غير صحيح
في ظلّ العدوان الاسرائيلي على لبنان، وحالة النزوح التي سبّبها من المناطق اللبنانية لا سيما الجنوب والضاحية الجنوبية، كثرت عمليات السرقة نتيجة لحالة الفوضى الحاصلة والدمار الكبير.
وقد انتشرت اليوم الكثير من الصور التي يظهر فيها السارقون معلّقون على العواميد في الضاحية الجنوبية كعقاب لهم على سرقة أغراض الناس.
ولكن هل يحقّ للمواطنين أخذ المبادرة لمحاكمة المتّهمين بالسرقة في ظلّ الحرب؟
أصدرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان اليوم في 9 تشرين الأول 2024 بيانا أشارت فيه إلى أنّ فرض العقوبات بشكل مباشر على مشتبه بهم بارتكاب جرائم، مثل جريمة السرقة، دون إحالة القضية إلى السلطات القانونية المختصة، يشكل انتهاكًا صريحًا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وقد استندت الهيئة في موقفها إلى عدّة مبادئ، أوّلها سيادة القانون، إذ يعد فرض العقوبات خارج نطاق النظام القضائي الرسمي انتهاكًا لمبدأ سيادة القانون، الذي يقتضي خضوع جميع الأشخاص والجماعات لنفس القانون، وإجراء التحقيقات ومعاقبة مرتكبي الجرائم عبر الآليات القانونية المعترف بها.
وينصّ الدستور اللبناني في المادة 8 منه، على أنّ "الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقّف إلاّ وفقا لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون".
أما قانون العقوبات اللبناني، فينص في المادة 1 منه على أن " لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي او اصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه لا تؤخذ على المدعى عليه الأفعال التي تؤلف الجرم وأعمال الاشتراك الأصلي أو الفرعي التي أتاها قبل أن ينص القانون على هذا الجرم".
أما المبدأ الثاني الذي استندت عليه الهيئة في موقفها هو مبدأ المحاكمة العادلة الذي نصّت عليه الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، إذ ينصّ في المادة 9 منه ان لكل شخص الحق في الأمان على نفسه ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه، بالإضافة إلى ضرورة إبلاغ الموقوف بأسباب توقيفه ويتم تقديمه سريعا إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية.
وقد أضافت الهيئة أن تجاوز المواطنين لهذه الأطر القانونية بفرض عقوبات مباشرة يهدد حق المتهم في محاكمة عادلة، ويعرضه لخطر المعاملة القاسية أو غير الإنسانية دون ضمانات قانونية.
من ناحية أخرى ومع أثار التعذيب الواضحة على أجساد المتّهمين، أشارت الهيئة إلى مبدأ "منع التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية"، إذ تحظر اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) التي يلتزم بها لبنان التعذيب أو أي معاملة أو عقوبة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة. وقد تشكل العقوبات المباشرة التي يفرضها المواطنون خرقًا لهذه الالتزامات الدولية.
وقد ختمت الهيئة موقفها بتحميل الدولة مسؤولية حماية الحقوق وتطبيق العدالة من خلال آلياتها الرسمية إذ إن تخطي الأفراد لدور السلطات القانونية في هذا السياق يهدد بزعزعة النظام العام ويفتح الباب لانتهاك حقوق الأفراد وتفشي الفوضى.
وفي إطار متابعة القضيّة، أكّد مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ"مهارات نيوز" أنّ "المتّهمين تم تسليمهم إلى الجيش اللبناني ليتابع التحقيقات معهم والتأكّد من الجرم".
إذًا ما قام به المواطنون من محاكمة للسارقين في الطرقات عبر تعليقهم على العواميد هو اختراق لسيادة القانون وللاتفاقيات الدولية التي يلتزم بها لبنان، لذا يجب على الدولة أن تتحرّك لتطبيق القوانين والعدالة من خلال مؤسساتها الرسمية.