Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

ابراهيم كنعان
هل كانت ستؤدّي خطة حسان دياب المالية إلى شطب أموال المودعين؟
29/08/2024

على خلفية مقال نشر في موقع "أساس ميديا" بتاريخ 26 آب 2024 عن مصادر قيادية في التيار الوطني الحرّ تتّهم النائب ابراهيم كنعان والنواب المستقيلين من التيار بإسقاط خطة حكومة حسان دياب للإصلاح المالي، ردّ النائب ابراهيم كنعان على هذه النقطة قائلا إنّ "ما يسمى بـ”خطة حكومة الرئيس دياب” لم تحل أصلاً الى مجلس النواب لتجهض من قبله، بل غرقت في المقاربات المختلفة والمتناقضة بين أركان الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد، والمؤلف من الحكومة ومصرف لبنان.

 

وأضاف كنعان أنّ "نتيجة خطة حكومة الرئيس حسان دياب، كما خطة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وكما ثبت اليوم للجميع، هو شطب أموال المودعين عملياً من خلال اعتبارها خسائر يتحملها المودع لا التزامات على مصرف لبنان والمصارف".

 

وقد أدّى هذا الردّ إلى سجال سياسي مع وزيرة العدل السابقة في حكومة حسان دياب، ماري كلود نجم التي قالت عبر حسابها على تويتر بتاريخ 27 أب 2024 إنّ " النائب كنعان حرّ يدافع عن نفسه بخلاف حزبي لا يعنيني، لكن ليس من حقه قلب الحقائق وتشويه خطة حكومية كانت انقذت أموال الناس لو لم يتفق مع لجنته وحاكم المركزي وجمعية المصارف والدولة العميقة لإسقاطها وإذا مقتنع بمزاعمه أدعوه إلى مناظرة علنية فللحقيقة وجه واحد لا وجهان". 

 

وقد أدى منشور نجم إلى ردّ آخر من كنعان.

 

فهل كانت ستؤدّي خطة حسان دياب المالية إلى شطب أموال المودعين؟ 

أقرّ مجلس الوزراء في 30 نيسان 2020 الخطة المالية الاقتصادية والتي عرفت بخطة "لازار" في عهد رئيس الحكومة حسان دياب، وقد اعتبر دياب أنّ "الحكومة اللبنانية تمتلك لأول مرة في تاريخها خطة اقتصادية متكاملة. اليوم أستطيع القول إننا نسير في الطريق الصحيح لإخراج لبنان من أزمته المالية العميقة".

 

تعتمد خطة "لازار" على 6 مكونات رئيسية متداخلة: المالية، الاقتصادية، المصرفية والنقدية، والحماية الاجتماعية والتنموية.

 

في ما يخصّ القطاع المصرفي، حدّدت خطة "لازار" الفجوة المالية في مصرف لبنان وقد قدّرتها بنحو 42.8 مليار دولار وهي فجوة تمثّل خسائر المصرف نتيجة الهندسات الماليّة والتدخّل لتثبيت سعر الصرف.

 

وقد نصّت الخطة (صفحة 45 - 47)على عدّة خطوات في ما يخص اعادة هيكلة القطاع المصرفي، أولا، ستعمل الخطة على تنفيذ خطة انقاذية مالية "bail-in" كاملة من خلال المساهمين وحملة الأسهم الممتازين، أي سيتمّ الطلب من كبار المودعين لدى المصارف المساهمة في رأسمال المصرف، وبذلك  يصبحون مساهمون فيهوبالتالي شركاء ومستفيدين لاحقا من أرباحه.

 

وقد عرضت الخطة عدّة خيارات على كبار المودعين لدى المصارف وهي، رسملة طوعية لمصرفهم بواسطة جزء من ودائعهم، تحويل جزء من ودائعهم إلى أسهم قابلة للتداول في صندوق خاص لاسترداد الودائع، تحويل جزء من ودائعهم إلى سندات مصرفية طويلة الأجل من دون فائدة.

 

وبذلك تكون الودائع التي تبلغ قيمتها من صفر إلى 500 ألف دولار محميّة، أي سيتمّ ردّها إلى المودعين حسب السياسة المتّبعة في خطة لازار، وهنا يشير الخبير الاقتصادي خليل جبارة في حديث لـ"مهارات نيوز" أنّ خطة لازار كانت بداية جيّدة لوضع إطار للمعالجة، وكانت فكرة الخطة أن ترد أموال المودعين من صفر إلى 500 ألف دولار، أما الاشكالية في خطة لازار هو في تحميل مسؤولية الخسائر.

 

وفي هذا السياق، صرّح النائب ابراهيم كنعان سابقا أنّه "حين ناقشت لجنة المال والموازنة خطة التعافي المالي التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب، اعترضت على منطلق وحيد لا غير فيها يؤدي عمليا إلى شطب الودائع المصرفية لقاء تمليك أصحابها سندات أو أسهما في قطاع مصرفي مفلس وفي مصارف انعدمت الثقة بها"،  أي أن كنعان اعتبر أن إعطاء سندات لكبار المودعين وأسهما في المصارف في مصارف مفلسة هو بمثابة شطب للودائع.

 

ولكن، في الوقت عينه يتمّ الحديث اليوم عن السندات الدولية ذات الفوائد الصفرية كحل لجزء من أموال المودعين وهنا يشير جبارة إلى أنّ لا حل اليوم سوى بإعطاء أصحاب الودائع الكبرى سندات بفائدة صفرية تخوّلهم الحصول على ودائعهم بعد سنوات.

 

وقد أجابت خطة لازار على مصير الأسهم  والسندات التي ستعطى لكبار المودعين، إذ سيتم تحويل جزء من هذه الودائع الى أسهم قابلة للتداول في صندوق لاسترداد الودائع يموّل من استرداد الأصول المكتسبة بطريقة غير مشروعة عبر استراتيجية مكافحة الفساد. 

 

وذكرت الخطة أن تنفيذ الخطة يتطلّب إعادة هيكلة كاملة للقطاع المصرفي، وسيطلب من المصارف اقتراح خطط اعادة الهيكلة بما في ذلك اندماجها مع مصارف محلية أو أجنبية ، أو شراءها من قبل هذه المصارف. 

 

من ناحية أخرى، شكّل حجم الخسائر نقطة أخرى للهجوم على الخطة، إذ اعتبرت لجنة المال والموازنة عبر لجنتها الفرعية تحت مسمّى "لجنة تقصّي الحقائق" أن الأرقام مبالغ بها، لتعتبر أن الخسائر هي 81,299 تريلوين وليست 240,830 ترليونا، الأمر الذي ساهم أيضا بإسقاط خطة لازار التي اعتمدت بأساس فلسفتها على تحديد حجم الخسائر لتوزيعه. 


 

توزيع الخسائر: معضلة تسقط كل الخطط على حساب المودع

نصّ الاتفاق المبدئي على مستوى الخبراء الذي تمّ في 11 نيسان 2022 على إعادة الرسملة الكليّة في الجهاز المصرفي، و يتعين لهذا الهدف، الاعتراف بالخسائر في البداية والعمل على توزيعها، مع حماية صغار المودعين.

 

وهنا عمليا، تبرز أهمية خطة لازار بأنها أوّل خطّة تقدّر الفجوة المالية في مصرف لبنان، وقد حمّلت الخطة هذه الفجوة للمصارف، أي نقلت أموال المودعين من كونهم التزام على الدولة إلى خسائر يتحمّلها القطاع المصرفي.


 

من هنا، تبرز المعضلة الأساسية في الخطة، إذ يشير جبارة إلى أنّ أهمية الخطة أنها أظهرت خسائر مصرف لبنان، وبعدها بدأت معضلة كيفية توزيع أعباء هذه الخسائر وهذا هو الخلاف الجدّي الحاصل اليوم، وقد نجح رياض سلامة في منع تدقيق جنائي جدّي يحدد أسباب الخسائر ومصادرها، لذا إلى اليوم لا نستطيع توزيع هذه الخسائر.

 

أما النقطة الضعيفة الأخرى في خطة لازار، هي ما ذكرته حرفيا عن "إمكانية إصدار 5 تراخيص جديدة خاصة بالمصارف التجارية على أن تكون نسبة 50% منها أموال جديدة وستخصص هذه المصارف مواردها لتمويل الاقتصاد الفعلي حصرا"، وقد اعتبر جبارة أنّ "فكرة إعطاء الرخص دون إجراء إعادة هيكلة لمعرفة ما إذا كانت المصارف ستستطيع الاستمرار بالإضافة إلى الأسئلة التي دارت حول الجهات التي ستعطى لها التراخيص شكّلت عاملا مساعدا لانقلاب المصارف ولجنة المال والموازنة على الخطة".

 

ونظرا لهذه الايجابيات والسلبيات التي تملكها خطة لازار، كان من المفترض عرضها على النقاش العام لتفسيرها وتوضيح نقاطها، وأيضا الاستماع الى اراء المختصين وجميع أصحاب المصلحة، ولكن تم الانقلاب على الخطة وتم منع استمرار النقاش من قبل لجنة المال والموازنة بسبب عدم التوافق على توزيع الخسائر بحسب ما يشير إليه جبارة.

 

من جهتها أيضا، أكّدت جمعية المصارف حينها أنّها لا تستطيع الموافقة على خطة إنقاذ اقتصادي حكومية لم تتم استشارتها بشأنها، ما قد يدمر الثقة بلبنان ويعيق الاستثمار، ويضر بأي فرص للتعافي، وقالت الجمعية في بيان لها إن إجراءات الإيرادات والإنفاق "غامضة" وغير معززة بجدول تنفيذ زمني دقيق. وأضافت أن الخطة لا تعالج الضغوط التضخمية التي قد تؤدي إلى تضخم كبير، ودعت الجمعية النواب لرفض الخطة لانتهاكها جزئية الملكية الخاصة.

 

أي وخلاصة للمشهدية المستمرة منذ بدأ الأزمة المالية، تشكّل مسألة توزيع خسائر القطاع المصرفي بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف المشكلة الأساسية التي تؤدّي إلى خطط يتمّ الانقلاب عليها وإلى اقتراحات بديلة وسجالات سياسية على حساب المودعين.

 

إذا ما ذكره النائب ابراهيم كنعان صحيح جزئيا، إذ صحيح أنّ خطة "لازار" نصّت على عملية "bail in" لجزء من أموال كبار المودعين لقاء سندات أو أسهم في المصارف، ولكن هذا لا يؤدّي بالضرورة إلى شطب هذه الودائع خصوصا أنه لم يتم إعادة هيكلة القطاع المصرفي لمعرفة المصارف المفلسة والمصارف القابلة للاستمرار، بالإضافة إلى عدم الاتفاق حتى اليوم على معضلة توزيع أعباء خسائر مصرف لبنان.