Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

صندوق النقد
هل يريد صندوق النقد الدولي ضمن برنامجه مع لبنان شطب أموال المودعين؟
23/01/2025

 

مع انتخاب رئيس للجمهورية، والبدء بمسار تشكيل حكومة وانتظام العمل المؤسساتي في لبنان، يتم تداول الكثير من المعلومات حول الخطوات الانقاذية المفترض العمل بها على جميع المستويات لاسيما على المستوى الاقتصادي مع الأزمة المتفاقمة التي يشهدها لبنان، خصوصا لناحية مصير أموال المودعين، وكان قد صرّح رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد لجريدة نداء الوطن في 15 كانون الثاني 2025 أنّه "لن يتم توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فالأخير ضمن برنامجه يريد شطب أموال المودعين بشكل كامل، الأمر الذي يعتبر مرفوض، فهو يقلّل من احترام المودع والقضاء والدستور".

فهل يريد صندوق النقد الدولي ضمن برنامجه مع لبنان شطب أموال المودعين؟

 

توصلت السلطات اللبنانية وفريق من خبراء الصندوق في العام 2022 إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن أن يدعمها اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد"، وعلى مدار هذه السنوات لا تزال النقاشات مستمرة حول إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالي لوضع لبنان على سكّة التعافي الاقتصادي ورد أموال المودعين وتأمين الحماية الاجتماعية للمواطن اللبناني. 

وفي 29 حزيران 2023، أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا حول مسار الاصلاحات المالية في لبنان والتحديات المتي يعاني منها، ومن ضمن هذه النقاشات تمّ الحديث عن اعادة هيكلة القطاع المصرفي.

وفي التفاصيل، ذكرت احدى النقاط أنّ إصلاح النظام المصرفي في لبنان يتطلّب اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة هذه الخسائر الكبيرة بشكل استثنائي على أن تقرر السلطات الصياغة الدقيقة للإجراءات، وينبغي أن تهدف الأهداف العامة إلى استعادة ربحية المصارف وسلامتها المالية وضمان الامتثال للمتطلبات الاحترازية.

 

وقد وضع صندوق النقد خارطة طريق مستقبلية تتضمّن:

  • شطب رأس المال(writing off capital) وأدوات الدين الثانوية والودائع ذات الصلة بالأطراف المرتبطة.

  • إعادة رسملة داخلية من خلال تقليص حجم الودائع عبر مجموعة من الاجراءات هي الشطب، التحويل إلى أسهم أو سندات طويلة الأمد في المصارف وليرنة(lirafication)  الودائع بأسعار صرف تختلف عن سعر السوق.

  • حماية المودعين الصغار بالعملات الأجنبية حتى مبلغ معين في البنوك القابلة للاستمرار والتي ستخضع لإعادة هيكلة وإعادة رسملة بناءً على تحليل استباقي لخططها التشغيلية.

  • ضخ رأس مال جديد من قبل المساهمين الحاليين و/أو الجدد للبنوك القابلة للاستمرار من أجل إعادة رسملتها وإعادة هيكلتها ضمن خطط ذات مصداقية وإطار زمني محدد لكل مصرف.

  • خروج المصارف غير القابلة للاستمرار (سواء من خلال التصفية أو الدمج مع مصارف أقوى).

 

وحول هذا التقرير، يقول رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إنّ دين لبنان هو 510% من اجمالي الناتج المحلي، فقيمة دين سندات اليوروبوندو تبلغ قرابة الـ 32 مليار دولار وودائع المصارف في مصرف لبنان والتي تشكّل التزام على الدولة في حال مصرف لبنان لم يستطع أن يرجهم تبلغ قرابة الـ75 مليار دولار، أي كمجموع 108 مليار دولار أكثر من 500% من اجمالي الناتج المحلي الذي يتراوح بين 20 و 25 مليار دولار.

ويشرح أنه وأمام هذا الواقع، يرى صندوق النقد أنّ دين مصرف لبنان للمصارف يجب أن ينخفض عبر شطب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان وبالتالي شطبها من أصول المصارف(assets) وبالتالي شطب أموال المودعين.

وقد استند راشد في تصريحه على ما ورد في التقرير، اذ يشير إلى أنّ عبارة writing off capital تعني شطب أو محي ودائع كبار المودعين، أما كلام الصندوق عن حماية صغار المودعين فتبلغ قيمة هذه الودائع أقل من 10 مليار دولار وردها مشروط بأن يكون المصرف قابل للاستمرار وستتم بعد اعادة الهيكلة أي ستكون مقسّطة ، أما كبار المودعين فيخسروا وديعتهم ليستطيع بذلك شطب 60 إلى 65 مليار دولار من دين المصارف لدى مصرف لبنان، وبهذه الآلية يسعى صندوق النقد إلى جعل نسبة الدين من الناتج المحلي 100% ليستطيع لبنان بذلك رد القروض التي سيتم أخذها من الصندوق.

أي، تنصّ آلية الصندوق على writing off يعني شطب لأموال المودعين وbail in أي إعطاء المودعين الكبار أسهم في البنوك وتليير بعض الودائع على سعر غير سعر السوق وهذا يتماشى مع خطة نجيب ميقاتي بشطب الودائع من المصارف ووضعها في صندوق استرداد الودائع بعد فلترتها بين مؤهل وغير مؤهل، بحسب راشد.

وكانت قد نشرت مؤسسة مهارات تقريرا يفصّل خطة التعافي المالي التي عرفت بخطة لازار والذي خلص حينها إلى أنّ الخطة تؤدّي إلى شطب أموال المودعين بشكل غير مباشر.
 

ولشرح نقطة "writing off capital" مصرفيا، لا بدّ من الاشارة إلى بعض المصطلحات الاقتصادية، اذ يتكوّن المصرف من أصول(assets) أي كل ما يمكنه استثماره من أموال في المستقبل، ومسؤولية قانونية(liability) وهي الأموال التي لا يمكنه التصرف بها أي أموال المودعين، ومن رأسمال(capital) وهو بمعادلة حسابية 

capital = assets - liability

وهنا يشرح الخبير الاقتصادي خليل جبارة في مقابلة لـ"مهارات نيوز" أنّ " كلمة writing off capital  لا تعني شطب اموال المودعين بل هي تتحدث عن رأسمال المصرف، فودائع الناس ليست من ضمن رأسمال المصرف، والمشكلة في المصارف أنهم اعتبروا ودائع الناس من ضمن الassets وتصرّفوا بها وعند تعثرهم تنصّلوا من المسؤولية.

أي وكخلاصة لما سبق، تتضمّن خارطة الطريق التي وضعها صندوق النقد الدولي شطبا لرأسمال المصرف وكما هو  واضح أنّ أموال المودعين لا تشكّل جزءا من رأسمال المصرف بل هي ديون عليه(liability)، ولكن أيضا يتحدّث صندوق النقد بشكل صريح عن  إعادة رسملة داخلية من خلال تقليص حجم الودائع عبر مجموعة من الاجراءات هي الشطب، التحويل إلى أسهم أو سندات طويلة الأمد في المصارف وليرنة(lirafication)  الودائع بأسعار تختلف عن سعر السوق، أي أنّ هناك شطب لجزء من أموال كبار المودعين وليس شطبها بالكامل.

وهنا يشير جبارة أنّ "إعطاء المودعين جزءا من الأسهم في المصارف لا يعتبر شطب لأموال المودعين، صندوق النقد أعطى وعد للمودعين الصغار أما كبار المودعين فوضع آليات لشكل استرداد ودائعهم".
 

الحلول المطروحة: بين خطة الصندوق واستعمال الذهب واحتياطي المصرف المركزي

منذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى اليوم لا يزال أفق التعافي المالي والاقتصادي ضبابيا، ومصير أموال المودعين غامضا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التأخر في ايجاد المخارج التي تضع لبنان على سكّة الاصلاحات الاقتصادية يؤثّر سلبا على أموال المودعين وعلى الوضع الاقتصادي عموما.

وفي إطار الحلول المطروحة خارج خطة إعادة التوازن المالي، يرى راشد أنّ "الحل اليوم هو بإعادة الجدولة للديون عبر دفع 10% من قيمة الوديعة لكل مودع من الاحتياطي الموجود في مصرف لبنان والذي يبلغ 10 مليار دولار، بالإضافة إلى أن الذهب الذي يملكه مصرف لبنان والذي يبلغ 25 مليار دولار اشتراهم المصرف من اموال المودعين، يمكن اقتطاع جزء من الذهب وتوزيعه أيضا على المودعين".

وهنا وفي مقابل هذا الطرح، يرى جبارة أنّ "الحل اليوم هو أن وقف النزيف وتقديم الحل الآن عبر تطبيق السياسات المطروحة في خطة صندوق النقد الدولي والتي تشبه إلى حد معيّن الاجراءات التي كانت مقترحة بدءا من خطة لازار الى اليوم، وتبقى هذه السياسات أفضل بكثير من الاتجاه نحو رد أموال كبار المودعين من الاحتياطي الالزامي وجزء من الذهب، فهذه الأموال لا يمكلها فقط المودع بل هي ملك عام أي لجميع المواطنين. 

ويضيف جبارة أنه "لا يمكن التفكير في استعمال الذهب او احتياطي مصرف لبنان قبل تحديد خسائر الدولة ومصرف لبنان".

إذا، ما صرّح به رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية صحيح جزئيا، فصحيح أنّ خطة صندوق النقد الدولي تضمّنت شطبا لودائع كبار المودعين، لكن هذا الشطب ليس لكامل الودائع، إذ يأتي في سياق العديد من الخطوات المتكاملة مع تليير جزء من الودائع وتحويل جزء منها إلى أسهم في المصارف.