبول الدولة اللبنانية الخضوع لقوانين محاكم نيويورك المدنية لحلّ أي نزاع بينها وبين دائنيها. ومن هنا أصبح الذهب الموجود في الولايات المتحدة الأميركية خاضعا للقضاء الأميركي.
يذكر ان للبنان سابقة بحجز اصول تابعة للمصرف المركزي في محاكم دولية خارج لبنان إذ وفق تقرير نشره "مواطنون ومواطنات في دولة" في العام 2020، واثر فسخ عقدي BOT مع شركتي الخليوي libancell و celis في العام 2001، لجأت الشركة الأولى إلى المحاكم الدولية التي قامت بحجز طائرة في تركيا تابعة لشركة MEA.
وعن تداعيات اتفاقية عقود إصدار السندات، يقول المستشار المالي مايك عازار في تقرير مكتوب له نشر في صحيفة l'orient le jour إنّ "سندات اليوروبوند اللبنانية تخضع لقوانين ولاية نيويورك، وهي ولاية قضائية مشتركة لعقود الدين الحكومي. وبينما تتمتع الدول الأجنبية عادةً بحصانة من الدعاوى القضائية أو حجز الأصول أو غيرها من الإجراءات القانونية، تنازلت الحكومة اللبنانية عن حصانتها بموجب اتفاقيات السندات، وهو أمر معتاد عندما تقترض الدول من جهات إقراض تجارية الأمر الذي يسمح للجهات الدائنة بمقاضاة الحكومة ومحاولة حجز أصولها، مع الالتزام بالقيود المفروضة في قانون حصانات الأصول الأجنبية 1976.
وحول هذه القيود، يوفّر قانون حصانات الأصول الأجنبية الحماية لممتلكات البنك المركزي ولكن هذه الحماية ليست مطلقة. إذ تنصّ الفقرة (ب) (أ) من المادة 1611 على أن ممتلكات الدولة محصنة من الحجز إذا كانت الممتلكات مملوكة للبنك المركزي أو للحكومة، ما لم يتنازل هذا المصرف أو هذه الحكومة عن حصانتها من الحجز.
وبما أن الحكومة اللبنانية تنازلت عن حصانتها وعن سيادتها بموجب اتفاقية عقود إصدار سندات الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز)، من الممكن أن يسمح ذلك للدائنين برفع دعاوى لحجز أصول المصرف من الذهب الموجود في الولايات المتحدة.
تمديد المهل يحفظ حق الدائنين
قرّرت حكومة حسان دياب في آذار 2020 التخلف عن سداد التزاماتها لسندات اليوروبوندز وتاجيل سدادها، ومع اقتراب استحقاق آذار 2025 وافق مجلس الوزراء برئاسة ميقاتي في 7 كانون الثاني 2025، على قرار تعليق حق الدولة اللبنانية بالإدلاء بدفوع مرور زمن المهل التي تسري على مطالبات حاملي سندات اليوروبوند الصادرة عنها، وفقا لقانون ولاية نيويورك أو أي مهل أخرى إن كانت تعاقدية أو غيرها وذلك لغاية 9 آذار 2028.
وقد صرّح وزير المالية السابق يوسف الخليل عند صدور القرار أنّه و"بتمديد مهل مرور الزمن، لن يضطر حاملو هذه السندات إلى اتخاذ إجراءات قانونية بسبب نفاذ المهل، ريثما يشاركون في إعادة هيكلة منظمة وتوافقية لهذه السندات".
وفي شرح هذه الآلية، قال الخبير الإقتصادي أنطوان فرح في تصريح سابق لـ"مهارات نيوز": "من المعروف أنه في شهر آذار 2025 يسقط حق حاملي اليوروبوند بالمطالبة بالفوائد على السندات، ومن جهة أخرى يجب ذكر أنه في العام 2026 كان سيسقط حق حاملي اليوروبوند بالمطالبة بأصل الدين وبالتالي من البديهي من حاملي السندات الإتجاه إلى رفع دعاوى للحفاظ على حقهم بالمطالبة بالفوائد على الدين التي تشير الأرقام إلى أن قيمتها ستكون بين 10 و12 مليار دولار أميركي. في هذا الوضع ما قامت به الحكومة اللبنانية أنها تنازلت عن هذا الحق ومددت المهلة التي تحفظ حق حاملي السندات لثلاث سنوات إلى الأمام بما يعني من حيث المبدأ أنه لم يعد لحاملي هذه السندات المصلحة بالتقدم بالدعاوى طالما حفظت حقوقهم، بإنتظار طبعًا بدء التفاوض على إعادة هيكلة الدين".
ويضيف فرح في مقابلة أخرى لـ"مهارات نيوز" أنّ "لا علاقة لتمديد المهل بخطر وضع اليد على الذهب، فالحكومة أعلنت التخلف عن الدفع في العام 2020 بشكل غير منظّم وفتحت المجال لحاملي اليوروبوندز برفع الدعاوى".
ويشير عازار في تقريره أنّه "وفي وقت التخلّف عن السداد، كان خطر رفع حاملي السندات دعاوى قضائية ضد الحكومة بهدف مصادرة الأصول الأجنبية لمصرف لبنان - احتياطياته من الذهب والعملات الأجنبية - ضئيلاً للغاية، إذ تتمتع أصول البنك المركزي بحماية خاصة بموجب القانون الأمريكي، طالما تُستخدم هذه الأصول في الأنشطة المصرفية المركزية التقليدية، ولكن توسّع أنشطة مصرف لبنان في مجالات جديدة، مثل استخدام عملة مصرف لبنان الأجنبية لتمويل/دعم مؤسسات تجارية محددة مثل استيراد الأغذية والوقود قد تُعرّض أصول مصرف لبنان لمخاطر جديدة في المحاكم الأجنبية إذا رفع حاملو السندات دعاوى قضائية ضد الحكومة."
إذا ما يتم تداوله صحيح جزئيا، إذ صحيح أنّ حاملي سندات اليوروبوندز من الممكن أن يرفعوا دعوى قضائية لحجز أصول المصرف المركزي من الذهب ولكن يبقى مصير هذه الدعاوى خاضع لتقدير المحاكم الدولية لناحية اعتبار الأنشطة الجديدة لمصرف لبنان تقليدية أو غير تقليدية ما يؤثر على قدرة حجز هذه الأصول، بالإضافة إلى أنّه لا مصلحة اليوم للدائنين بتقديم الدعاوى القضائية طالما أن حقوقهم محفوظة بموجب تمديد المهل إلى 9 أذار 2028.